المطلوب ألا يكون العنف ضد المهاجرين ثمن التقارب الأخير بين الرباط ومدريد.
انتهت الأحداث بمجزرة ضحيتها 24 قتيلا من مقتحمي السياج الحديدي الفاصل وسقوط مئات المصابين، كما أصيب 140 من القوات الأمنية المغربية.
تحمل وقائع مليلية الأخيرة عناصر تاريخية متراكمة، منذ حروب 1859-1860، و1909-1910 و 1920، التي تركت مليلية وسبتة جرحين مفتوحين للشعب المغربي.
رغم المقتلة الفظيعة التي حصلت دعا الناطق باسم حكومة المغرب لـ«عدم التساهل مع هذا الملف»، معتبرا أن الهدف مما حصل «التشويش على تعاطي المغرب مع ملف الهجرة الذي ينهج فيه نهجا إنسانيا»!
* * *
حاول قرابة 1500 إلى 2000 شخص من أفارقة من دول جنوب الصحراء (بعضهم سودانيون، كما أشارت مصادر)، الراغبين في الانتقال من المغرب إلى أوروبا، العبور من مدينة الناظور إلى مليلية، الخاضعة للسيطرة الإسبانية، وتمكنت مجموعة كبيرة منهم من اقتحام السياج الحدودي وتحطيم باب الوصول لمركز مراقبة الحدود في الحي الصيني ودخل قرابة 130 منهم إلى مليلية.
انتهت الأحداث بمجزرة راح ضحيتها 24 قتيلا من مقتحمي السياج الحديدي الفاصل (29 قتيلا حسب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان) وسقوط مئات المصابين، كما أصيب قرابة 140 من القوات الأمنية المغربية، ونفت السلطات مقتل أي من عناصرها (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أكدت مقتل دركيين)، لكنها أكدت وقوع 5 إصابات خطيرة بين أفرادها، وقد أوضحت السلطات الإسبانية أن عناصرها ساهموا أيضا في صد الاقتحام، وأن 49 شرطيا إسبانيا أصيبوا بجروح.
تقول البيانات الرسمية المغربية إن خمسة من المقتحمين قتلوا في بداية العملية نتيجة سقوطهم عن السياج أو سحقا، وهذا يعني أن الغالبية الكبرى من القتلى سقطوا في المجابهات التي جرت بين القوات الأمنية والمهاجمين، الذين حمل بعضهم، حسب مصادر متعددة، أسلحة بيضاء وعصيّا ورشقوا القوات الأمنية بالحجارة، وأدى رد عناصر الأمن إلى حصيلة القتلى المسجلة والمرشحة للارتفاع.
تشابهت المواقف الرسميّة المغربية والإسبانية في توصيف الأحداث، حيث نسب مصطفى بايتاس، الناطق باسم حكومة الرباط، ما حصل إلى أفعال ومناورات شبكات التهريب، ورغم المقتلة الفظيعة التي حصلت فقد دعا إلى «عدم التساهل والتراخي مع هذا الملف»، معتبرا أن الهدف مما حصل هو «التشويش على تعاطي المغرب مع ملف الهجرة الذي ينهج فيه نهجا إنسانيا».
اتهم رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، «مافيا تهريب البشر» وحمّلها مسؤولية ما جرى، ورغم هذه المجزرة المؤلمة فقد وجد حزب «فوكس» الإسباني، اليميني المتطرّف، فرصة للهجوم على المغرب واعتبار ما حصل نتيجة تساهل السلطات المغربية، كما أن الحزب العنصري الاتجاه انتقد إشادة سانشيز بإجراءات المغرب ووصفه بالكذب، مطالبا بالإغلاق النهائي لحدود مدينتي مليلية وسبتة وعسكرتهما «حتى يعترف المغرب بالسيادة الإسبانية عليهما».
تعتبر هذه الأحداث الأخطر منذ عام 2014 حين قتل 15 شخصا في هجمات على الحدود، وبعد أشهر من تغيير إسبانيا موقفها بشأن الصحراء الغربية لتقترب أكثر من موقف المغرب مما مهد الطريق لإبرام اتفاق لتعزيز التعاون في مراقبة الحدود، كما سمح اتفاق البلدين باستعادة حركة المرور في المعبرين الحدوديين في مليلية وسبتة.
نشرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لقطات تصور عشرات المهاجرين مكدسين وممددين على الأرض فيما يقف أفراد من الأمن المغربية مزودين بمعدات مكافحة الشغب، وكان بعض الموجودين على الأرض ينزف والكثير منهم لا يتحرك، كما أظهرت لقطة عنصر أمن يستخدم هراوة لضرب شخص على الأرض، وأشارت الجمعية إلى العديد من الجرحى «تركوا دون مساعدة لساعات مما أدى لزيادة عدد القتلى».
في حين لم تؤكد أي من وكالات الأنباء صحة المشاهد، فإن العدد الكبير من القتلى والجرحى المعلن من قبل الجهات الرسمية المغربية والإسبانية دفع جهات حقوقية محلية وأجنبية للدعوة إلى إجراء تحقيق وحث السلطات على عدم دفن القتلى إلا بعد إجراء تحقيقات رسمية.
تحمل الوقائع الأخيرة في مليلية عناصر تاريخية متراكمة، منذ حروب 1859-1860، و1909-1910 و 1920، بين البلدين والتي تركت جيبي مليلية وسبتة جرحين مفتوحين للشعب المغربي، لكن المطلوب ألا يكون العنف ضد المهاجرين هو ثمن التقارب الأخير بين الرباط ومـــدريد.
المصدر | القدس العربي
موضوعات تهمك: