لماذا على الدول المنتجة للنفط أن تدفع وحدها ثمن تقلبات الأسعار وثمن معدلات التضخم؟
ما سبب التركيز على أسعار النفط دون غيره؟ لماذا ينبغي القبول بارتفاع أسعار بقية السلع باستثناء النفط؟ إنه أمر محير.
طلبت الصين من مواطنيها تخزين الأغذية تحسباً لنقص متوقع في سلاسل التوريد العالمي وليس لأي سبب آخر كإمكانية اندلاع صراع مسلح حول تايوان مثلا!
أحد تناقضات التجارة الدولية التي تريد أميركا فرضَها بالقول إن على دول «أوبك+» استيراد السلع الأميركية بأسعار مرتفعة وبيع نفطها بأسعار متدنية!
الآن موازين القوى الدولية تفرض أجندتها للتعامل المتكافئ مع إمكانية تنسيق المواقف لحماية مصالح الجميع بدلا من عملية الفرض التي لم يعد لها أي تأثير.
* * *
بقلم: محمد العسومي
مثلما كان متوقعاً فلشت كافة الضغوط الأميركية على مجموعة «أوبك+» ولم تؤد إلى تغيير موقفها من زيادة الإنتاج عن ما هو مقرر سلفاً بمقدار 400 ألف برميل يومياً، وهو القرار الذي اتخذ يوم الخميس الماضي خلال الاجتماع الدوري للمجموعة.
علماً بأن دول «أوبك+» زادت إنتاجها بمليوني برميل يومياً منذ شهر أغسطس الماضي، إذ شكل ذلك تحدياً للإدارة الأميركية التي سعت جاهدةً خلال الفترة الماضية لحث دول المجموعة على زيادة الإنتاج بنسب عالية لوقف التصاعد المستمر في الأسعار.
بعد هذه التطورات لم يبق أمام واشنطن سوى استخدام سلاح المخزون النفطي الاستراتيجي والمقدر بـ720 مليون برميل، وهو ما يمثل 75% من الإنتاج اليومي العالمي من النفط، ذلك التهديد الذي ساهم في انخفاض أسعار النفط بمقدار أربعة دولارات ليصل سعر البرميل 80 دولاراً بعد اجتماع «أوبك+» وقبل أن يرتد السعر بداية الأسبوع الجاري ليصل 83 دولاراً للبرميل.
والحقيقة أن هذا الإجراء الأميركي، إذا ما اتُّخذ فهو يعبّر عن اليأس والعجز عن أمكانية التأثير في قرارات البلدان المنتِجة والتي تتصرف وفقاً لمصالحها الوطنية وبعيداً عن الضغوط، كما أن قرار استخدام الاحتياطي الأميركي للتأثير في مستويات الأسعار باتجاه تخفيضها ستكون له نتائج عكسية تماماً، رغم تأثيره المؤقت في انخفاض الأسعار، وذلك لأسباب سنوضحها هنا.
فالخزين النفطي الأميركي رغم حجمه الكبير يعتبر محدوداً، مقارنةً بتنامي الطلب في الأسواق العالمية، مما سيؤدي إلى نفاذ هذا المخزون بسرعة، وهو ما سيفقد الولايات المتحدة ورقة مهمة ويمكن أن يعرّضها لأزمة إمدادات في حالة تعرض وارداتها من النفط لأي عقبات غير متوقعة.
كما أن استنفاد الاحتياطات الأميركية سيخلق حالةً من الهلع يمكن أن تساهم في صعود قوي وسريع لأسعار النفط لتكون النتائج عكس توقعات إدارة الرئيس بايدن.
ويدل ذلك على تخبط السياسة الاقتصادية الأميركية، وبالأخص في شؤون الطاقة، والتي تسببت في حالات تذمر داخلية انعكست على نتائج انتخابات الولايات المحلية التي نُظمت مؤخراً، مع العلم بأن واشنطن في إمكانها زيادة إنتاج النفط الصخري بعد أن أصبح إنتاج هذا النوع مجدياً بفضل ارتفاع الأسعار.
إلا أن سياسة بايدن تركز على التقليل من الانبعاثات الكربونية، بغض النظر عن احتياجات الأسواق من الطاقة وعن مدى توفّر مصادر الطاقة البديلة، وهو الربط المفقود في سياسة الطاقة الجديدة لواشنطن.
وفي هذا الجانب هناك ازدواجية غير منصفة في التعامل مع أسعار مختلف السلع على المستوى العالمي، فأسعار معظم السلع ارتفعت بنسب كبيرة، بما فيها الحديد والألمنيوم والنحاس والليثيوم وأسعار السيارات، بل وحتى المواد الغذائية.
وهو ما دفع الصين إلى الطلب من مواطنيها تخزين الأغذية تحسباً لنقص متوقع في سلاسل التوريد وليس لأي سبب آخر، كإمكانية اندلاع صراع مسلح حول تايون مثلا، كما اعتقد بعض المحللين.
لذلك يبرز هنا سؤال مهم يكمن في سبب التركيز على أسعار النفط دون غيره، بمعنى لماذا يمكن القبول بارتفاع أسعار بقية السلع باستثناء النفط؟ إنه أمر محير. ولماذا على الدول المنتجة للنفط أن تدفع وحدها ثمن تقلبات الأسعار وثمن معدلات التضخم؟
إنها تستورد معظم احتياجاتها الاستهلاكية، بما فيها الغذائية، وبالتالي فهي بحاجة ماسة لزيادة عائداتها من صادرات النفط لتغطية تكاليف وارداتها من السلع والخدمات، والتي تأتيها أساساً من الدول المستهلِكة للنفط، بما فيها الولايات المتحدة.
ويشكل ذلك أحد تناقضات التجارة الدولية حالياً، والتي تريد الولايات المتحدة فرضَها من خلال القول إنه على دول «أوبك+» استيراد السلع الأميركية بأسعار مرتفعة وبيع نفطها بأسعار متدنية!
ربما كان بالإمكان فرض هذه المعادلة غير العادلة في السابق، أما الآن، فإن موازين القوى الدولية تفرض أجندتها للتعامل المتكافئ مع أمكانية تنسيق المواقف لحماية مصالح الجميع بدلا من عملية الفرض التي لم يعد لها أي تأثير.
* د. محمد العسومي خبير ومستشار اقتصادي
المصدر| الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك: