الأيام في الأردن تحمل في طياتها تغييرات مهمة وصراع القوى لموضعة نفسها صار هو الهم الأساس.
النقاش في الأردن حامي الوطيس في ظل أزمة اقتصادية وبطالة مرتفعة وامتناع حكومي عن الاشتباك مع المعارضة وإن اشتبكت فإنها لا تكون مقنعة للشارع.
إعلان نوايا لإنشاء محطة توليد كهرباء شمسية بالأردن بتمويل الإمارات وتباع الكهرباء لإسرائيل التي تزوّد الأردن بالمقابل بمياه تُحلّى من البحر المتوسط.
* * *
بقلم: جواد العناني
شغل الرأي العام الأردني والعربي بتوقيع مذكرة تفاهم بين الأردن والإمارات وإسرائيل يوم الثاني والعشرين من شهر نوفمبر الماضي، يتم بموجبها إنشاء محطة توليد كهرباء شمسية في الأردن بتمويل من دولة الإمارات، وتباع الكهرباء لإسرائيل التي تزوّد الأردن، في المقابل، بمياه تُحلّى من البحر المتوسط.
وقد وقعت في الأردن احتجاجات وصلت ذروتها يوم الجمعة الماضي، حيث إن مركز المعارضة كان لدى الحركة الإسلامية الأردنية، وإن كان يساريون وقوميون وأردنيون من أصول أردنية وفلسطينية قد احتجوا على دخول الأردن في هذا الاتفاق.
وبالمقارنة، فقد وقَّع الأردن سابقاً اتفاقيتين مع إسرائيل، سببتا لغطاً واحتجاجات، ونقاشات حامية، لكنّهما لم تُحدثا كل هذه الضجة:
– الأولى، اتفاقية تزويد الأردن بالغاز الطبيعي من بئر ليفيثيان (الحوت) الواقعة شرقي البحر المتوسط وتديرها شركة “نوبل” الأميركية لصالح إسرائيل، والتي وقعت عام 2017. وكلما أتيحت الفرصة، خرج من ينتقد ذلك، لكنّها مرّت وصارت جزءاً من الواقع الأردني.
– الثانية، التوقيع بشكل صامت لم يحتج عليه أحد، على اتفاقية بين الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل يوم الثاني من الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، لزيادة صادرات الأردن إلى الضفة الغربية المحتلة بقيمة 500 مليون دولار.
أما المشروع الرابع الذي يجري الحديث عنه، خصوصا من المسؤولين الإسرائيليين، فهو بناء سكة حديد تمتد من حيفا إلى حدود الأردن الشمالية، لتصل إلى العقبة، وتخرج منها مستقبلاً امتدادات للعراق، والسعودية عندما يكون الوقت مؤاتياً.
وبالنسبة لمشروع الماء والكهرباء، فقد حظي بدعم وتشجيع من الإدارة الأميركية التي تراجعت عن قرار إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، التخلي عن اتفاقية باريس للبيئة، وتركّز حالياً على دعم المشروعات الصديقة للبيئة.
وقد رُؤي في مشروع تزويد إسرائيل بالكهرباء من مشروع طاقة شمسية يُبنى في الأردن أنّه يحقق أمرين: دعمه للبيئة والحفاظ عليها، وتشجيع التعامل عبر الحدود بين إسرائيل والدول العربية، وبخاصة الأردن.
دافعت الحكومة الأردنية عن المشروع بأسلوب غير مقنع، فقد صرّح الناطق الرسمي وزير الدولة لشؤون الإعلام، فيصل الشبول، بأنه لا يوجد مثل هذا الاتفاق، وادّعى الناطق باسم وزارة المياه الأردني أنه لا يعلم شيئاً عن المشروع في وقت كانت صوره تبثّ على محطات إذاعة وتلفزة عربية ودولية.
وقال وزير المياه والري، محمد النجار، الذي وقع المذكرة، إن هذا الاتفاق غير ملزم. وقد قصد بذلك أن يقول إن التوقيع على مذكرة التفاهم لا يجعلها اتفاقية ملزمة. وهذا قول صحيح، ولكنه لا ينفي أن النية والقرار قد عقدا على السير في المشروع.
ولكن خبراء المياه في الأردن، مثل الوزير السابق، منذر حدادين، يرون أن المياه ضرورية جداً للأردن، بسبب الجفاف الحاصل هذا العام، وربما في الأعوام المقبلة.
وبسبب أن الأردن يستهلك/ ينتج مائتي متر مكعب لكلّ فرد في السنة، في الوقت الذي يستهلك فيه حوالي 1700 متر مكعب، حيث يعوّض الفرق عن طريق استيراد حوالي 80% من حاجاته الغذائية المروية من مياه الدول المصدّرة.
وأما البدائل لزيادة المياه بشكل مستقل فهي حفر آبار على عمق 2 كم للوصول إلى المياه الصالحة للشرب، والتي تحتاج إلى تكرير وضخّ، وشبكات توزيع تجعل كلفة المتر المكعب حوالي ستة دنانير، أو أن تنشئ ناقلاً مائياً من مياه البحر الأحمر، والذي سيكلف الرقم نفسه. والذي تنوء تحته موازنة الدولة وموازنات الأسر الأردنية.
ويعتقد الأردنيون – أو بعضهم- أنّ في الأمر مؤامرة، حيث جرى تجفيف مياه السدود، وبخاصة سد الموجب، وهي رواية ضعيفة فنياً، ويرى آخرون أن هذا المشروع يجعل الأردن رهنا لقرارات “العدو الإسرائيلي” الذي عرقل بناء مشروع قناة البحرين (الأحمر- الميت)، والتي كانت ستنطوي على فوائد بيئية ومائية كبيرة للأردن، وكانت ستعطي المملكة استقلالاً مائياً.
لكن، مع تفاوت الآراء الفنية والاقتصادية، بين المختصين من ناحية والمعارضين للمشروع وللحكومة من ناحية أخرى، فإن سبب الرفض يكمن في أن المشروع يعزّز تطبيع الأردن مع إسرائيل، وهو أمر ترفضه الأحزاب الإسلامية والقومية واليسارية وأحزاب وطنية، وذلك لأنه يجعل الأردن شريكاً في التطبيع، وفي مشروع “صفقة القرن”.
هناك معارضة أخرى تقول إنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية تستثمر هذه الفرص في التوسّع الاستيطاني وممارسة الاعتداءات اليومية على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل، وتقتل الشباب، وتُمْعِنُ في إيذاء الأسرى الفلسطينيين لديها، والبالغ عددهم خمسة آلاف خُمْسهم من الأطفال.
ويأتي هذا كله وسط مناكفات حول الإصلاح السياسي في الأردن الذي وضع مشروعه بين يدي مجلس الأمة الحالي، بفرعيه مجلسي النواب والأعيان.
وقد احتجّ بعضهم على مشروع التعديل الدستوري، خصوصاً المواد التي تنص على إنشاء مجلس أمن قومي يرأسه الملك، ويجلس في عضويته بحكم المنصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع (الوزارة وُعد بإنشائها ولم تنشأ)، ووزيرا الداخلية والخارجية، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ومدير المخابرات العامة، ويرون في هذا المجلس إنقاصاً من الولاية العامة للحكومة، وتعريضاً للملك للمساءلة، ما يعني أنه مخالفة دستورية.
لن تكون هنالك مخالفة دستورية إذا صارت مادة هذا المجلس جزءاً من الدستور. والخوف من أنّه يتناقض مع الولاية العامة للحكومة ليس صحيحاً تماماً، لأنّ الحكومة ممثلة في المجلس بشكل قوي. وسيكون هنالك عضوان يعينان بصفتهما الشخصية، ويختارهما رئيس المجلس، وهو الملك.
… النقاش في الأردن حامي الوطيس، في ظل أزمة اقتصادية وبطالة مرتفعة، وامتناع حكومي عند الاشتباك مع المعارضة، وإن اشتبكت فإنها لا تكون مقنعة للشارع.
الأيام في الأردن تحمل في طياتها تغييرات مهمة، وصراع القوى لموضعة نفسها صار هو الهم الأساس.
* د. جواد العناني سياسي وخبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق.
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك:
هل ينعكس الربط الكهربائي على الأسعار المحلية الأردنية للكهرباء؟