نعني هذا التحالف الجديد الذي تجري حاليا محادثات حول انشائه، والذي من المفترض ان يضم دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن والولايات المتحدة الأمريكية.
التحالف اطلقت عليه تسمية «ميسا» اختصارا لعبارة «ميدل ايست استراتيجيك الاينس»، أي «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» وهو معروف اكثر باسم «الناتو العربي»؟.
لماذا يعتبر امر هذا التحالف مهما وخطيرا؟.. لأنه إذا قدر له ان يتشكل فعلا، فمن المفترض ان يكون هذا هو الاطار الاستراتيجي الأساسي الذي يحكم المواقف والسياسات التي تتعلق بقضايا الأمن والاستقرار في المنطقة، ومواجهة الأخطار والتحديات الأمنية التي تهدد على الأقل الدول العربية أعضاء التحالف.
لكن السؤال الذي يحتل أهمية حاسمة في الوقت الحاضر هو: هل هذا التحالف هو المطلوب فعلا من وجهة نظر المصلحة الأمنية والاستراتيجية العربية؟.. هل هذا التحالف سيكون فعلا تطورا استراتيجيا ايجابيا يجب أن نتحمس له عربيا؟
هناك جوانب وقضايا كثيرة يجب أن نطرحها للنقاش كي نتمكن من الإجابة عن مثل هذه التساؤلات.
في كل الأحوال لا بد ان يكون لنا موقف عربي واضح محدد من هذا الـ« ميسا» أو «الناتو العربي».
اعني تحديدا انه بغض النظر عن المواقف الرسمية للدول العربية المعنية، والتي لا نعرف عنها الكثير حتى الآن باستثناء ان هناك موافقة مبدئية على إقامة التحالف، لا بد ان يكون لنا نحن المراقبون والمحللون رأي وموقف واضح..
قبل ان نعرض الموقف العربي المفترض من هذا التحالف من وجهة نظرنا، وجدت ان من المهم جدا، وما يساعدنا في الحقيقة على تحديد موقفنا، ان اعرض لآراء ومواقف الخبراء والمحللين الغربيين الكبار. وهذا هو موضوع مقال اليوم.
}}}
ماهو «ميسا»؟
فكرة تشكيل التحالف الذي اسمي «الناتو العربي» أو «ميسا» مطروحة منذ فترة طويلة. في الحقيقة الفكرة مطروحة منذ فترة الحملة الانتخابية لترامب قبل ان يفوز برئاسة أمريكا، واثارها في ذلك بعض مستشاري حملته. لكن الفكرة تطورت قليلا مع مرور الوقت.
في البداية، كانت الفكرة تقوم على ان ترامب سيشجع الدول العربية الحليفة لأمريكا بأن تشكل هي تحالفا على غرار حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، ويطلق عليه «الناتو العربي» بهدف ان تتولى هذه الدول تحمل المسؤولية الأساسية سواء في مواجهة خطر إيران أو الخطر الإرهابي عموما في المنطقة.
وفي مرحلة لاحقة، اقترحت الإدارة الأمريكية الفكرة رسميا على دول مجلس التعاون الخليجي، واقترحت ان يضم التحالف الأردن أيضا، بالإضافة إلى أمريكا بالطبع.
ثم في فترة تالية، وتحت الحاح البحرين والسعودية والامارات فيما يبدو، تم اقتراح ان تنضم مصر أيضا إلى التحالف.
حتى اليوم، من الواضح ان الرؤية الكاملة للتحالف لم تتبلور بعد في المحادثات التي تجري، وما تم طرحه أفكار عامة حول طبيعة التحالف وهدفه ونطاقه بالضبط.
مسؤول أمريكي هو تيم لاندركينج مساعد وزير الخارجية لشؤون الخليج العربي سبق ان قضى ثلاثة أسابيع في المنطقة لإجراء محادثات حول التحالف المقترح. قال ان الهدف من التحالف هو «التصدي للعدوان الإيراني والإرهاب والتطرف وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، وان التحالف الجديد سيكون بمثابة نسخة عربية من حلف شمال الأطلنطي «الناتو». وقال أيضا ان التحالف سيقوم على اساس اتفاقية أمنية واقتصادية وسياسية تربط بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة ومصر والأردن.
وفي ديسمبر الماضي، قال وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير في حديث عن التحالف ان الدول العربية المعنية تجري محادثات مع الولايات المتحدة للتوصل إلى ترتيبات امنية جديدة في المنطقة في اطار تحالف اطلق عليه «ميسا» وان الهدف من التحالف هو حماية المنطقة من العدوان الخارجي وتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة. وأضاف أن المحادثات جارية لكن الأفكار النهائية هي في مرحلة التبلور.
كان من المفترض حسب ما سبق ان أعلنت المصادر الأمريكية ان تعقد قمة في أمريكا في شهر يناير الحالي للإعلان عن قيام التحالف. لكن من الواضح ان عدم وضوح الصورة وعدم الاتفاق بعد على كل ما يتعلق بالتحالف جعل من الصعب عقد مثل هذه القمة في الوقت الحاضر في انتظار التوصل إلى اتفاق.
اذن، الواضح حتى الآن ان هناك اتفاقا مبدئيا عاما بين الدول المعنية على إقامة هذا التحالف. وهناك اتفاق على ان يستند التحالف إلى اتفاقية أو معاهدة شاملة، عسكرية وسياسية واقتصادية بين الدول الأعضاء.
لكن المؤكد انه حتى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حول هذه المعاهدة التي من المفروض ان تحدد طبيعة التحالف واهدافه وكل ما يتعلق به، وان هناك محادثات جارية بهذا الخصوص. الأمر المفهوم في كل الأحوال ان احد الأهداف الرئيسية وراء التحالف المقترح مواجهة الخطر الإيراني في المنطقة.
}}}
تساؤلات وشكوك
قبل أن نحدد موقفنا العربي من التحالف من وجهة نظرنا، من المهم ان نعرف كيف ينظر المحللون والباحثون في الغرب إلى هذا التحالف.. ما هي وجهات نظرهم ورؤاهم للتحالف وجدواه واحتمالات فشله أو نجاحه ولماذا؟
الحقيقة انني قرأت عددا كبيرا جدا من هذه التحليلات. وقد اخترت منها أهمها، وهي لباحثين ومحللين معروفين، لأنها تلخص كل الجوانب التي تطرق اليها الكتاب والمحللون عموما.
سأعرض فيما يلي ما طرحته هذه التحليلات من مواقف وآراء.
كريستوفر بولان، أستاذ متخصص في قضايا الأمن في الشرق الأوسط بمعهد الدراسات الاستراتيجية في كلية الحرب الأمريكية. كتب تحليلا مطولا يطرح فيه كثيرا من التساؤلات تثير في رأيه مشاكل عدة تعترض هذا التحالف.
هو يعتبر بداية ان الصورة غير واضحة حتى الآن في اذهان المسؤولين الأمريكيين حول طبيعة هذا التحالف وأهدافه وكيف يجب أن يكون، وما زالوا يحاولون بلورة أفكار واضحة بهذا الخصوص.
ويقول ان هناك أسئلة كثيرة يجب أن يجيب عنها المسؤولون الأمريكيون لأنها تكشف عن مشاكل كثيرة.
واهم التساؤلات التي يطرحها هي على النحو التالي:
ما هي المهام أو الوظائف التي يمكن أن يقوم بها هذا التحالف التي لا تقع بالفعل ضمن مهام ووظائف المنظمات الإقليمية القائمة مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي؟.. كيف يمكن ان ينجح هذا «الناتو العربي» فيما فشلت فيه هذه المنظمات؟
تساؤل آخر. في حلف الناتو تلزم المادة 5 في معاهدة الحلف الدول الأعضاء باعتبار ان أي اعتداء على دولة عضو هو اعتداء على الأعضاء. والتساؤلات هنا كثيرة: كيف يمكن ان ينجح «الناتو العربي» في ظل غياب هذه المادة؟.. هل القادة الأمريكيون مستعدون لمثل هذا الالتزام للدفاع عن اي وكل عضو في «الناتو العربي».. وكيف يمكن ان يفيد هذا الالتزام المصالح الأمريكية؟.. ومن الذي سيحدد الأعمال التي تشكل هجوما أو اعتداء؟
ويثير الأستاذ المتخصص في تحليله قضية أخرى مهمة يحملها هذا السؤال: ما هي المنافع الإضافية التي يمكن ان تتحقق من وراء هذا «الناتو العربي» اكثر من الاتفاقيات والترتيبات الثنائية الموجودة حاليا بالفعل بين أمريكا وعديد من الدول العربية؟
يقول ان عديدا من الدول العربية تحتل اليوم بالفعل مكانة حلفاء خارج الناتو، وهي البحرين، ومصر، والأردن، والكويت، والمغرب، وتونس. وهذه المكانة تمنح هذه الدول بالفعل مزايا دفاعية عديدة في علاقاتها مع أمريكا، فما الجديد الذي يمكن ان يضيفه التحالف الجديد؟
قضية أخرى يتوقف عندها الأستاذ الأمريكي تتعلق بالخلافات بين الأعضاء. يتساءل: كيف يمكن لهذا التحالف ان يحل الصراعات الأمنية الموجودة بين الأعضاء؟.. هل سيكون لدى التحالف السلطة لحل هذه الخلافات والصراعات؟
كما نرى، هذا الأستاذ الأمريكي المتخصص بالتساؤلات التي يطرحها في تحليله يشكك تماما في جدوى إقامة «الناتو العربي» أصلا، وفي أي دور بناء جديد يمكن ان يقوم به.
باحث ومحلل سياسي أمريكي معروف آخر هو جوان كول اعتبر في تحليله أن «الناتو العربي» غير واقعي على الاطلاق ولا تتوافر له مقومات النجاح نظرًا للمشاكل الكثيرة التي تعترض اقامته وتحول دون نجاحه.
وأكبر المشاكل على الاطلاق التي تحول دون نجاح التحالف في تقديره هي الخلافات العميقة الموجودة بين الدول العربية أعضاء التحالف المقترح سواء فيما يتعلق بالموقف من إيران، أو فيما يتعلق بأزمة قطر.
يقول هنا أن الكويت وسلطنة عمان وقطر، أي نصف أعضاء مجلس التعاون الخليجي، لن تكون مهتمة ولا متحمسة ابدا باتخاذ موقف متشدد من إيران.
وبالإضافة إلى هذا، فإن أزمة قطر أظهرت الخلافات والصراعات العميقة التي وصلت إلى حد مقاطعة قطر. ولهذا، ما لم يتم انهاء ازمة قطر، فليس هناك أي سبب يدعو للاعتقاد ان أمريكا سوف تنجح في تشكيل هذا التحالف الجديد.
}}}
سراب الصحراء
محللة سياسية معروفة أخرى هي ريفا جوجون كتبت تحليلا في موقع يهتم بالتحليلات المخابراتية، اعتبرت فيه ان «الناتو العربي» المقترح ما هو الا مجرد وهم وسراب. عنوان تحليلها هو «ناتو ترامب العربي.. سراب في الصحراء».
في تحليلها ركزت أساسا على الأسباب التي دفعت الرئيس الأمريكي ترامب للتفكير في إقامة هذا التحالف من وجهة نظرها، والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها.
واعتبرت ان رغبة ترامب في إقامة «الناتو العربي» تندرج في اطار أمرين:
الأول: استراتيجية ترامب العامة القائمة على تقليل اعباء ونفقات الأدوار التي تقوم بها أمريكا في الخارج، ودفع الشركاء الإقليميين لأن يتحملوا هم هذه الأعباء والنفقات.
والثاني: الرغبة في العودة إلى مفهوم توازن القوى في الشرق الأوسط بدعم المعسكر العربي السني في المنطقة في مواجهة إيران.
تقول أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن كان قد دمر هذا التوازن حين اسقط الزعيم العراقي صدام حسين، وفتح الباب واسعا امام إيران كي تكرس وجودها في العراق وتنشر نفوذها في المنطقة انطلاقا من العراق.
تريد هذه الكاتبة ان تقول ان توازن القوى في المنطقة مختل تماما لصالح إيران، وربما يريد ترامب بهذا التحالف ان يعالج هذا الخلل.
وفي تقدير الكاتبة في النهاية انه أيا كانت الأهداف التي يسعى ترامب إلى تحقيقها من وراء «الناتو العربي»، فسوف يكتشف في النهاية ان هذا الناتو لا يعدو ان يكون مجرد سراب في الصحراء.
والسبب الأساسي في رأيها، مثلها مثل المحللين الآخرين، ان الخلافات العميقة المتجذرة بين الدول والقوى السنية العربية سوف تحول دون إمكانية إقامة مثل هذا التحالف، وتحول طبعا دون تحقيقه أي نجاح إذا تمت اقامته فعلا.
محلل سياسي آخر هو بيتر جاكسون كتب تحليلا عما اسماه «محاولة استنساخ» حلف الناتو في الشرق الأوسط، واعتبر بدوره ان هذه محاولة لن يقدر لها النجاح.
وفي تدليله على وجهة نظره، تطرق إلى زاوية جديدة غير الزوايا التي تطرق لها المحللون الآخرون.
وجهة نظره تتلخص في ان حلف الناتو تأسس بين أمريكا ودول أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية بهدف حشد قوى هذه الدول الغربية المشتركة لمنع تمدد الاتحاد السوفيتي وآيديولوجيته الشيوعية والحيلولة دون التوسع والتمدد السوفيتي الشيوعي. بعبارة أخرى، كان هدف انشاء الناتو هو الدفاع عن الرأسمالية وفلسفة السوق الحر في مواجهة التهديد السوفيتي الشيوعي.
ويتساءل الكاتب: هل التفكير في استنساخ الناتو في الشرق الأوسط يعني ان الولايات المتحدة تعتبر ان الإسلام الشيعي مساو للشيوعية السوفيتية وعلى نفس درجة خطورتها؟
ويتطرق الكاتب أيضا إلى ما يعتبر انه الهدف الحقيقي الذي يفسر حماس أمريكا لإنشاء هذا «الناتو العربي».
يقول انه عندما قام جورج بوش بغزو واحتلال العراق، ورغم كل ما قيل وقتها عن اهداف الغزو، فإن الكثيرين اعتبروا عن حق ان الأمر يتعلق أولا وأخيرا بالنفط. ويضيف الكاتب انه اليوم، فإن الأمر بالنسبة لترامب في سعيه لانشاء «الناتو العربي» يتعلق ايضا بالنفط وبمبيعات السلاح.
ومن أهم التحليلات التي تناولت القضية تحليل كتبه اوين دانييلز، وهو خبير استراتيجي متخصص في شؤون المنطقة ومدير مبادرة أمن الشرق الأوسط في «مجلس الأطلنطي بمركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن».
في تحليله يثير تساؤلات وقضايا كثيرة تتعلق بالناتو العربي المقترح.
لكن أهم ما يثيره، ويعتبر انه امر له اهمية جوهرية حاسمة عند أي مناقشة للقضية، يتعلق بالمادة 5 في معاهد الناتو، وعلاقة الأمر بالتحالف الجديد المقترح.
يقول ان أحد الأركان الأساسية لحلف الناتو هي المادة 5 في معاهدة شمال الأطلنطي. هذه المادة تنص على ان أي هجوم على احد الأعضاء في الحلف سوف يعتبر هجوما على كل الأعضاء، وان الدول الأعضاء سوف تعمل معا بشكل جماعي وفردي لمساعدة الدولة التي تعرضت لهجوم بكل الوسائل التي تراها ضرورية بما في ذلك استخدام القوة العسكرية.
ويقول هذا الخبير ان إيران تنطبق عليها هذه الشروط، فهي تدعم القوى العميلة لها في المنطقة مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن وعديد من المليشيات العراقية. وهذه القوى تساعد إيران على فرض مصالحها في المنطقة، لكن إيران تنفي هذا وتحاول التنصل من هذه الحقيقة.
على ضوء هذا، فإن هناك أسئلة محورية تتعلق بالناتو العربي بالمادة 5 يجدب ان تطرح. وهذه الأسئلة هي:
هل كل الدول الأعضاء في الناتو العربي ستكون ملزمة بالرد على أي نوع من الأفعال التي تقدم عليها إيران وتستدعي ردا جماعيا؟.. كيف سيتم الربط مباشرة بين عميل لإيران أو شريك لها فيما يتم ارتكابه من أفعال؟.. من الذي سيقرر هذا؟
الخلاصة التي ينتهي اليها الخبير الأمريكي هي انه في الوقت الحاضر، هناك تساؤلات حاسمة كثيرة مطروحة من دون وجود إجابات واضحة فيما يتعلق بالتحديات الأمنية والسياسية في المنطقة، وكيف يمكن ان يتعامل معها «الناتو العربي».
}}}
هذه اذن أهم المواقف والرؤى التي عبر عنها الباحثون والمحللون الغربيون فيما يتعلق بالناتو العربي. كما نرى، هناك اجماع بينهم على ان هذا التحالف مستحيل ان ينشأ أصلا، واذا نشأ فلن يكون له جدوى كبيرة.
ومع وجاهة الأفكار التي عبروا عنها، يبقى السؤال: وماذا عن موقفنا ووجهة نظرنا نحن؟.. كيف ننظر إلى هذا التحالف من وجهة نظر المصلحة العربية؟
* السيد زهرة كاتب صحفي بحريني
المصدر: أخبار الخليج
موضوعات تهمك: