اليسار في الجزائر قراءة في مسارات تاريخية
مازالت احزاب اليسار في الجزائر منقسمة غير منسجمة فلا يجمعها في تطورات المشهد السياسي مع اقتراب موعد اجراء انتخابات رئاسية المزمع تنظيمها ابريل القادم أي رابط مشترك، فلا يتضح أي انسجام وتكامل بين “فريق اليسار” خاصة من حيث طبيعة المواقف التي تصدر عن قادة هذه الاحزاب المصنفة تاريخيا وبحكم تركيبة الاحزاب السياسية في الوقت الراهن وانتماءات الاديولوجية السياسية الى اليسار الجزائري.
لا توحي طبيعة المواقف وحراك اليسار البطيء ازاء ما يحدث في الساحة السياسية بالجزائر من تطورات وتغيرات منها احداث هامة شكلت حراكا سياسيا خلال هذه السنة “اطلاق حزب اسلامي مبادرة للتوافق الوطني .. دعوة احزاب الموالاة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية جديدة .. اقالة واسعة لمسؤولين ساميين في الاجهزة الامنية ..”.
لا تؤشر تصريحات قادة هذا التيار الذي يقول متابعون ومحللون سياسيون انه فقد بريقه السياسي منذ سنوات الى توافق وتكتل رغم ان غريمه من احزاب الموالاة في الجزائر خاضت تجارب التكتل السياسي وسعت الى التواجد في معاقل “اليسار ” على غرار منطقة القبائل التي احتفظت فيها احزاب “اليسار” بوعائها الانتخابي.
والملاحظ انه رغم وجود احزاب سياسية يسارية في عهد التعددية التي تعيشها الجزائر منذ عام 1990 الى انه لم يرى الجزائريون يوما احزاب هذا التيار تتكتل على مشروع واحد او تتخذ موقعا لمواجهة الغريم والمنافس من احزاب الموالاة اذ لا تلتقي احزاب اليسار المشتت في الجزائر الا في المواعيد الانتخابية في الوقت الذي تكشل الادبيات والمبادئ التي ترتكز على احزاب اليسار في البلاد منطلقا هاما لبناء توافق في الرؤى والمواقف ويبدو ان هذا الانقسام الغير ظاهر جليا للراي العام زاد من ضعف وتراجع “اليسار ” في الانتخابات التي لا يفتك فيها هذا التيار تمثيلا يحفظ له هامش من المناورة لمنافسة احزاب السلطة.
*حزب نجم “شمال افريقا ” اول ارهاصات التجربة اليسارية
في حي “الرحيبة” بوابة المدينة القديمة بمدينة “تلمسان” عاصمة الزيانيين ولد مصالي احمد المدعو “الحاج” في 16 مايو 1889 كان والده اسكافيا اذ ينحدر هذا الرجل الذي سيكون بعد ذالك اهم زعيم سياسي تعرفه الجزائر التي كانت تصارع الاستعمار الفرنسي اذ ينحدر الزعيم السياسي مؤسس حزب “نجم شمال افريقيا” من عائلة كانت تمارس الفلاحة والحرف وهو ينتمي الى “الطريقة الصوفية الدرقاوية”.
عاد الى الجزائر عام 1921 بعد ان شارك في الحرب العالمية الاولى وجندته السلطات الفرنسية ليسافر الى فرنسا عام 1932 ويشرع في اجراء اتصالات مع الحزب الشيوعي الفرنسي ,بنى “مصالي الحاج” مرجعيته السياسية في ظل انتشار الفكر الماركسي في الكثير من بلدان العالم العربي فكان يشتغل على “اللغة المطلبية لشرائح المجتمع التي تستحق التحرر والانعتاق من الاستعمار ومظاهر الاستغلال ..”.
ويشير اكاديمون ومؤرخون إلى ان الرجل الذي ولد “يساريا” سعى الى بناء معابر تواصل مع التيار اليساري الفرنسي وافكاره كانت بمثابة اطروحات هامة لبناء حزب سياسي يقود المنطقة المغاربية ككل التي كانت سوات الخمسينات تحت وطأة الاستعمار الفرنسي.
اسس “مصالي الحاج” في عام 1926 حزب “نجم شمال افريقيا” وقد وضع هذا الحزب السياسي في اولوياته استقلال الجزائر وتونس والمغرب عن الاستعمار الفرنسي في صلب الاهتمامات وفي مقدمة طموحات الحزب وقد تبادل قيادة الحزب شخصيات سياسية من البلدات الثلاث “الجزائر تونس والمغرب” وخاض حزب “نجم شمال افريقيا” نضالا سياسيا في وجه المستعمر الفرنسي انتهى بحل الحزب من قبل الادارة الفرنسية عام 1929 بسبب مواقف “مصالي الحاج” المناهضة لمظاهر الاستغلال والاستعمار واضطهاد الشعوب التي ولدت متحررة وقد قال كلمته الشهرية “ان هذه الارض ليست للبيع”.
وقد اعتقل المستعمر الفرنسي مرارا الزعيم السياسي اليساري “مصالي الحاج” وزج به في السجن في نوفمبر 1934 وفر بعدها الى سويسرا ثم اعتقل عام 1937 واطلق سراحه عام 1939 ويرى باحثون ان المحطة الحاسمة في التاريخ النضالي لمؤسس حزب “نجم شمال افريقيا” هو انفراد الرجل الذي بدت عليه بوادر دهاء سياسي وحنكة بحكمة ثاقبة قادته لتاسيس خط سياسي يعتمد على الفعل النقابي واللغة المطلبية والتعاطي مع المستعمر الفرنسي بطرح افكار النضال ومجابهة مخططاته العدائية التي كانت تستهدف اضعاف المجتمع واستهداف مقوماته من هوية ولغة ودين وبعد مجازر 8 مايو/ أيار 1945 اسس الزعيم السياسي “مصالي الحاج” حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي فازت بالانتخابات المحلية وصدرت هذه الحركة بعد ذالك ابرز قادة ثورة نوفمبر 1954.
ظلم في نظر العديد من الباحثين والسياسين الزعيم السياسي “مصالي الحاج” كثيرا بعد استقلال الجزائر ولم يرى الجزائريون حزبه وتياره السياسي في المشهد السياسي الذي كان عنوانه “الحزب الواحد” “جبهة التحرير الوطني” ولم يتمكن السياسي الذي ناضل بافكاره ونشاطه النقابي في وجه المستعمر ممن ممارسة النشاط السياسي الى ان وافته المنية عام 1974 ويعتبر السياسي الراحل من اهم الشخصيات السياسية والنضالية التي بنت اليسار في الجزائر الا ان خط “المصالين في الجزائر” لم يكتب له الاستمرار وقبر في مهده وضاعت فرصة ثمينة على التعددية السياسية التي تفتقد لحزب مثل حزب نجم شمال افريقيا.
*حسين ايت احمد وجبهة القوى الاشتراكية
جبهة القوى الاشتراكية حزب سياسي يساري معارض للسلطة ويشارك في الانتخابات المحلية والتشريعية قاده احد الشخصيات التاريخية المعروفة بنضالها السياسي والثوري ابان تورة التحرير الجزائرية سنوات الخمسينات وهو السياسي المجاهد الراحل”حسين ايت احمد”الذي توفى منذ عامين بسويسرا ودفن بمسقط راسه بمنطقة القبائل، تاسسس الحزب بعد استقلال الجزائر عام 1963 وقد ظل الحزب ينشط بصفة سرية ويتابع الصراعات التى كانت على السلطة بعد الاستقلال ويتمركز الثقل السياسي لحزب “جبهة القوى الاشتراكية ” بمنطقة القبائل ليتحصل على الاعتماد الرسمي عام 1989.
بعد اقرار السلطة آنذاك بعد احداث اكتوبر 1988 اصلاحات سياسية عميقة انتجت دستورا جديدا وانهت عهد “الحزب الواحد” ليدخل “الافافاس” اختصارا بالاحرف الفرنسية في مرحلة سياسية جديدة ابدى فيها مواقف سياسية عززت من مصداقيته بعد رفضه المشاركة في السلطة وانتقاده للحلول التي اتخذت لمعالجة الازمة الامنية وسنوات العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر.
وقد فتح الحزب بعد عودة ايت احمد الى الجزائر من منفاه عام 1989 صفحة جديدة في تاريخه النضالي القائم على تعميق الحريات وتعزيز دولة المؤسسات ودعم الهوية الامازيغية والدين واللغة وهو وفي لتعاليم ميثاق اول نوفمبر وجيهة التحرير الوطني وعضو فاعل في الأممية الاشتراكية ويعتمد على الاعلان العالمي لحقوق الانسان في ممارسة اديولوجيته السياسية التي كرس من خلالها الزعيم السياسي الراحل “حسن ايت احمد” حزبا اعتبرته احزاب المولاة منافسا شرسا لها في مختلف المواعيد الانتخابية التي شارك فيها حزب “جبهة القوى الاشتراكية”.
اعتبر المناضل التاريخي والمجاهد الراحل مؤسس الحزب “حسن ايت احد ” احد ابرزه الوجوه التاريخية التي عارضت السلطة وهو الذي يقول متابعون سياسيون ومسؤولون سابقون في اعلى هرم الدولة انه رفض رئاسة البلاد في خضم الازمة الامنية التي كانت تعيشها الجزائر غير ان الرجل احتفظ بمصداقيته في اوساط السياسين والجزائريين الذين يكنون احتراما وتقديرا لمسار الرجل السياسي وقد ظهر هذا يوم وفاته حين اصطف الالاف من المواطنين في جنازته لتوديعه الى مثواه الاخير ومسقط راسه.
بنى الراحل حزيا سياسيا دعا الى العدالة الاجتماعية وتعزيز مجتمع الحريات والحداثة ودعم الفئات الاجتماعية الهشة وهي مطالب “اليسار” المعروفة ورغم المواقف السياسية المناهضة والمعارضة للواقع الوضع السياسي والاقتضادي الراهن الا ان “جبهة القوى الاشتراكية” شاركت في مختلف الاستحقاقات السياسية واعتبرت خيار المشاركة توجها سياسيا استشرافيا في بعده واهدافه اذ اعتبر الحزب عبر امانته العامة ان عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية الماضية كان قرارا غير سليم وقد يقود البلاد الى المجهول ورغم هذا تحصل الحزب على 27 مقعدا في البرلمان الجزائري من اصل 462 مقعد افقدت فيه “جبهة التحرير الوطني” الاغلبية ويرى متابعون للشان السياسي في الجزائر ان “جبهة القوى الاشتراكية” كاحد اقطاب اليسار في البلاد بدات تتراجع وتتوارى عن الساحة السياسية كما ان غياب أي اطر للتكتل السياسي بين اقطاب اليسار كما هو كائن لدى التيار الاسلامي في البلاد جعل الحزب يذوب في بيئته المحلية ولا يقوي من نشاطاته في باقي الولايات والمحافظات كما انه يجد منافسة شرسة من قبل حزب اخر يقترب معه في التوجهات والجغرافيا السياسية وهو حزب “التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية” وهو حزب محسوب على التيار اليساري في الجزائر.
*حزب العمال “يسار” يجمع العمال والنقابين..
تقود امراة مثقفة سياسيا ومناضلة شرسة تدافع عن افكارها بقوة في منابر الاعلام والحملات الانتخابية حزبا اشتراكيا يسمى حزب “العمال” الذي تاسس عام 1990 على خلفية التعددية السياسية التي انطلقت على عجل في الجزائر وانتجت مشهد سياسيا مغايرا لم يعتد عليه الجزائريون سنوات السبعينات والثمانينيات، المراة السياسية التي تمتمع بكاريزمة لافتة وتثير الانتباه مقارنة بالنساء اللواتي يمارسن العمل السياسي في الجزائر هي “لويزة حنون” بنت حزبها الذي تقوده منذ سنوات طويلة على الافكار التروسكية.
كانت لويزة حنون تنشط بصفة سرية في عهد الحزب الواحد لتقوم مع مطلع التسعينات بتاسيس حزب سرعان ما انضم اليه العمال والنقابيون وجعل الدفاع عن حقوق العمال في صلب اولوياته ويناضل الحزب ذو التوجهات اليسارية وفي الشق السياسي من اجل تاسيس جمهورية ثانية في البلاد وتاسيس مجلس تاسيسي وترسيم اللغة الامازيغية كلغة ثانية بعد اللغة العربية وقد قاطع الحزب الانتخابات التي جرت في عام 1991 وشارك في عقد “روما” عام 1995 الذي ضم تشكيلات سياسية اجتمعت بالعاصمة الايطالية لايجاد حل للازمة السياسية والامنية التي كانت تتخبط فيها البلاد بسبب الارهاب الاعمى ومسلسل المجازر الرهيبة المروعة والدمار الذي خلفه الارهاب على البنية التحية للدولة.
ومنذ انتخاب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة شارك حزب العمال في مختلف الانتخابات التي شهدتها البلاد ودعم الحزب توجهات السلم والمصالحة الوطنية التي بادر بها رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة في سنوات عهدته الاولى والثانية واستمر الحزب في الدفاع عن ما يقول انه حق الشعب والعمال ووقف متصديا لقانون المحروقات الاول الذي الغي سريعا ويتمتع حزب العمال بتمثيل محترم في المجالس المنتخبة المحلية والوطنية ويعتمد خيار المشاركة الساسية في العملية الانتخابية غير ان زعيمته لويزة حنون تنتقد باستمرار ما تقول انه “هفوات في تسيير الجهاز الحكومي وسوء تسيير لمقدرات الثروة ونفوذ لاصحاب المال في الحياة السياسية” اذ يعرف الجزائريون تصريحات زعيمة “حزب العمال ” المعروفة والتي ترتكز على ادبيات سياسية معروفة لحزبها السياسي منها العدالة الاجتماعية والدعم الاجتماعي وحماية ثورات البلاد من اي استغلال ومكافحة المخططات العدائية للدول الاجنبية.
موضوعات تهمك:
الجزائر وعقدة التداول على السلطة
عذراً التعليقات مغلقة