ونحنُ ندخل العام الثاني عشر للحرب في سوريا، وعلى أبواب عام 2023 كيف نصفُ الوضع السياسي والاقتصادي بحيادية وبكثير من الدبلوماسية؟ لن نقفَ عند الوصف بل سنقارن ونضعُ الحلول التي “ربما” يسهو عنها أصحاب المعالي.
***
كيف هو حال الدولة السورية؟
بلدٌ عصرتهُ قوىً عالمية، وسحقت إمكانياته دولٌ وجماعات ومجموعات، وسرقت خيراتِه عصاباتٌ وتجار من كافة المشارب والانتماءات والتيارات، ومن الداخل قبل الخارج.
دولةٌ فقدتْ قدرتها على التأثير ليس في محيطها وحسب بل حتى في لبنان. فقدت قدرتها على المناورة وتم تهميشها من الصديق قبل العدو ، نُكرّر؛ تمّ تهميشها من “الصديق” الذي يُسمى مجازاً “حليف”، فأصبح هذا الحليف أول مَنْ يتحدثُ باسم سوريا والشعب السوري بالإضافة لدول أخرى وُضعت في خانة الأعداء. الجميع يبدأ بعبارة “باسم الشعب السوري” ولا يوجد منهم سوريّ حقيقي واحد! ولا يهمّهم حقيقةً حال الشعب السوري.
الوقت ليس لصالح سوريا وإعادة تقييم “الحلفاء” أمرٌ مصيري
المواقف والتحالفات الدولية ليست مُقدسة ولا تصلح لكل وقت، وهذا ينطبق على سوريا. فالتحالفات الحالية “الركيكة” قاصرة عن تحقيق مصالحها وتحرير أرضها، لهذا من الضروري جداً إعادة النظر في طبيعة العلاقات والاتفاقيات إن وجدت ومدى التزام الطرف الآخر بها.
لا ندعو هنا لقطع العلاقات مع “الحلفاء” كما سيحاول “القُصّر” القول، بل إعادة تقييم وانفتاح على أصدقاء “مصلحة” آخرين محتملين.
بالأسماء ودون التلميح: رسمياً؛ روسيا وإيران حلفاء. دعونا نفترض أنهم حلفاء؛ لماذا على الشعب السوري انتظار المكرمات من هاتين الدولتين؟ ما هذا التهليل والتطبيل المستمر لدى وصول حاملة بترول إلى الموانئ السورية وكأنها “ترياق” الحياة؟ طبعاً إذا افترضنا أنّ البترول سيّوزع على المواطنين وليس للسوق السوداء. لماذا وإلى متى على الشعب السوري البقاء في حالة الموت السريري؟ هل الوقت لصالح سوريا؟
بالتأكيد الوقت ليس لصالح سوريا، وكل يوم يمر يتم فيه ترسيخُ حالة قائمة سواء مع الاحتلال التركي أو الأميركي أو الانفصالي، وبعد أن كنّا نتحدثُ عن تحرير لواء اسكندرون واحد سنجدُ أنفسنا أمام تحرير “ألوية” وتوريث الأجيال القادمة “حمل راية التحرير”…
كلّ يوم يمر تترسّخُ فيه حالة اقتصادية قائمة وسعر صرف وأسعار سلع ضرورية لا تعرفُ سوى الصعود.
كل يوم يمر تترسّخُ فيه حالة اجتماعية قائمة، حتى تُصبحَ حالات الشذوذ الاجتماعي “عادات” متوارثة وتقليد شعبي.
نحنُ اليوم في مرحلة السقوط الحر و لا مظلة أو وسادة تحمي سوريا، ولا يوجد شقيق أو صديق أو حليف يساعدنا، ليس على تجنّب السقوط، بل على الأقل تأجيل هذا السقوط. الجميع، ولا أستثني منكم أحداً، يتفرّج كيف تسقطُ سوريا.
لا مواقف نهائية في السياسة
برأيي الشخصي؛ من الخطأ اتخاذ مواقف نهائية و مكشوفة لصالح دولة ما في صراعها مع أخرى، هكذا بسرعة ودون مقابل يستحق المجازفة الكبيرة. هكذا موقف سياسي يُفقدُ إمكانيات التفاوض والتحرك أو المساومة بسبب إنكشاف الأوراق، فكيف إن كانت الأوراق محدودة ومكشوفة أصلاً.
سوريا في وضع سيء وليست بخير، الأزمة مستمرة طالما ليس هناك مَنْ يسعى للحل. ولا يوجد هذا الساعي حالياً. الحلّ يبدأ من الداخل أولاً وثانياً لكننا حصرنا أنفسنا في الزاوية وأنهينا كافة الرهانات والمساومات، نسينا مصالحنا أو تناسيناها من أجل ما يُسمّى “مواقف مبدئية” مع بعض الأطراف، وتحديداً إيران ومحور المقاومة وروسيا، فهل عاملتنا تلك الأطراف بنفس الطريقة؟
إنها السياسة و “فنّ الممكن” “فنّ المصالح” وليست فنّ الأخلاق والمبادئ. لا نُطالبُ بالتخلي عن الأخلاق والمبادئ تلك بل ببعض المرونة والمعاملة بالمثل، نُكرر “المعاملة بالمثل” مع كافة الدول. كما يُعاملون سوريا عاملوهم فلسنا “مكسر عصىً” وساحة تصفية حسابات وحرب بالوكالة. أرواح الجنود السوريين ليست أرخص من أرواحهم…
تعلموا من السعودية وإيران وتركيا، تعلّموا من حافظ الأسد
المكابرة والتشبث بالمبادئ في السياسة يضرّ ولا ينفع. السعودية حتى فترة قريبة كانت رهن إشارة البيت الأبيض، ولا يمكنها زيادة أو إنقاص إنتاج برميل بترول دون ضوء أخضر من واشنطن. الرئيس الأميركي جو بايدن طلبَ من الرياض زيادة الإنتاج، أو على الأقل المحافظة على مستوى الإنتاج الحالي، السعودية ومعها أوبك + كاملةً خفّضت هذا الإنتاج 2 مليون برميل، بدءاً من 01 تشرين الثاني 2022 لماذا؟ لأنّ مصلحتها الوطنية اقتضت ذلك، بالإضافة لعوامل أخرى تتعلق ببرنامج إيران النووي ومواقف الولايات المتحدة.
دعكم من السعودية ومعها مواقف تركيا السياسية المتلونة، إلى إيران “الحليف” الاستراتيجي. ألم تُزوّد تل أبيب إيران بالسلاح بين عامي 1981 و1983 في حربها ضد العراق؟ اشترت يومها طهران بنصف مليار دولار قطع غيار للدبابات والطائرات وقذائف مدفعية والخطوط الجوية الأرجنتينية Aéreo Rioplatense تشهد. ماذا عن فضيحة إيران ـ كونترا Iran-Contra scandal عندما اشترت طهران من الولايات المتحدة أسلحة متطورة لقاء إطلاق سراح أمريكيين مأسورين في لبنان؟ ألم يُتم الصفقة تاجر السلاح الشهير السعودي “عدنان خاشقجي”؟ يومها اشترت إيران 3100 صاروخ من نوع BGM-71 TOW وصواريخ أرض جو مضادة للطائرات من نوع Hawk. ألم يجتمع نائب الرئيس الأميركي رونالد ريغن، جورج بوش برئيس وزراء إيران أبو الحسن بني صدر ، ابن همذان وخريج جامعة باريس، جرى هذا الاجتماع بوساطة فرنسية وفي قلب باريس العاصمة؟
دعكم من هذه القصص القديمة “الكاذبة”، إلى الحاضر؛ كم سنة تفاوضت طهران مع الأوروبيين والأميركيين بخصوص برنامجها النووي الذي لم يُغلق بعد؟ لماذا يُسمح لإيران أن تتفاوض وتجتمع ويُحظر على سوريا أن تفعل ذلك؟
تعلّموا من حافظ الأسد
قد يجدُ أحدهم تبريراً أو عذراً ما، لهذا لن نضربَ مثلاً بعيداً. ماذا كان سيفعلُ الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لو تعرّضَ لنفس الظروف؟
سواء اتفقتَ أو اختلفتَ معهُ، باعتراف أعدائه كان حافظ الأسد من أذكى العقول الاستراتيجية في العالم. رغم قسوته كان يفاوض دائماً. منذ نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات وعندما أيقن ضعفَ ثم انهيار الاتحاد السوفيتي، فاوض الولايات المتحدة ومعها تل أبيب، حشدت تركيا جيشها وهددت باحتلال سوريا. ابتسم قائلاً: (إن فعلها الجيش التركي سأُغرق تركيا) ثم فاوض. فاوض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا. هل تظنّونَ أنّكم أذكى من حافظ الأسد؟
مع تراجع قوة دول التيار القومي العربي مقابل نمو قوة دول الخليج بعد سقوط مصر باتفاقية كامب ديفيد، و تدمير العراق و إشغال الجزائر بالإرهاب و محاصرة ليبيا و إضعاف اليمن وسحب تونس نحو الغرب، أصبح ظهر سوريا مكشوفاً تماماً وكانتْ مرحلة أخطر من مرحلة ربيع الدم العربي الحالية، والسبب أنّ العالم كان أحادي القطب بامتياز، والولايات المتحدة تُدمّرُ دولاً بحالها دون حسيب أو رقيب والعراق يشهد. ماذا فعل يومها حافظ الأسد؟
سوريا دولة صغيرة بامكانيات محدودة، لكن سياسة حافظ الأسد جعلتها دولة محورية هامة، واستطاع مع مصر والسعودية تشكيل محور ثلاثي دون قطع علاقاته بإيران. ولم نسمع يوماً أنّ حافظ الأسد مضى بعيداً في تصريحاته أو اتخذ موقفاً لا تراجع فيه، بل استطاع بذكاء قل نظيره اللعب في الوقت الضائع و لم يقل لا أو نعم، بل ترك الباب مفتوحاً للجميع و مَتَّنَ العلاقة مع جميع القوى الإقليمية والعالمية بما فيها أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وبيل كلينتون يشهد عام 1994 عندما زار دمشق…
حافظ الأسد، كسِبَ الجميع دون أن يُعطهم قطرة ماء…
كافة الدول تريد تمزيق سوريا
قبل المضي بسياستنا الحالية علينا مواجهة أنفسنا بالحقيقة، مَنْ نحنُ بالنسبة للقريب قبل البعيد وللصديق قبل العدو؟ كم نُساوي بين الدول؟ تاريخنا الأقدم وحضارتنا الأسمى، جيد وصحيح لكن هذا لا يُطعمُ خبزاً.
الاستمرار بالجلوس على فوهة البركان على ثقة أنّ “الحلفاء” سيهبوا لنجدتنا أو أنّ العدو سينهار، ضربٌ من الخيال. تركيا وتل أبيب والأردن والسعودية وقطر وإيران ومصر والولايات المتحدة وروسيا، يبحثون عن مصالحهم في سوريا، وليس المصالح المشتركة. سوريا دولة ضعيفة لا يمكنها فرض شروطها فكيف يمكن أن تقوى؟
عمّان تتعامل مع تل أبيب على تحويل درعا والسويداء والقنيطرة إلى منطقة نفوذ لها، بتشجيع وتحريض أعمال عنف مسلحة، مع وجود أسباب طبعاً تتحملها الحكومة السورية لأية احتجاجات هناك.
تركيا العدو الأول لنا عبر التاريخ، تحتل أضعاف مساحة لواء اسكندرون اليوم ولن تشبع، تدخل وتخرج من الأراضي السورية مستغلة حجة خطة “الأكراد” بالانفصال ثم الاستقلال. دعمت المنظمات الإرهابية من النصرة إلى داعش، أسقطت طائرات روسية وقتلت ضباطاً روس، فهل حرّكت موسكو ضدها الجيوش الجرارة؟ بالعكس؛ روسيا تُزيد من دلال أنقرة كي تسحبها نحوها، وقد نجحت وجزء من هذا على حساب سوريا وأرضها وأوراح شعبها.
لا تضعِ البيضَ كلّهُ في سلة واحدة
حكمة قديمة، خالفها “مارك توين” عام 1894 بالقول: ضع البيض كله في سلّةٍ واحدة ، ثمّ انتبه جيّداً لهذه السلّة، ثم كررها بعد عام الصناعي السكوتلندي ـ الأمريكي الشهير Andrew Carnegie صاحب مؤسسة كارينغي للعلوم والسلام، لكنّ هذا في مجال الاستثمارات وليس في السياسة.
اليوم تُثبتُ السعودية أنها تلتزمُ بهذه الحكمة القديمة باستقبالها ألد أعداء الولايات المتحدة، الرئيس الصيني شي جينغ بينغ الذي يجتمعُ بثلاثين مسؤول عربي، ويستثمرُ بعشرات ومئات المليارات. لماذا لا نجدُ مسؤولاً سورياً بين هؤلاء؟ من أجل مَنْ نُعادي الدول العربية الفاعلة وما هو المكسب؟
على السوريين عدم وضع البيض كلّهُ في سلّة واحدة، والعمل والتواصل أكثر مع الصين مثلاً وليس حصراً، وعدم اقتصار الأمر على زيارة لمسؤول سوري ثم الجلوس وانتظار تحرك بكين…
الخارجية الأميركية قالت على لسان بيتر بوكس، اسمعوا ماذا قالت في تموز 2021 بعد زيارة وزير خارجية الصين لدمشق: (تنتهجُ الصين سياسة خارجية انتهازية، وتبحث عن أصدقاء في الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، لتمرير مشاريعها أو عرقلة المشاريع المناوئة لها. ولا تهتم كثيراً بسجل حقوق الإنسان.) يُضيف بروكس هذا: (تكمنُ أهمية سوريا بالنسبة للصين في موقعها، وفي المنظمات الدولية التي تنتمي سوريا لعضويتها، بالإضافة إلى الثروات الطبيعية، مثل النفط والغاز الذي تبحث الصين باستمرار عن مصادر دائمة لتوريده. كما أنّ الصين تريدُجعل سوريا جزءاً من مبادرة الحزام والطريق، وتأمين طرق النقل عبر العراق إلى سوريا، والذي من شأنه أن يعطي الصين وصولا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط). هذا كلام ألد الأعداء، فلماذا لا نستفيدُ من “انتهازية” الصين ولنكن مثلها انتهازيين، للمعلومات فقط؛ على مدى 50 عاماً استخدمت الصين حق النقض “الفيتو” 16 مرة، 10 مرات منها لإحباط قرارات ضد سوريا، هنا تظهر جلياً أنّ الصين مهتمة لكنها تواجه معارضة من واشنطن وعدم ارتياح من موسكو والأهم ليس لديها ثقة بالوضع السوري وإمكانية الاستثمار ، سياسياً وأمنياً ومن ناحية الفساد. ماذا؟ تفشي “وباء الفساد” لمَنْ لا يُريد أن يسمع.
إلى متى سينتظر الشعب السوري؟
بشكل يومي يصل مركز فيريل للدراسات السؤال نفسه: هل هناك أمل بتحسن الوضع المعيشي؟ بماذا نجيبُكم؛ خلصت وفشلت أم سوريا بخير أم انتصرنا وسحقنا المخطط الإمبريالي. هل يملأ هذا الكلام “طاسةالصوبيا” بالمازوت؟
منذ ثلاثة أيام يطلع علينا الإعلام التركي بخبر (ناقلات النفط الروسي تتكدس في مضيق البوسفور بعد تحديد سقف لسعر البرميل). كم هي مُزعجة كلمة تتكدس عندما يسمعها سوري انتظر ساعاتٍ أمام محطة الوقود دون أن يستطيعَ ملء خزان سيارته، أو يجلبَ بضعة ليترات من المازوت للتدفئة.
يتساءل كثيرون هل بإمكان روسيا إرسال ناقلات نفط إلى بانياس؟ دون شك يمكنها بعقوبات أو دون عقوبات. كيف يصل الغاز الروسي اليوم إلى ألمانيا وغيرها؟ إذاً لماذا لا تفعلها موسكو؟ لأننا ببساطة لا نحتلُ درجة الأولوية لديها. اليوم هي مشغولة بحربها في أوكرانيا، ولم يعد يعنيها الكثير بخصوص سوريا، لم تتخلَّ عنّا بالتأكيد لكننا كنّا في الصف الثالث بالأهمية واليوم تراجعنا إلى الصفوف الأخيرة. فهل علينا الانتظار حتى تنتهي حرب أوكرانيا كي نحصد النتائج؟ هذا على فرض أننا زرعنا بالمكان والتوقيت الصحيح.
أعلنَ وزير التجارة وحماية المستهلك في سوريا عمرو سالم، أنّ آخر مرة دخل فيها البترول إلى سوريا كان قبل شهرين تقريباً وبدقة قبل 57 يوماً، بينما تقول طهران وعلى لسان رئيسها إبراهيم رئيسي في 06 تشرين الأول الماضي، أنها رفعت حصة سوريا من 2 مليون إلى 3 ملايين برميل سنوياً. فمَنْ نُصدّق؟
ما يهم إيران و روسيا هو تحقيق مصالحهما في سوريا، بما في ذلك استمرار سيطرتهما و نفوذهما بعد أن تقاسمتا الحصص. دخول الصين يُفيد ويضر طهران وموسكو بآن واحد، وطالما أنّ الوضع الراهن مناسب لهما فلِمَ المخاطرة.
إدارة الدفّة تحتاج للقوة والمرونة بآن واحد
سوريا ساحة معركة عالمية ساهمت بولادة نظام عالمي جديد، على حساب أرواح أبنائها وشقاء الأحياء الباقين منهم. الثمن الذي كان على الصين وإيران وروسيا أن تدفعهُ، دفعته دماء مئات الآلاف من السوريين، وإن كانت تلك الدول وغيرها ساهمت بالدفاع وبقاء “ما بقي” من سوريا، فهذا ليسَ فضلاً ولا منيّة لأنها أي إيران و روسيا والصين، دافعت عن أرضها دون أن تخسر جزءاً بسيطاً مما خسرهُ الشعب السوري.
سوريا ومنذ سنوات تتلقى الضربات عوضاً عن هذه الدول حتى تحولت إلى أرض تصفية حسابات وحرب بالوكالة، وكما قلنا منذ 3 سنوات؛ سيأتي يوم يُصبحُ فيه العدوان الإسرائيلي أمراً روتينيّاً، وقد أصبح. دُمّر البشر والحجر عوضاً عن بشر وحجارة هؤلاء، وإرهابيّو الأيغور الأتراك يشهدون.
لهذا كلّه، عندما يُطالبُ سوري بتقديم هذه الدول للمساعدات بكافة أنواعها، بما في ذلك العسكرية لصدّ العدوان الأميركي أو الإسرائيلي، فإنه يُطالبُ بحقه. نعم؛ على الصين وروسيا وإيران التعويض عن دمار سوريا، بالإضافة للدول الأخرى وعلى رأسها دول الخليج دون استثناء.
البقاء على هذه الحال مطلبُ كافة أعداء سوريا في الداخل قبل الخارج، لهذا على “الكبار” المناورة والتفاوض والانفتاح على كافة الجهات لتحقيق مصالح الشعب السوري.
مصالح سوريا قبل مصالح الدول العربية وإيران وروسيا والصين. مصالح الشعب السوري قبل مصالح الأخوة والمصير المشترك والأصدقاء والحلفاء.
فاوضوا الشرق والغرب والشمال والجنوب، دون تنازلات ومن مصدر قوة. فاوضوا عن سوريا ولا تتركوا غيركم يأخذ دوركم وتبقون على الهامش. أيعقلُ أن نكونَ آخر مَنْ يعلم، وننتظر نتائجَ مباحثات الدولة الفلانية مع الطرف الفلاني بخصوص الانسحاب من أرضٍ سورية!
الجلوس والانتظار أن يأتي الخصم أو الصديق إلينا، يعني المزيد من الدمار والتقسيم. لسنا محور العالم وقصص البطولات تنفعُ لما قبل النوم، والاستغناء عنّا لصالح أعدائنا ومِن قِبل “أشقائنا وحلفائنا” أمرٌ بمنتهى البساطة إن كنتم لا تعلمون. فعلاقات روسيا مع تركيا و علاقات العرب مع إسرائيل، أقوى وأهم من أيّ وقت مضى، وأهم من العروبة والأخوة ومن سوريا نفسها.
أخيراً
أخيراً؛ ليس المطلوبُ معاداة “الأشقاء أو الحلفاء” على فرض وجودهم. المطلوب الخروج من تحت عباءتهم وسيطرتهم ومن حالة العزلة والتهميش. المطلوب التعامل بالمثل معهم. هي فرصة ذهبية الآن، الجميع يستغلها إلا سوريا. كافة القوى الفاعلة والدول العظمى تُحاول استمالة أية دولة إلى جانبها، أوروبا تبحثُ عن أية أرض تنقلُ إليها معاملها، فماذا ينتظر الساسة السوريون كي يتحركوا؟
المطلوب محاربة الفساد فعلياً وليس الضحك على الذقون، كي تقبلَ الدول المغامرة والاستثمار، وبالتالي تحريك الاقتصاد وتحسين الوضع المعيشي الأسوأ عالمياً. معلومة سريعة؛ بعد 9 أشهر من الحرب الضارية في أوكرانيا قُطعت الكهرباء في المدن وبدأ التقنين في كافة مجالات الحياة. العالم كلهُ يتحدث عن معاناة الأوكرانيين بدون كهرباء ولفترة لا تزيد عن شهر واحد، بينما وصل حجم المساعدات إلى 61 مليار دولار. ماذا عن الشعب السوري الذي يعاني أضعاف ما يعانيه هؤلاء منذ 11 عاماً؟
المطلوب تخفيف حدة العداء في كافة الاتجاهات شمالاً وجنوباً والوصول إلى حلول مقبولة، وكما قلنا في مركز فيريل للدراسات؛ اليوم هي فرصة ذهبية للانفتاح حتى مع الأوروبيين والأميركيين الذين سيتخلون عن الكثير من شروطهم مقابل استمالة دولة ما.
المصدر: مركز فيريل للدراسات
موضوعات تهمك:
