بقلم: مشاري الذايدي
عجائب الخطاب الإعلامي الرسمي للنظام السوري لا تنقضي تجاه الكارثة التي تجري في بلاد الشام، وعاصمة الأمويين.
بعد مرور عام على فتك القوات النظامية بالناس العزل، الذين لم يتسلحوا تسلحا خفيفا إلا بعد فقدان الحيلة ومرور ثلثي العام الماضي دون أن يوجد من يكف جرائم الشبيحة وقوات الأمن عن حرمات الناس ودمائهم، وبعد عدة حلول عربية سلمية أجهضها النظام بمناورات المعلم وشتائم مندوبهم في الجامعة يوسف الأحمد.. الآن تذكر الخطاب الرسمي الإعلامي السوري حرمة الدم، وفي ذمة من هذا الدم، بعد أن وجد شيئا، ولو قليلا، من الرد والدفاع ضده، فجن جنونه.
نقلت الأنباء مؤخرا أن وزارة الخارجية السورية وصفت الدعوات التي أطلقها مسؤولون في كل من السعودية وقطر، لتسليح معارضي نظام الأسد، بأنها تأتي ضمن المواقف «العدائية» ضد سوريا، وحملت الدولتين العربيتين مسؤولية «سفك الدم السوري».
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية والمغتربين، جهاد مقدسي، إن «الرد السوري على مثل هذه الدعوات كان متحفظا، ونحن نود من الأشقاء في قطر والسعودية، أو من أي كان، المساهمة في عقلنة المعارضين، ودفعهم لطاولة الحوار، وليس لتسليح الحراك وسفك الدم السوري، والذين يتحملون مسؤولية هذا الدم بكامله».
الذي يتحمل مسؤولية هذه الدماء، وليس الدم الواحد، هو النظام نفسه، والذي يتحمل قتل الآلاف في درعا وحمص وحماه وإدلب وجبل الزاوية هم الشبيحة وقوات الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري.. الذي قتل الطفل حمزة الخطيب بوحشية، واقتلع حنجرة مطرب الثورة إبراهيم القاشوش هو النظام نفسه.
الذي «يبيد» حي بابا عمرو في حمص الآن، هو النظام؛ نظام الأسد..
هو المسؤول؛ قانونيا، وسياسيا، وأخلاقيا، عما يجري، وما سوى هذا، ليس إلا هروبا للأمام ومغالطات لفظية ومناورات إعلامية سطحية.
مشكلة خطاب النظام في هذه الأزمة، هي أنه يضع كيسا على رأسه يعزل عينيه وأذنيه وعقله عن المحيط الحقيقي حوله.
وهذه المغالطة الفجة، شبيهة بمسرحية «المقاومة والممانعة» التي يرى حسن نصر الله في لبنان، ومن معه من أيتام الأسد، وبعض كهنة اليسار والناصرية، أنها شعار كاف لتسويغ مجازر الآلة الأسدية الفتاكة في لحوم السوريين وحياتهم.
هذه الأيام، حسب ما نقلت الأخبار، ذهب إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي إلى واشنطن ليقنع أوباما بالتريث قليلا في الضغط على نظام الأسد، وأنه لا يمكن المجازفة بأمن إسرائيل والقفز في المجهول، على طريقة: «العفريت الذي تعرفه خير من العفريت المجهول»، خصوصا إذا كان عفريتا أثبت خلال أكثر من ثلاثة عقود تهذيبه وعقلانيته على جبهة الجولان الحساسة لإسرائيل.
رسالة الوزير الإسرائيلي تعزز مصداقية التحذيرات التي أطلقها ابن خالة الرئيس، رامي مخلوف، في خضم الثورة السورية حول أنه ليس من مصلحة إسرائيل زوال حكم الأسد عن سوريا!
يا للمفارقة؛ نظام يحميه ويحرص عليه: إيران، وإسرائيل، وحزب الله، ونوري المالكي، وروسيا.. فماذا يجمع هؤلاء؟! إلا محبة الحساسية العالية للنظام.. ربما.