موجة عارمة من ردود الفعل الجماهيرية والرسميّة، تجاوزت المغرب نفسه، الذي احتفل مواطنوه بليلة تاريخية لا تنسى، إلى بقاع الأرض.
عبّر «أسود الأطلس» بتأهلهم إلى «المربّع الذهبي» الذي كان محتكرا على لاعبي قارّتين، عن إنجاز رياضيّ تاريخيّ لذلك استحقوا التحيّة والتهنئة.
تعبّر ردود فعل الشعب المغربي، والشعوب العربية، عن جملة عناصر، يتحوّل فيها الإنجاز الرياضيّ إلى حدث يعبّر أيضا عن إشكاليات التاريخ والسياسة
عواطف جيّاشة تتبادلها شعوب تقبع تحت ربقة الاحتلال أو الاستبداد أو الحروب الأهليّة، كما فعل الفلسطينيون بغزة، المحاصرة إسرائيليا، والضفة الغربية المحتلة.
* * *
أدى الحدث الرياضيّ المتمثل بفوز المنتخب المغربي لكرة القدم على نظيره البرتغالي إلى موجة عارمة من ردود الفعل الجماهيرية والرسميّة، تجاوزت المغرب نفسه، الذي احتفل مواطنوه بليلة تاريخية لا تنسى، إلى بقاع الأرض، كما تم اعتباره حدثا جللا في كل الدول العربية.
واحتفلت به شعوب كثيرة في العالم الإسلامي، وأفريقيا، كما لفت أنظار المتابعين للمونديال في القارتين الأوروبية وأمريكا اللاتينية، اللتين سيطرتا منذ عقود على جائزة كأس العالم.
شدد كثيرون من قادة العالم على طبيعة الواقعة التاريخية، كما فعل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي بارك وصول «أول فريق أفريقي وعربي لنصف نهائي كأس العالم» وكذلك رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، الذي توجّه لعموم المغاربة قائلا: «نحيي انتصاركم التاريخي. موعدنا في نصف النهائي» (في إشارة إلى أن منتخب فرنسا سيقابل نظيره المغربي يوم الأربعاء القادم) والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي تحدث عن «الإنجاز الأفريقي».
وكان لافتا، في هذا السياق، أن بعض قادة الدول العربية، شاركوا في الاحتفال، كما فعل محمد السادس، الملك المغربي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الذي تنظم بلاده المونديال، كما أن أغلبهم هنأوا العاهل المغربي على الإنجاز، بغض النظر عن الاختلافات السياسية.
تعبّر ردود فعل الشعب المغربي، والشعوب العربية، عن جملة عناصر، يتحوّل فيها الإنجاز الرياضيّ إلى حدث يعبّر أيضا عن إشكاليات التاريخ والسياسة، وتشتبك من خلاله الاندفاعات العاطفية الغامرة بأشكال التعبير عن آمال التحرّر من انكسارات الماضي والحاضر، بحيث تمس الجميع «كهرباء» جماعية فينقلب حدث انتصار منتخب كرويّ أعضاؤه مغاربة مسلمون أفارقة انتصارا لأمم وشعوب وجغرافيات متعددة وقارّات واتجاهات سياسية ترى في الحدث أملا بانتصارات مشابهة، ليس في الرياضة فحسب بل في قضايا الاجتماع والسياسة والتاريخ أيضا.
من المظاهر المعبّرة بشدّة عن هذه العناصر، العواطف الجيّاشة التي تتبادلها شعوب تقبع تحت ربقة الاحتلال أو الاستبداد أو الحروب الأهليّة، كما فعل الفلسطينيون في غزة، المحاصرة إسرائيليا، والضفة الغربية، حيث شهدنا خروج الناس من المدن والمخيمات للاحتفال، حاملين العلمين المغربي والفلسطيني (كما فعل الكثير من المغاربة داخل مدرجات المونديال).
وكذلك فعل يمنيون، في تعز المحاصرة من قبل «الحوثيين» وصنعاء التي يسيطرون عليها، وكذلك فعل السوريون في المناطق المحررة من النظام السوري، ونظراؤهم في دمشق. كان لافتا أيضا حماس الشعب الجزائري لشقيقه المغربي.
كانت ردود فعل المتابعين جديرة بالانتباه أيضا فيما يخص اللقطات التي صوّرت عناق بعض اللاعبين المغاربة لأمهاتهم، وخصوصا سفيان بوفال، الذي اندفع نحو والدته الباكية من الفرح في المدرّج وأخذ بها إلى الملعب للاحتفال، وهو ما دفع باحث مغربي للحديث عن « تعبير الصورة عن شعورنا جميعا» وهو أمر يشير لأثر الأحداث العامّة الإيجابي على المشاعر الاجتماعية الإنسانية.
كما أنّه أمر يثير، في الوقت نفسه، إلى الآثار الاجتماعية السلبيّة المتولدة عن مشاعر الخذلان والهزيمة، والتي تنعكس أحيانا، كموجة عنصريّة، أو شتائم بذيئة ضد اللاعبين أو المنتخب، وهناك دلائل إحصائية على أن معدّل العنف الأسريّ يزداد أيضا في حالات كهذه، ونحن نتحدث هنا عن مجتمعات أوروبية، وهو، على الأغلب، حال مجتمعات أخرى.
«أسود الأطلس» سواء أرادوا ذلك أم لم يريدوا، عبّروا بتأهلهم إلى «المربّع الذهبي» الذي كان محتكرا على لاعبي قارّتين فحسب، عن إنجاز رياضيّ تاريخيّ، وهم يستحقّون لذلك واجب التحيّة والتهنئة، كما يستحق الناس عموما، وليس في أفريقيا والمنطقة العربية، أن يفرحوا بهذا الإنجاز.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: