الغريب ان الكثيرين ما زالوا يعتقدون ان بريطانيا بوريس جونسون هي بريطانيا فيكتوريا.
تطل نزعات انفصالية بين حين وآخر في ويلز وإيرلندا الشمالية واسكتلندا فتظهر ترهلا امبراطوريا عرفته الامبراطوريات التاريخية ولم تنقذها النوستالجيا من مأزقها.
تأبى بريطانيا الاعتراف بأنها لم تعد ضمن المتحكمين بالنظام الدولي وخروجها من الاتحاد الأوروبي يعكس نزعة نوستالجيا وتسعى لتبدو شريكا لأمريكا في تحديد مسارات التفاعل الدولي.
* * *
صحيح أن بريطانيا كانت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وكانت تسيطر على 22% من مساحة الكرة الأرضية ويخضع لتاجها كومنولث يمتد في اغلب أفريقيا وفي قدر كبير من آسيا وأمريكا الشمالية وأستراليا، مما جعلها الدولة الأكثر خبرة دبلوماسية في التعامل مع العالم بخاصة العالمين الثالث والرابع.
لكن هذه الدولة تأبى ان تعترف بأنها لم تعد ضمن المتحكمين الأهم في بنية النظام الدولي ،وخروجها من الاتحاد الأوروبي يعكس في “بعض” جوانبه نوعا من نزعة النوستالجيا، كما أنها تسعى لتبدو شريكا للولايات المتحدة في تحديد مسارات التفاعل الدولي.
ومع الإقرار بان للدولتين روابط تاريخية (كانت امريكا مستعمرة بريطانية) ولغوية (الانجليزية) وإثنية (أنغلوسكسونية) ومذهبية (بروتستانتية) وكلها تظهر في النخبة الامريكية المعروفة بالـ”واسب” WASP أي: البيض الأنغلوسكسون البروتستانت، إلا ان بريطانيا لا تعدو ان تكون مستشارا امريكيا لا أكثر.
لتأكيد ما ذهبنا له من ان بريطانيا تكابر في تحديد موضعها في موازين القوى الدولية ، نعطي المؤشرات التالية:
1- في اجمالي الناتج المحلي على اساس القدرة الشرائية(ppp) وهي الاكثر دلالة من الناتج الاسمي (nominal) تحتل بريطانيا المرتبة الخامسة عالميا، لكن بتفوق لغير صالحها يصل الى اكثر من 18 تريليون زيادة لأمريكا عن ناتج بريطانيا أو 12 تريليون مقارنة بالصين او 3 تريليون مقارنة باليابان و تريليون مقارنة بألمانيا.
2- تحتل بريطانيا المرتبة الثانية عالميا في حجم العجز التجاري بحوالي 122 مليار دولار ويكاد أن يكون هذا العجز ملازم لميزانها التجاري منذ 1985 مع تغير في الحجم بين سنة وأخرى، ولا شك ان غياب الشمس عن ما كان تحت سيطرتها من مناطق يفسر هذا العجز الكبير جدا.
3- لو ذهبنا لمقاييس القوة العسكرية سنجد أنها تحتل المرتبة الثامنة بقوة نيران تساوي (0.1382) بفارق كبير عن القوى الأخرى السبع المتفوقة عليها.
4- لقياس التطور العلمي نأخذ عدد براءات الاختراع ، فنجد أنها تحتل المرتبة 13 عالميا رغم ان لها 9 جامعات من بين أعلى مائة جامعة في ترتيب شنغهاي العالمي.
5- ولو حسبنا عدد المفاعلات النووية سنجد انها تقف في المرتبة 11 وبنسبة 1.8% من مفاعلات العالم.
6- ولو ذهبنا للمؤشرات الاجتماعية سنجد أنها تحتل المرتبة 78 في عدالة توزيع الدخل(مؤشر غيني) وفي الجريمة الاجتماعية فهناك 73 دولة افضل منها في هذا الجانب،
7- اما معدل الدخل الفردي ومستوى الرفاه فهي تقبع في المرتبة 26
8- ولو حسبنا معدل الاستقرار السياسي فهي تقع في المرتبة 70 بمعدل 0.47 من اجمالي 2.5 نقطة.
9- اما الديمقراطية التي كثيرا ما حاولت ان تجعل نفسها من روادها فهي تحتل المرتبة 18 عالميا.
ان بروز “بوادر ” نزعات انفصالية تُطل بين الحين والآخر في ويلز وايرلندا الشمالية واسكتلندا هي تعبير عن ترهل امبراطوري عرفته كل الامبراطوريات التاريخية، ولم تنقذها النستولوجيا من مأزقها، لكن الغريب ان الكثيرين ما زالوا يعتقدون ان بريطانيا بوريس جونسون هي بريطانيا فيكتوريا.
* د. وليد عبد الحي أستاذ علوم سياسية، باحث في المستقبليات والاستشراف.
موضوعات تهمك: