النووي بين السادية الأميركية والماسوكية الإيرانية
السادية مرض نفسي يستمتع المريض به بتعذيب الآخرين، أما الماسوكية فهو المرض المعاكس
والذي يستمتع به المريض عندما يتم تعذيبه.
ولمن لا يعرف أيضاً فالمشروع النووي العسكري أكبر بكثير من امتلاك السلاح النووي،
وكذلك المشروع العسكري الكيمياوي أكبر بكثير من امتلاك السلاح نفسه، لأنه يتضمن المعلومة
والخبرة المتراكمة، والأجهزة والأهم من كل ذلك العقول.
صحيح أن الإيرانيين لم يصلوا بعد الى إنتاج السلاح النووي، ولكن بحكم اختصاصي في الفيزياء النووية
ومعرفتي بالأكاديميين الإيرانيين خصوصاً بعد زيارتي لإيران عام ٢٠٠٥ ضمن وفد علمي برفقة مجموعة
من الأكاديميين والباحثين من جامعة دمشق وهيئة الطاقة الذرية. فقد اتضح لي خلالها
ومن خلال ما تابعته حينها عن المشروع النووي الإيراني أن وصولهم للقنبلة الذرية مسألة وقت.
لذلك أقول وبعد ثماني سنوات من الزيارة إنه من المؤكد أنهم باتوا قريبين جداً من الحصول على السلاح النووي.
ولذلك أيضاً سنترك ما يتجاذبه الإعلام هنا وهناك، ولنقيّم موضوعياً الاتفاق الأميركي الإيراني،
الذي حاولت وسائل الإعلام الإيرانية توصيفه على أنه “نصر”، ووصفه مرشد الثورة الإيرانية خامئني بأنه خطوات ذكية.
هذا الاتفاق الدولي مع إيران يعني استسلام إيران غير المشروط لإرادة المجتمع الدولي
(وللشيطان الأكبر بحسب وصفها)، ويتضمن أيضاً تسليم وتدمير القوة العسكرية الاستراتيجية السورية،
وتسليم السلاح والمشروع العسكري الكيمياوي بكل تفاصيله، بحيث تحرم أية حكومة وطنية
مقبلة من التلويح بهذا السلاح مقابل التفوق الإسرائيلي العسكري عموماً والنووي خصوصاً.
ولن نناقش هنا سبب استياء إسرائيل المعلن من هذه الصفقة مع أن نصيبها فيها كان عظيماً.
الاتفاق الأميركي الإيراني (حتى لو لم تعترف إيران بذلك) يعني إيقاف إيران برنامجها (مشروعها العسكري) النووي،
وهذا يعني أن “دولتين من محور الشر بحسب الوصف الأميركي المعلن” ايران وسوريا استسلمتا واستغنيتا
عن السلاح النووي والكيمياوي دفعة واحدة، ودون أي مقابل حقيقي باستثناء الحفاظ على ماء
وجهيهما أمام أتباعهما لفترة من الزمان تحددها الصفقات التجارية السرية.
هذا المكسب الإيراني الوحيد الذي يعني تأجيل سقوط بشار وتمديد صلاحيته بضعة أشهر
وهو أحد المكاسب الإسرائيلية أيضاً – وبالتالي تأجيل إعلان هزيمة مشروع الولي الفقيه
في حرب قذرة ضد حرية الشعب السوري والتي استنزفت عشرات المليارات من قوت الشعب الإيراني،
وهذا بدوره يعني قرب سقوط نظام الملالي في إيران. أما قضية الإفراج عن مبالغ مالية
فما هي الا متممات تجميلية معلنة لاتفاقيات وصفقات غير معلنة.
هذا بالنسبة للجانب التقني أما في الجانب النفسي السلوكي والإعلامي.
فمن الطبيعي أن تطبل وتزمر المافيات الحاكمة في سوريا وإيران عقب كل هزيمة وتنشد أناشيد النصر،
وهذه يمكن تفسيرها إما بحالة نشوة ماسوكية، مع حفاظ وهمي لماء الوجه والهيبة لآيات الآلهة الإيرانية
والسورية أمام الأتباع والرعاع. وهذه الأنظمة قائمة على هيبة زائفة وتزوير مستمر.
كما أن الماسوكية المرضية عند القيادة الإيرانية يمكن ملاحظتها من حالة استمتاع بتجويع
شعبهم وتجهليه ومنحه جرعات متزايدة من اللطم والتعذيب وجلد النفس، ترافقها جرعات
إضافية بقرب خروج الإمام الغائب، بالإضافة لتنفيس الاحتقان الشعبي ورفع الروح المعنوية
للأذرع المافيوية المرتبطة بطهران.
السادية الأميركية تطورت في مرحلة تضخم القوة وفارق القوة العسكرية والمعلوماتية والاستخباراتية
الأميركية عن باقي العالم والشعور بالعظمة وهذا الإحساس بالأمان والقوة جعلهم يستمتعون بالقضاء
على خصومهم على طريقة الهر والفأر.
يعني حالة من التعذيب السادي كما سبق وأن قاموا بذلك عدة مرات مثل الحرب العراقية الايرانية،
ثم تشجيع صدام على دخول الكويت ثم ضربه لدخولها، ثم التوقف عن القضاء عليه نهائياً في حرب الخليج
الثانية وإرجاء العملية الى عام ٢٠٠٣ لتجويع وتركيع وتقطيع الشعب العراق وإذاقته الويلات بسبب الحصار،
كذلك تحويل الصومال وأفغانستان لدول فاشلة، وأخيراً كبح الثورة السورية من الانتصار من خلال منع وصول
المساعدات والأسلحة الى أيدي الثوار، وإدارة الإعلام العالمي لمنع التعاطف مع الثورة السورية والمحافظة
على حالة اللاحسم. وتمكين الفاشلين من تسيير أمور المعارضة الخارجية، دون أن نعفي مسؤولية
من راهن على الأميركان بالحفاظ على السوريين وأرواحهم ومدنهم.
لا شك أيضاً أن المخطط يستهدف دول الخليج وتركها بحالة قلق وعصبية دائمة لاستنزافها
وإشغالها عن تقديم ودعم مشروع عربي للمنطقة.
نشر المقال أول مرة بتاريخ 2013/11/29