لم تكن مدينة حلب يوما حصنا للنظام السوري، وهي لم تسلم -كغيرها من المدن السورية- من المجازر التي يتهم المعارضون النظام بارتكابها في الثمانينات من القرن الماضي، لسحق انتفاضة «الإخوان المسلمين» ومنعها من الوقوف في وجه النظام.
وبعد مرور 12 يوما على المعارك الدائرة في مدينة حلب في شمال سوريا بين الجيش النظامي وعناصر الجيش السوري الحر، بات بحكم المؤكد أن الصراع العسكري سيطول في تلك المحافظة التي تعتبر الرئة الاقتصادية للبلاد وتضم أكثر من 4 ملايين نسمة.
وفي حين يؤكد الجيش الحر أنه لم يخسر حتى الآن أيا من مواقعه التي يتحصن فيها داخل الأحياء، يتخوف سكان المدينة من انتقامات ينفذها جيش النظام وميليشياته في حال تمكنت القوات النظامية من إحراز تقدم على أحد محاور الصراع وبدأت باستعادة السيطرة.
يقول حسن، وهو ناشط يعمل في المجال الإعلامي لدعم الثورة في حلب: «هناك خوف لدى العائلات الحلبية المناصرة للثورة أن يعجز الجيش الحر عن الصمود لوقت طويل أمام أسلحة النظام الثقيلة ويضطر للانسحاب من أحياء حلب الثائرة». ويتابع «حينها سيعمد نظام الأسد إلى تنفيذ انتقامات جماعية بحق الناس الذين ساعدوا الثوار وشكلوا لهم بيئة حاضنة، في سيناريو مشابه لما حصل في الثمانينات».
وكانت مدينة حلب قد شهدت في ثمانينات القرن الماضي مجازر مروعة نفذتها القوات الموالية للنظام الحاكم بحق المدنيين، وذلك خلال الصراع بين نظام الرئيس «الأب» حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين المسلحة، وأشهر هذه المجازر مجزرة حي المشارقة. وفي هذا الصدد، يقول حسن «هناك جيل في حلب تربى على الخوف بعد أحداث الثمانينات، وهذا أحد الأسباب التي أخرت انضمام المدينة إلى الثورة»، ويضيف: «لم يكن هدف النظام الحاكم في تلك المرحلة ضرب الإخوان المسلمين بقدر ما كان هدفه بث الرعب في نفوس الحلبيين وضمان صمتهم لحقب طويلة».
ويشير الناشط المعارض إلى أن «تاريخا دمويا يربط بين سكان مدينة حلب ونظام آل الأسد، ذروته تلك المجزرة التي نفذها المقدم هشام معلا في أول أيام عيد الأضحى المبارك سنة 1980، حيث أمر رجاله بتطويق حي المشارقة وإخراج الأهالي من بيوتهم ثم أمرهم بإطلاق النار عليهم، فقتلوا أكثر من 100 شخص معظمهم من الأطفال والعجائز.. هذه المجزرة عالقة في ذاكرة كل حلبي عاش تلك الفترة بسبب قساوتها ووحشية مرتكبيها». ويضيف حسن بإصرار وتحد «آباؤنا حدثونا أن عصابات الأسد (الأب) في الثمانينات بعدما انتهوا من قتل الضحايا قاموا بربط بعض الجثث من أرجلهم وسحلوهم بشوارع حلب ورموهم على مداخل المدينة حتى يرهبوا الناس، بعد ثلاثين عاما لن نسمح بتكرار ذلك، وجدار الخوف الذي بناه النظام في نفوس أهلنا وآبائنا سقط منذ بداية الثورة».
يذكر أن مدينة حلب كانت تعد خلال سنوات الثمانينات المعقل الثاني لتنظيم الإخوان المسلمين بعد مدينة حماه السورية. ولا تعد مجزرة حي المشارقة المجزرة الوحيدة التي ارتكبتها قوات النظام، بل إن هناك مجزرة سوق الأحد التي وقعت يوم 13 يوليو (تموز) 1980 وراح ضحيتها أكثر من 192 قتيلا، ومجزرة بستان القصر في 12 أغسطس (آب) 1980 وحصدت 35 ضحية من المدنيين، إضافة إلى مجزرتي حي الكلاسة والقلعة.