بقلم: حمد الماجد
الإيجابية الوحيدة في خطاب الرئيس بشار الأسد أمس (الأحد) أنه تحاشى هذه المرة “تريقاته” البليدة، ولم يوزع على الحضور بعض التعليقات الساخرة السامجة كعادته في الخطابات التي ألقاها مع اندلاع الثورة إثباتا للثقة في النفس، فاليوم مختلف لأن “اليوم خمر وغدا أمر”، فالثوار يحيطون بدمشق إحاطة السوار بالمعصم، والمطارات صارت في مرمى الثوار السوريين، وثورتهم في تنام مطرد وحكمه في انحدار واضح.
بشار يدرك قبل غيره أن نظامه الديكتاتوري حوى في كينونته كل أسباب السقوط من دموية ووحشية واغتيالات وتعذيب وطائفية وفساد ونهب لثروات البلاد، هذا قبل اندلاع الثورة، وأما بعدها فالثورة الشعبية الشجاعة أضافت لسيرته الذاتية القبيحة أكثر من ستين ألف شهيد وملايين المهجرين ودمارا هائلا في البلدات السورية، بالحسبة الرياضية البحتة يستحيل أن ينجو من الانهيار، فأي أمل يمكن أن يتشبث به بشار كي يبقى رئيسا طبيعيا لسوريا؟!
لا مجال لتفسير تشبثه بمواقفه على الرغم من المعطيات على الأرض والتي تعمل ضده وضد نظام حكمه، إلا أنه يقامر على احتمالين؛ أحدهما إمكانية ضئيلة جدا على بقاء حكمه، والثاني دمار البلاد. دعونا نتكلم بكل شفافية. الرئيس بشار ولأسباب طائفية قذرة لا يهمه فعلا أن تهوي سوريا إلى الجحيم، هو أشبه بالمحتل الأجنبي الذي يقاوم ثوارا وطنيين ويقاتلهم بكل أنواع الأسلحة التدميرية، فهو كاسب في كل الأحوال، إما أن يدمر الثورة الشعبية، وإما أنه سيدمر بلادا لا تعنيه ولا تهمه ولا يكترث لها كثيرا.. “يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه” هو وطائفته، هذا الديكتاتور لو حكم إيران محتلا لرأف بها وبشعبها وبمقدراتها. بشار وإن نطق بالعربية فسوريا لا يراها إلا كما يراها أبوه مكملة لحلقات الهلال الصفوي، فإما أن تستمر سوريا كذلك وإما أن يسلمها لأهلها خرابا يبابا.. بل لا أبالغ إذا قلت إن بشار لا يملك قرار نفسه، فقفل النظام السوري من النوع الذي له عدة مفاتيح.. مفتاح عند رموز الطائفة العلوية المقربين منه، ومفتاح عند أركان حكمه المنتفعين بوجوده، ومفتاح في طهران، ومفتاح في بكين، ومفتاح في موسكو، وميدالية المفتاح في كاراكاس الفنزويلية. بشار باختصار مثل رئيس العصابة الذي مهما حاول أن يتغير أو يتخذ خطوات تراجعية، فإن أول من يقضي عليه أفراد عصابته لأنه حامل أسرارهم وشريكهم في جرائم القتل والتعذيب والتهريب والاغتصاب، وهذا أحد تفسيرات إصراره على موقفه على الرغم من أن أرض حكمه قد انتقصت من أطرافها.
زعيم العصابة بشار قال إن الربيع العربي فقاعات صابونية وسوف تختفي، والحقيقة أن نظامه أكبر فقاعة، والدليل على فقاعية نظامه تراخي قبضته على البلاد، حيث وصل الثوار إلى الحلقة المقربة منه في عملية “الخلية الأمنية” الشهيرة، وتقدم الثوار في كل ناحية وسيطرتهم على عدد من المنافذ الحدودية للبلاد، حتى إن سهولة تهريب السلاح وصلت إلى حد الحصول على أسلحة متطورة مكنتهم من إسقاط طائراته، وهو النظام الذي يكاد يحقق مع نحلة عبرت حدوده من بلد مجاور، ولهذا قام وخطب ولم يقدم جديدا، لأن الأهم في خطابه أنه طمأن بقية أفراد عصابته في طهران وموسكو وبكين وبغداد والجنوب اللبناني بأنه سائر على “ميثاق شرف العصابة” حتى النهاية.