بعد تسامح الأمارات مع الفاتيكان…فهل تتسامح مع شعوب الجوار؟
التسامح الإماراتي مع البابا…ماذا عن التسامح مع الشعوب؟
تدعم الإمارات الأنظمة “الاستبدادية” و“الثورات المضادة” لإجهاض تطلعات شعوب “ثورات الربيع العربي” ضد أنظمتها القمعية.
تعتدي سلطات الإمارات باستمرار على حرية التعبير وتكوين الجمعيات منذ 2011.
مطلوب “وقف الانتهاكات الحقوقية الجسيمة” التي ترتكبها قوات الإمارات ومرتزقتها في اليمن.
يشكل مجلس الحكماء المسلمين جهدا إماراتيا لمواجهة حركات الإسلام السياسي وتقويض دور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
اقرأ/ي أيضا: الراهبات جواري في كنيسة الفاتيكان
بقلم: إحسان الفقيه
تبذل دولة الإمارات جهودا حثيثة طيلة أعوام مع إنفاق عالٍ لتتويج نفسها رائدة للانسجام والوئام بين الطوائف والأديان والأعراق حول العالم.
ليس من شك أن ثمة تعايش في المجتمع الإماراتي الخليط من عدد كبير من الديانات والطوائف والأعراق لأكثر من 9 ملايين نسمة تشمل السكان الأصليين والوافدين الذين تتصدرهم جاليات من دول آسيا، الهند بالدرجة الأولى، ومن دول عربية معظمهم من المصريين واللبنانيين وجنسيات أخرى.
اقرأ عن صناعة الخوازيق في مقال: “برج العرب” فضائح ومشاهد وأسرار ورموز خفية
ويشكل الإماراتيون ما نسبته 19% من السُكان، بينما العرب من مختلف الجنسيات يشكلون 23%، أما النسبة الأكبر فهي من نصيب الوافدين من الجنوب الآسيوي ويشكلون 50%.
ويوجد في دولة الإمارات أكثر من 200 جنسية تتعايش دون أي نعرات طائفية أو عنصرية مع احترام لخصوصياتهم الدينية وموروثهم الثقافي وممارستهم التعبّد وإقامة شعائرهم الدينية حيث يرتاد المسيحيون عشرات الكنائس لإقامة صلواتهم، كما أن للبوذيين معابدهم وللهندوس وغيرهم أيضا.
وتعتبر الجالية الهندية من أكبر المجتمعات الوافدة المقيمة في الدولة، يليها الجالية الباكستانية، والبنغالية، وغيرها من الجنسيات الآسيوية، والأوروبية، والإفريقية.
واستضافت دولة الإمارات مرات عدة حوار الديانات الذي ينظمه مجلس الحكماء المسلمين الذي أعلن عنه في تموز/يوليو 2014 في العاصمة أبو ظبي، ويرأسه أحمد الطيب شيخ الأزهر.
وعلى هامش مؤتمر “لقاء الأخوّة الإنسانية” الذي يعقده مجلس الحكماء المسلمين استضافت دولة الإمارات أول زيارة لبابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، إلى منطقة شبه الجزيرة العربية ضمن فعاليات عام 2019 التي أطلقت عليه الإمارات “عام التسامح” بهدف تدعيم القيم الإنسانية والتعايش بين البشر.
وأعلنت الإمارات عام 2019 “عاما للتسامح” وتأكيد قيمة التسامح باعتبارها “عملا مؤسسيا مستداما من خلال مجموعة من التشريعات والسياسات الهادفة إلى تعميق قيم التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة”، حسب بيان صادر عن رئيس دولة الإمارات، خليفة بن زايد آل نهيان.
وشارك في اللقاء ما يزيد عن 700 شخصية من مختلف دول العالم يمثلون أكثر من 12 ديانة وطائفة.
ويتبنى اللقاء في جلساته مواضيع تتعلق بالأخوة الإنسانية ودور القيم الدينية في التصدي للتعصب، إضافة إلى دور المؤسسات الدينية في إحياء وإشاعة القيم الإنسانية حول العالم.
وقد تنفرد دولة الإمارات من بين دول العالم بوجود وزارة تحمل اسم “وزارة التسامح”.
وخلافا لدول خليجية أخرى، مثل السعودية الحليف الاستراتيجي لها، تسمح دولة الإمارات لمعتنقي الديانات الأخرى مثل المسيحيين واليهود والهندوس وغيرهم بممارسة عباداتهم وشعائرهم بكل حرية.
اقرأ/ي أيضا: نجحت القرود الطائفية في السيطرة على سوريا ولكن ماذا عن التيوس؟
وفي الإمارات أكثر من 40 كنيسة للمسيحيين الذين يشكلون أكثر من 14% من سكان الدولة التي اهتمت ببناء عدد من المعابد للهندوس والبوذيين وغيرهم.
وتأمل دولة الإمارات من خلال استضافتها الحوار بين الديانات، ممثلين ببابا الفاتيكان وشيخ الأزهر، تعزيز مكانتها كمركز للتسامح بين الأديان وتكريس مجلس الحكماء المسلمين الذي يرأسه شيخ الأزهر كمرجعية لمسلمي العالم في إطار التنافس مع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومقره الدوحة في دولة قطر.
اقرأ/ي أيضا: محاكم التفتيش الحديثة
أسفرت زيارة البابا فرنسيس عن توقيع وثيقة “السلام والتعايش بين الأديان” مع شيخ الأزهر وسط ترحيب رسمي عبر عنه محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي بأنها “تترجم تطلعاتنا بترسيخ قيم التسامح” التي أشادت بها وزارة الخارجية الأمريكية معتبرة إياها “لحظة تاريخية تعكس تجسيدا لرؤية محمد بن زايد بالتسامح”.
وإذا كانت الحرب الأهلية في اليمن حاضرة في زيارة البابا فرنسيس الذي شجب “منطق القوة المسلحة”، فإنه شدد على أن “محاربة” ما سماه بـ”التطرف” بداية لسلام تنعم به البشرية دون التطرق إلى معاناة عدد من شعوب العالم الإسلامي، في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، جراء الحرب على “التطرف” والإرهاب.
وأعلن شيخ الأزهر أن “الأديان بريئة من الإرهاب” في ذات الوقت الذي تشن الولايات المتحدة ودول أخرى حروبا في عدد من بلدان العالم الإسلامي تحت ذريعة محاربة “الإرهاب والتطرف الإسلامي” يروح ضحيتها مدنيون أبرياء ليسوا طرفا في الحرب.
يشكل مجلس الحكماء المسلمين جهدا إماراتيا أوسع لمواجهة حركات الإسلام السياسي وتقويض دور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الراعي لتلك الحركات.
وفي الوقت الذي لا يبدو أن هناك أدنى شك في “التسامح” داخل المجتمع الإماراتي بين معتنقي مختلف الديانات، وأن هذا يشكل إسهاما في خلق حالة انسجام أعمق بين أتباع الديانات.
إلا أن ذلك لا يعفي دولة الإمارات من الإجابة على تساؤلات تتعلق بالدعم غير المحدود الذي تقدمه للأنظمة “الاستبدادية” في الشرق الأوسط، ودعم “الثورات المضادة” لإجهاض تطلعات الشعوب في بلدان “ثورات الربيع العربي” ضد أنظمتها القمعية الاستبدادية.
ودعت منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش، بابا الفاتيكان عشية زيارته إلى دولة الإمارات إلى توظيف زيارته “للضغط على قادة الإمارات، للوفاء بالتزاماتهم الحقوقية في الداخل والخارج”، إذ أنه “رغم تأكيدها التسامح، لم تُظهر حكومة الإمارات أي اهتمام حقيقي بتحسين سجلها الحقوقي”!
إذ “تعتدي السلطات الإماراتية باستمرار على حرية التعبير وتكوين الجمعيات منذ 2011″، وكذلك مطلوب “وقف الانتهاكات الحقوقية الجسيمة” التي ترتكبها قواتها في اليمن.
على الجانب الآخر، فإن محاولة دولة الإمارات إشاعة “التسامح” بين البشر بحاجة إلى أكثر من تأكيد لتجسيد هذه القيم واقعا معاشا في اليمن مثلا، التي تعاني أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ المعاصر، وفق تقويم الأمم المتحدة، جراء حرب التحالف العربي لإعادة الشرعية بقيادة السعودية والإمارات المستمرة منذ آذار/مارس 2015.
وبعيدا عن أجواء زيارة بابا الفاتيكان، فإن على دولة الإمارات التي تعيش عام “التسامح” تعزيز هذا المفهوم بمزيد من الخطوات العملية على الأقل داخل الدولة التي تعتقل العشرات من المعارضين من أبناء دولة الإمارات في ظروف سيئة، ورفع أو تخفيف إجراءات المقاطعة المفروضة على دولة قطر منذ أكثر من عشرين شهرا.
اقرأ/ي أيضا: هل زيارة البابا للإمارات هي استمرار لأساسيات وسياسات الحروب الصليبية الغربية
إحسان الفقيه كاتبة وصحفية أردنية
المصدر: وكالة الأناضول
عذراً التعليقات مغلقة