اليوم؛ لا حديث بين الناس، وعلى شاشة التلفاز، غير الفيرس الجديد المسمى “كورونا”، الوباء الذي أعاد لأذهان البشرية ذكريات سابقة لها مع الأوبئة، التي فتكت بالعديد من الناس على مر العصور، وطمست حضارات كبيرة بأكملها، وسطرتها الإنسانية بسطور من دماء في كتب التاريخ. لكن في عالمنا العربي، المبتلى بفقر شديد في عادة القراءة، القليل من الناس من يعرف هذه الحقائق المروعة عما حاق بالإنسانية من ترويع، على يد كائنات أصغر من أن تُرى بالعين المجردة. هذه المقالة محاولة متواضعة من موقع الساعة الخامسة والعشرون، وضعنا بها قائمة من ثلاثة كتب هامة في تاريخ الأوبئة والحضارات التي اختفت جراء الكوارث، ليقف المواطن العربي على حقيقة ما جرى وما قد يجري حال استفحال وباء الـ”كورونا” في وطننا خلال الأيام القليلة القادمة مع الأسف.
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
“ظهر الطاعون فجأةً في جزيرة صقلية عام ١٣٤٧، وانتشَرَ بسرعةٍ هائلة ليُودِي بحياةِ نصفِ سكان أوروبا في غضون ثلاث سنوات فحسب، مكتسِبًا سمعته كأخطر وأبشع قاتلٍ على مر العصور. فما إنْ أحكَمَ «الموت الأسود» — كما عُرِف فيما بعدُ — قبضتَه على فرنسا، حتى انطلَقَ يبثُّ الرعبَ في نفوس سكان القارة الأوروبية كلها طوالَ ما يزيد على ثلاثة قرون كاملة. وكان طاعون لندن العظيم هو آخِر الضربات الكبرى، وبعدها ببضع سنوات، اختفى الطاعون فجأةً، تمامًا كما ظهَرَ فجأةً”.
يتتبع المؤلفان مسببات ذلك المرض اللعين، كاشفان عن القصص الإنسانية المأساوية المختفية في أعماق السجلات التاريخية؛ فنجد قصصًا لأبطالٍ لم ينالوا التقدير اللائق، وآباء مكلومين، وعشَاقٍ مفترقين، وأناس، كعادة تلك الأزمنة المؤسفة، استغلوا معاناة الآخرين لإشباع طمعهم.
وعلى الرغم من أن “الموت الأسود” كامنٌ حاليًا، فإنه يمكن أن يعاود الظهور في أي وقت، وليس هناك ما يدعونا إلى الظن أنه اختفى إلى الأبد، أو ظهور فيرس أحدث يرهب الإنسانية، كما هو حادثٍ اليوم مع الكورونا. لأنه في ظل مجتمعات اليوم المعولمة، وسرعة الحركة والتنقل التي صارت أيسر من ذي قبل بين الدول والقارات، يصبح ظهور أيًا من مثل تلك الميكروبات والفيروسات كارثة، لتحوله في غضون أيام إلى وباء عالمي.
المؤلفان هم كبار أساتذة في تخصصهما. سوزان سكوت؛ مؤرخة اجتماعية متخصصة في علم إحصاءات السكان، وباحثة بكلية العلوم البيولوجية بجامعة ليفربول، أعدت أكثر من ثلاثين ورقة بحثية وألفت ثلاثة كتب غير ذلك الكتاب الذي نقوم بعرضه. أما كريستوفر دنكانح فهو أستاذ فخري في علم الحيوان بجامعة ليفربول، أعد أكثر من مائتي ورقة بحثية، وألف سبعة كتب غير هذا الكتاب.
الأوبئة والتاريخ: المرض والقوة والإمبريالية
“يجب على أولئك الذين يعيشون في الغرب، أو في جيوب حضرية من الطبقة المتوسطة في غير الغرب، أن يبذلوا جهودًا حثيثة لفهم كآبة الواقع الماضي لمعظم الجنس البشري”.
هذا الكتاب هو دراسة رئيسية وواسعة النطاق للآفات الوبائية الكبرى للبشرية – الطاعون والجذام والجدري والزهري والكوليرا والحمى الصفراء / الملاريا – على مدى القرون الستة الماضية.
يطبق شيلدون واتس، المؤرخ الثقافي والاجتماعي الذي قضى معظم حياته المهنية في الدراسة والتدريس في جنوب العالم، منظورًا أصليًا تمامًا لدراسة الأمراض العالمية، واستكشاف الروابط بين حركة الأوبئة ومظاهر القوة الإمبراطورية في الأمريكتين وآسيا وأفريقيا والأوطان الأوروبية. ويوضح كيف تغيرت تصورات العالم عمن يستهدفه المرض بمرور الوقت، حيث كان يعتقد في بداية نشأت الطب أن المرض موطن الشعوب الفقيرة، التي كانت ينظر لها على أنها دول درجة ثالثة، وأثرت استجابات سياسية وطبية مختلفة. تعتمل فكرة شيلدون على أن الطب الغربي لم يفشل فقط في علاج الأمراض التي ولّدها توسعه، بل زاد منها ومن سرعة انتشارها في العالم، حيث نقلت جيوشه وسفنه التجارية المحملة بالأمراض الفيروسات معها إلى كل مكان بالعالم.
يفحص واتس العلاقة بين مهنة الطب قبل الحداثة وما بعدها، والكوارث الوبائية مثل الطاعون في أوروبا الغربية والشرق الأوسط. الجذام في الغرب في العصور الوسطى وفي العالم الاستوائي في القرن التاسع عشر. انتشار الجدري إلى العالم الجديد في عصر الاستكشاف. الزهري والأمراض غير الجنسية في اتصال أوروبا مع آسيا. الكوليرا في الهند خلال الحكم البريطاني. والملاريا في حوض الأطلسي أثناء عصور العبودية والداروينية الاجتماعية. يدرس بالتفصيل العلاقة بين التغيرات البيئية العنيفة والمرض، وبين المرض والمجتمع، سواء في المجال المادي أو في عقول وأرواح الحكام والمحكومين.
شيلدون واتس أستاذ سابق في التاريخ بجامعة إيلورين بنيجيريا، وأستاذ مشارك زائر في التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
حضارات مفقودة
يغوص هذا الكتاب فى أعماق الزمن، نرى فيه أطيافًا من ماضى البشرية السحيق، ويحلق بنا إلى حضارات قديمة غابت واندثرت، وإلى دول قامت ثم دالت، وأصبحت وراء الذاكرة، تحجبها غيوم النسيان، ذلك جراء كارثة إنسانية طمتهم ولم يكتشف وجودهم في مجرى التاريخ، إلا منذ سنوات قليلة، خلال الكشوفات التاريخية التي قام بها العالماء في العصر الحديث. وقد لا يكون هذا الكتاب ذا صلة مباشرة بالأوبئة، لكنه بكل تأكيد يحدثنا عن إمكانية إندثار جنس وشعوب وحضارات بأكملها من كارثة إنسانية، ربما تكون تلك الكارثة عبارة عن ظاهرة بيئية، كتسونامي، أو وباء عالمي كالطاعون.
الحضارات مفقودة التي يحدثنا عنها محمد العزب موسى، ولا نعلم عنها شيئاً هي، أطلانطس؛ القارة المفقودة، حضارة ديلمون التى نشأت وأزدهرت فى الخليج العربى، وذكرى المدينتين الرومانيتين الهالكتين، بومبى وهركيونيوم، وفى أمريكا اللاتينية نعرف قصة الملك اتوالايا وقصة حضارة تياهواناكو.
محمد العزب موسى، كاتب وصحافي مصري، شغل منصب نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار المصرية. توفي سنة 1993 عن عمر يناهز 57 عاما. وله ثلاثون كتابا مؤلفا ومترجما في الرواية والأدب وخاصة التاريخ، من أبرزها. وحدة تاريخ مصر. حرية الفكر. أول ثورة على الإقطاع. هزيمة الهكسوس. حضارات مفقودة. أسرار الهرم الأكبر. حقائق وغرائب. دراسات إسلامية في التفسير والتاريخ. حكماء وادي النيل. حرب الأفيون. صفحات من تأريخ البحرين في العصر الاسلامي. آلة الزمن (ترجمة).
اقرأ أيضًا:
عذراً التعليقات مغلقة