إزاء محاولات النظام الممنهجة لإضفاء صفة الإسلامية والسلفية والإرهابية على الثورة الشعبية السورية، يفتح الكثير من المفكرين العلمانيين والمثقفين قلوبهم وعقولهم لفضح مخططه التكتيكي، محافظين على خصوصية فكر مدني يساري طالما ادعى النظام أنه الراعي والحاضن الوحيد له، فإذا به يُسقط أول وأبسط القوانين في أي تشريع مدني، حق الحياة والتعبير.
أسئلة قد يراها البعض محرجة وجّهناها في 1 مايو/ ايار 2012 للمنشق الأول عن النظام السوري الصحافي إياد عيسى، والمفكّر السوري ياسين الحاج صالح، والروائي والسيناريست خالد خليفة والمعارض خلف علي الخلف، فأتت أجوبتهم قاطعة الطريق على أي مشكّك يتوارى في زيّ العلمانية أو المدنية ليقنص المتظاهر السلمي المطالب بحقوقه الأساسية.
حوار يعيد موقع الساعة 25 نشره لأهميته في معرفة كيف كانت طريقة التفكير إبان الثورة.
أدونيس هو النسخة الثقافية المفضلة لدى نظام القتل:
وعن رأيهم فيمن وقف ضد الثورة لأنها خرجت من المساجد، انتقد إياد عيسى أدونيس قائلاً: “إن كنت تقصدين أحمد سعيد اسبر الشهير بأدونيس، فإن موقفه لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي، وهو أصلاً لم يكلف نفسه عناء البحث عن حجة ذكية يواري خلفها موقفه وطائفيته، وإلا ما معنى أن يكون من مريدي ثورة الخميني في طهران، ومنتقداً لثورة تخرج من جوامع، أم أن ما يجوز للحسينية في قرارة نفس شاعرنا الكبير لا يجوز للجامع، ويعرف السيد اسبر مثلما يعرف كل الشعب السوري دون استثناء أن الجامع هو المكان الوحيد المتاح لتجمّع السوريين في الأحوال الاعتيادية فما باله في حالة الثورة ضد نظام ما يجمعه مع أدونيس من خصال يكاد يصل إلى حد التطابق، ثم ماذا يفعل ثوار سوريا إذا كانت ظروف ثورتهم لا تسمح بارتداء بذلات السموكن والببيون ما يناسب ذوق شاعرنا المرهف، ولا تتيح لها أن تتجمع بداية في قاعة احتفالات تتيح لشاعر من عيار أدونيس أن يُتحف الحضور بشعر ذكوري نخبوي لا يفهمه إلا ناظمه، لتخرج بعدها الجماهير مستلهمة حماسها من شاعر الصفوة فترقص السلو، بينما فخامة الشاعر يرمقها بعين القائد المنظّر، ببساطة لن يؤيد أدونيس ثورة لا تشبهه ولا يقودها.. إنه النسخة الثقافية المفضلة لدى نظام القتل”.
وتساءل خالد خليفة مستغرباً: “ومن أين ستخرج الثورة في بلد لا يسمح فيه باجتماع 50 شخصاً دون موافقة أمنية، طلبت ممن امتعض أن يخرجوا من دار الأوبرا في مظاهرة، وأكدت لهم أن هذا الشعب نفسه سيخرج معهم ووراءهم دون نقاش”.
وازدرى ياسين الحاج صالح من اعترض على الثورة لخروجها من المساجد، وتابع: “أظنهم يبحثون عن ذريعة للاعتراض عليها، ولو خرجت من الجامعات لاخترعوا ذريعة أخرى”.
أما خلف علي الخلف فقال: “خروج المتظاهرين من المساجد كان أحد التكتيكات الأكثر نجاحاً للناشطين. الأمر لم يكن له علاقة بالتدين في البداية بل بالقدرة على التجمع”.
لا خوف من الإخوان المسلمين:
وأخذ البعض تجربة مصر وصعود نجم الإسلاميين ذريعة لإخافة الأقليات في سوريا من الثورة، فهل من الممكن أن تكون نموذجاً في الحالة السورية؟
يقول ياسين الحاج صالح: “لا أرى هناك شيئاً سيئاً ولا مفاجئاً في صعود الإسلاميين، والشيء الجيد في صعودهم الحالي هو أنهم يخسرون وضع الضحية والتعاطف الذي يترتب عليه، وتوضع أفعالهم وأقوالهم تحت تفحّص الرأي العام. فإذا لم يتحولوا إلى الديكتاتورية – ويبدو لي هذا صعباً – فلن ينالوا النسبة التي نالوها في الانتخابات الأخيرة بمصر. وإذا تحولوا إلى الديكتاتورية فنكون قد عدنا إلى الصراع من أجل الحرية، في سوريا أرجح أن يكون الإسلاميون قوة مهمة، لكن أقل وزناً من مما في مصر”.
ورأى إياد عيسى أن “الإخوان المسلمين جزء من الشعب السوري، وأعتقد أن ميثاق الشرف الوطني الذي أطلقته الجماعة أخيراً أمر إيجابي ومهم، ومستقبل الإخوان في سوريا تحدده صناديق الاقتراع واللعبة الديمقراطية التي يجب قبول نتائجها مهما كانت، وهذا مبدأ أساسي”.
وتابع “ما يزعج الكثيرين هو الأداء الحالي للإخوان المسلمين ومحاولتهم القفز إلى واجهة الثورة بمساعدة مكشوفة من بعض الفضائيات، والحقيقة أن الكثيرين لا يرون شبهاً بين من يحتلون الشاشة متحدثين باسم الثورة، وبين حقيقة هذه الثورة على الأرض”.
وأوضح عيسى أن “الشيء الآخر والخطير هو محاولة الإخوان الهيمنة على المجلس الوطني بما يتجاوز حجمهم السياسي ودورهم في الثورة بكثير، وكذلك ممارستهم لنوع من الإقصاء بحق تيارات وشخصيات سياسية داخل المجلس وخارجه، عدا عن محاولتهم السيطرة على العمل الإغاثي لغايات سياسية أكثر منها إنسانية للأسف الشديد، في محاولة منهم لكسب تأييد وتعاطف فئات من الشعب السوري”.
واستدرك أنه “رغم ذلك علينا أن لا نخاف من وصول الإخوان أو غيرهم إلى السلطة، وأظن أن لدى إخوان سوريا من الذكاء ما يكفي لفهم واستيعاب التنوع الطائفي والإثني للمجتمع السوري، والذي يختلف كثيراً عن طبيعة المجتمع المصري، كما أنهم يدركون أن التضحيات العظيمة التي قدمها السوريون لا تتحمل أخطاء سياسية من أي جهة كانت أو انقلاباً على الوعود والعهود، وحدث في مصر أن الإخوان تراجعوا عن وعدهم بعدم تقديم مرشح لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي قد يكلفهم غالياً على مستوى التأييد الشعبي لهم”.
ومن جانبه رأى خالد خليفة أنه “كان من المتوقع لهم أن يصعدوا إلى الحكم بعد التدمير الممنهج للشخصية المدنية المصرية من قبل كل السلطات التي حكمت مصر خلال الستين سنة الماضية، ولا يعني صعود الإسلاميين قدرتهم على المحافظة على مواقعهم، فتاريخ مصر مشرّف ومدني ولا يصح إلا الصحيح في النهاية. ولن أفاجأ بأي شيء يحدث بعد سقوط النظام، كلما تأخر هذا السقوط كانت الأثمان أغلى وفي النهاية سيدفع كل السوريين هذه الأثمان، والشيء الواضح أن الدول العظمى التي بدأت تخسر شركاءها من الديكتاتوريات العربية لن تسمح بنشوء دول مدنية وديمقراطية بهذه البساطة لكن دوماً مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة والشيء الرائع أن العرب قد بدأوا السير نحو الأمام”.
وقال خلف علي الخلف: “أعتقد أن المنطقة تشهد صعوداً للتيار الإسلامي ولن تكون سوريا استثناءً، لكن الفسيفساء السوري الإثني والديني والطائفي لن يسمح لهم “بالغلبة” في حال كانت صناديق الاقتراع هي الحكم وليس السلاح. أعتقد أن أسوأ سيناريو للخيبة هو بقاء هذا النظام أما ما عداه فيمكن تحمّله”.
يا الله ما لنا غيرك:
بعد صمت 40 سنة تشكلت لغة جديدة وهي “لغة خطاب الشارع” واستقت كلمات كلها من الاستعانة بالله “يا الله ما لنا غيرك”، وقد رأي إياد عيسى أن ذلك “شيء عجيب، أن يتفرج الكون صامتاً على شعب يُذبح ويُقصف ويُنكل به على هواء الفضائيات مباشرة، ثم يخرج علينا من ينتقد المذبوجين لأنهم استعانوا بالله ولاذوا به بعد تنكر العالم لهم”.
أما خلف علي الخلف فقال إن “الناس الذين يواجهون القتل الوحشي طبيعي وعادي أن يلجأوا إلى الله لأنهم يحسّون بخذلان العالم لهم”.
ولكن ياسين الحاج صالح فأكد أن “هذه التعابير تكثف التجربة الحية لقطاعات واسعة من الجمهور، وقد افتقرت الثورة السورية إلى سند داخلي أو خارجي، فلم يبق لها غير السند العِلْوي، الإلهي”.