على العاملين في ميدان العمل الإنساني أن يخلعوا قبعة أفكارهم أمام الدماء إذا سالت والأرواح إذا فقدت!
ماذا يمكن أن تقدم المنظومة الإنسانية للحد من أي تأثيرات محتملة للحالة السياسية الراهنة في أفغانستان؟
يجب أن يبقى العمل الإنساني منضبطا بأهدافه وحياديته بعيدا عن الأبعاد السياسية والأيديولوجية في الصراعات، وما يترتب عليها من تداعيات مختلفة.
تدخلات الدول الكبرى الإنسانية تخدم مصالحها حين تستخدم المساعدات كأداة سياسية أو من باب الشعور بالذنب، حينما تكون الدولة ذاتها مورد أسلحة استخدمت في الحروب.
* * *
بقلم: سامر أبومازن
منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان كثر الحديث بسوء أو حسن نية عن حجم الدمار الذي سيصيب هذا البلد، واستنفرت جهات إنسانية أممية جهودها لجمع ونشر البيانات عن احتياجات اللاجئين والنازحين معززة بأرقام حالية ومستقبلية.
في المقابل كانت ردة فعل جهات دولية أخرى مستفزة في التركيز على جانب إنساني واحد كحقوق النساء، وكأن هذه الجهات أصابتها عدوى الإعلام الغربي حتى وصل بعضها إلى التهديد بمنع التعامل مع السلطات الجديدة، وهي في الوقت نفسه تطلب تبرعات من عامة الناس حول العالم لدعم هذا الاستنفار في هذا الجانب دون مراعاة أولويات حفظ الحياة وتوفير أدنى مقوماتها.
لا غرابة أن الدول الكبرى، في بعض تدخلاتها الإنسانية، تخدم مصالحها الخاصة، حين تستخدم المساعدات كأداة سياسية منحا أو منعا، أو من باب الشعور بالذنب، حينما تكون الدولة ذاتها مورد الأسلحة التي استخدمت في الحروب التي تسببت في قتل وإعاقة وتهجير المدنيين، ولكن على الجهات الإنسانية الأممية أن تترفع عن سلوك كهذا.
وبهدف فهم الأدوار المتوقعة من المنظمات الإنسانية وحدود التدخل الإنساني المحتمل، وتوقع مسارات الأزمة الأفغانية التي تتسم بعدم اليقين وتعدد الاحتمالات، صدرت ورقة تقدير موقف مميزة، عن المركز العالمي لدراسات العمل الخيري في الكويت، بعد فترة وجيزة من التغيرات الأفغانية تحت عنوان «الحالة في أفغانستان – الآثار المحتملة والأدوار الإنسانية المتوقعة»، والتي انطلقت من عاملين أساسيين للاستقرار والانتقال المجتمعي السلمي، وهما: الاعتراف الدولي بالنظام السياسي الجديد والنزاع الداخلي، وطرحت 4 سيناريوهات متوقعة مستقبلية: منح الاعتراف الدولي بالنظام السياسي وتوقف النزاع الداخلي، غياب الاعتراف الدولي وتوقف النزاع، منح الاعتراف الدولي واستمرار النزاع، ثم السيناريو الأسوأ بغياب الاعتراف الدولي واستمرار النزاع.
ولكل من هذه السيناريوهات، تم استعراض صور التدخل الإنساني الممكنة، وأبرز الآثار الإنسانية المحتملة لتعقد الحالة السياسية، والأدوار المتوقعة من المنظومة الإنسانية، إلى جانب استقراء آراء الخبراء حول تجربة التدخل الإنساني في أفغانستان، لمعرفة المخاطر المحتملة على مختلف درجاتها، والتي من الممكن للعمل الإنساني أن يتعرض لها في بيئة نزاع مسلح وعرضتها الورقة حسب درجة خطورتها واحتمال حدوثها.
وفي كل ذلك، يبقى السؤال الأهم: ماذا يمكن أن تقدم المنظومة الإنسانية للحد من أي تأثيرات محتملة لهذه الحالة السياسية الراهنة في أفغانستان؟
لا سيما مع الظروف البيئة وفصل الشتاء القاسي في أفغانستان بعيدا عن تجاذبات الجهات الدولية وصراعات الأطراف الداخلية والتي يجب أن تسمع هي الأخرى اللوم وترى التعامل معها بشدة حتى تترك خلافاتها وتضع أسلحتها جانبا أمام دماء الناس بعد عقود من المعاناة.
يجب أن يبقى العمل الإنساني منضبطا بأهدافه وحياديته وفق المنطق، بعيدا عن الأبعاد السياسية والأيديولوجية في الصراعات، وما يترتب عليها من تداعيات مختلفة، وعلى العاملين في ميدان العمل الإنساني أن يخلعوا قبعة أفكارهم أمام الدماء إذا سالت والروح إذا فقدت!
* د. سامر أبورمان كاتب وباحث في قضايا الاتصال والرأي العام
المصدر| الأنباء الكويتية
موضوعات تهمك: