يمنع الغرب أوكرانيا من التقدم في مفاوضات السلام، وفق منظور الكرملين، لكي يفرض حرب استنزاف على روسيا.
بوتين أراد توجيه خطاب واضح لأوكرانيا أنها قد تفقد مزيدا من الأراضي بعد إقليم دونباس إذا استمرت “كألعوبة في يد الغرب”.
تخضع تصريحات بوتين للتحليل الفائق من طرف الدبلوماسية والاستخبارات الغربية، فهو ينفذ ما يتعهد به في هذه الحرب منذ بدء الغزو.
وجه بوتين مؤخرا تحذيرا غريبا إلى الغرب بقوله إن روسيا لم تبدأ بعد أيا من مهامها الجدية في أوكرانيا، وحذّر من مغبة من يريد تجريب روسيا في الحرب.
“روسيا لم تبدأ بعد أي شيء جدي في أوكرانيا، يجب أن يعلم الجميع أننا، بشكل عام، لم نبدأ أي شيء جدي بالفعل”. وإذا أراد الغرب إلحاق هزيمة بروسيا فليجرب “في ساحة المعركة”.
يرجح أن بوتين يهدد بالانتقال لمرحلة تقسيم أوكرانيا الى قسمين: شرقي مرتبط بروسيا من حدود روسيا إلى نهر دنيبر وسط البلاد وهي غنية صناعيا وزراعيا؛ وغربي من النهر إلى حدود بولندا مرتبط بالغرب.
* * *
بقلم: حسين مجدوبي
وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الخميس، تحذيرا غريبا إلى الغرب بقوله إن روسيا لم تبدأ بعد أيا من مهامها الجدية في أوكرانيا، وحذّر من مغبة من يريد تجريب روسيا في الحرب.
وتترك هذا التصريحات الغرب في حيرة من أمره بأن الأسوأ قد يكون قادما في أوكرانيا والمناطق المحيطة بها. ويحدث هذا في وقت فقدت فيه أوكرانيا أكثر من 25% من أراضيها وخمس سكانها.
في اجتماع مع زعماء الأحزاب بمجلس الدوما، الخميس، قال بوتين متحدثا عن غزو أوكرانيا “روسيا لم تبدأ بعد أي شيء جدي في أوكرانيا، يجب أن يعلم الجميع أننا، بشكل عام، لم نبدأ أي شيء جدي بالفعل”. وفي جملة أخرى تعد تحديا يقول الرئيس الروسي إذا أراد الغرب إلحاق هزيمة بروسيا فليجرب “في ساحة المعركة”.
ولا يدلي فلاديمير بوتين بتصريحات كثيرة مثل نظيره الأمريكي جو بايدن أو الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الحرب، ومقابل أكثر من 20 تصريح للرئيس الأوكراني فلاديميرو زيلنسكي يكون هناك تصريح واحد للرئيس الروسي.
وفي مثل هذه الحالات، تخضع تصريحات بوتين للتحليل الفائق من طرف أطر الدبلوماسية والاستخبارات الغربية، فهو ينفذ ما يتعهد به في هذه الحرب منذ بدء الغزو.
ويتابع الغرب تصريحات بوتين باهتمام كبير، فهي تدل على مخطط قد يتم تنفيذه، ويشبه الرصاصة التي غالبا لا يمكن إيقافها إذا انطلقت نحو الهدف.
والراجح أن بوتين أراد توجيه خطاب واضح الى أوكرانيا أنها قد تفقد مزيدا من الأراضي بدل إقليم دونباس إذا استمرت “كألعوبة في يد الغرب”، وفق تصريحه، الذي يمنعها من التقدم في مفاوضات السلام، وفق منظور الكرملين لكي يفرض حرب استنزاف على روسيا.
وتخلف الحرب الروسية ضد أوكرانيا حتى الآن ما يلي: كانت مساحة أوكرانيا قبل الحرب 603 آلاف كلم مربع، والآن أصبحت المساحة التابعة لكييف قرابة 420 ألف كلم مربع بحكم سيطرة روسيا على شرق البلاد ومناطق أخرى.
وكان عدد سكانها 42 مليون نسمة، والآن أصبح قرابة 30 مليونا بسبب انفصال سكان الشرق وهجرة الملايين نحو أوروبا. لقد فقدت أوكرانيا نسبة مهمة من بنياتها الصناعية، وتعرضت بعض أجزاء من المدن للخراب، ويقدر الغرب عملية إعمار هذا البلد بـ 750 مليار دولار.
والراجح أن تهديد بوتين بالانتقال الى مرحلة جديدة هو تقسيم أوكرانيا الى قسمين،
– شرقي “أوكرانيا الشرقية” من حدود روسيا إلى نهر دنيبر وسط البلاد مرتبطة بموسكو وهي المنطقة الغنية صناعيا وزراعيا،
– وغربي “أوكرانيا الغربية” من النهر إلى الحدود البولندية ومرتبطة بالغرب.
وعمليا، هذا السيناريو يبدو جليا حاليا لأن موسكو سيطرت على شرق أوكرانيا وتفرض هيمنتها بطريقة أو أخرى حتى نهر دنيبر بعدما دمرت البنيات العسكرية في مجموع الشطر الشرقي. ومنذ بدء الحرب، يجري الحديث عن رغبة روسيا السيطرة على مساحة هامة من أوكرانيا وهي المساحة التي تسمى تاريخيا “روسيا الصغرى”.
ولن يقف الغرب في وجه بوتين إذا أراد تطبيق هذه الاستراتيجية بحكم امتلاكه أسلحة متقدمة خاصة الصواريخ فرط صوتية التي تجعل كل مغامرة عسكرية غربية ضد روسيا مستحيلة في الوقت الراهن، بل وتجعل كل المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا بدون تأثير حقيقي طالما تفقد كييف يوميا مئات الجنود ومساحات أرضية ولم يعد لديها مخزون من العتاد العسكري الاستمرار في المواجهة بمستوى عال.
* د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: