إدارة بايدن خصصت لوزارة الدفاع 750 مليار دولار فيما صوّت مجلس النواب لإضافة 25 مليار دولار أخرى.
أعدّ مكتب الميزانية في الكونغرس، غير الحزبي، دراسة بخفض تريليون دولار من هذه الموازنة على مدى عشر سنوات.
رصدت أميركا تريليونا دولار على مدى عدة سنوات، لصنع جيل جديد من الصواريخ والقاذفات وغواصات مزودة بالسلاح النووي.
رغم اعتراف واسع بتضخم ميزانية الدفاع وسخاء مبالغ فيه على الإنفاق العسكري يُتوقع أن يمرّ المشروع كالعادة بعد حوالى أسبوعين.
توتر غير مسبوق بين أميركا والصينبينما في حين تعاني الأولى خللا في السياسة والقرار والاقتصاد فيما تنعم الثانية بوضع يعزز صعودها ويؤكد تزايد حضورها.
“لا مشكلة في المنافسة لكن ينبغي أن تكون مفيدة للجميع. فنحن لا نعيش في زمن اعتيادي بل زمن سخونة المناخ والأوبئة مما يتطلب تغليب مصلحة العالم على الحسابات الجيوسياسية”.
* * *
يبدأ مجلس الشيوخ الأميركي، هذا الأسبوع، مناقشة موازنة وزارة الدفاع (البنتاغون) للسنة المالية الجارية. وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد خصصت للوزارة 750 مليار دولار، فيما صوّت مجلس النواب لإضافة 25 مليار دولار أخرى.
ويضاف إلى ذلك تريليونا دولار على مدى عدة سنوات، لصنع جيل جديد من الصواريخ والقاذفات والغواصات المزودة بالسلاح النووي.
رئيس لجنة الموازنة السناتور بيرني ساندرز، طالب بخفض المبلغ، وأعدّ مكتب الميزانية في الكونغرس (تقني غير حزبي) دراسة بخفض تريليون دولار من هذه الموازنة، على مدى عشر سنوات. لكن بالرغم من الاعتراف الواسع بتضخم ميزانية الدفاع وبالسخاء المبالغ فيه على الإنفاق العسكري، من المتوقع أن يمرّ المشروع كالعادة بعد حوالى أسبوعين.
يأتي هذا بالتزامن مع توتر غير مسبوق بين واشنطن والصين، وفي وقت تعاني فيه الأولى من الخلل في السياسة والقرار والاقتصاد، فيما تنعم الثانية بوضع يعزز صعودها ويؤكد تزايد حضورها.
معادلة تكشف على الأقل في ظاهرها عن “تعثر الديمقراطية وسلاسة الأوتوقراطية” حسب تعبير أحد المراقبين. وقد تحول هذا التمايز إلى هاجس كبير في واشنطن، وبالتحديد لدى بايدن.
في الآونة الأخيرة احتل هذا الموضوع صدارة الشؤون الخارجية في واشنطن. نكسة عملية الانسحاب من أفغانستان وأزمة السودان وقمة المناخ والمناكفة المتقطعة مع موسكو وغيرها، كلها بقيت عابرة مقارنة بالملف الصيني الذي انتقل إلى مستوى التحدّي. ثم عاد وأخذ المزيد من الاهتمام والجدل في أعقاب القمة الافتراضية بين بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، قبل يومين.
مشكلات مستعصية
ما تردد عن القمة أنها تناولت مروحة واسعة من البنود الخلافية أو المطروحة، من غير التوصل بعد حوالى ثلاث ساعات ونصف إلا إلى التوافق على المتابعة. بكل التقديرات كانت أجواؤها فاترة ونتائجها باهتة. وأبعد ما حققته أنها سكبت بعض الماء البارد على العلاقات بفتح باب التواصل، ولو من بعيد.
لكن المشكلات بقيت مكانها، إما لأنها مستعصية وإما لأنّ الثقة والكيمياء مفقودتان. ومع أنّ دائرة النفور الأميركي من الصين واسعة وتشمل مختلف الأطياف، إلا أنّ هناك عدم ارتياح لدى جهات وأوساط مختلفة من سياسة بايدن ومقاربته للعلاقات مع بكين، لناحية أنها غير متماسكة. ويرى البعض أنّ مجمل سياسة بايدن الخارجية، ومنها الصينية، باتت “عتيقة” ولا تتناسب مع معطيات العصر.
منذ البداية، وضعت إدارة بايدن سياستها الصينية تحت عنوان “المنافسة”. وكان المبعوث الأميركي الخاص بآسيا، كيرت كامبل، قد أوضح منذ الربيع الفائت أنّ “الانخراط مع الصين قد انتهى، وأنّ الإدارة ستعمل وفق استراتيجية تقوم على عدة عناصر جديدة أبرزها عنصر المنافسة”، وهو تعبير مطاط عادة مضمونه اقتصادي تجاري.
لكن إدارة بايدن تركت “عنصر المنافسة” مفتوحاً ليشمل ضمناً المنافسة على النفوذ والمرتبة الدولية. بهذا المعنى أثيرت علامات استفهام حول ما إذا كان ذلك يعني استبعاد حتى التعاون المطلوب مع الصين.
وخلال قمة العشرين الأخيرة في روما اقترحت الصين العمل على حملة تطعيم عالمية ضد جائحة كورونا، دون أن يلقى عرضها الرد من الإدارة. واكتفى مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، جيك سوليفان، بالقول إنّ الولايات المتحدة تبذل في هذا المجال مع شركائها، جهوداً تختلف عن تلك التي تبذلها الصين وشركاؤها.
تغليب المصلحة العالمية
تعليقاً على ذلك، قالت رئيسة مركز “أميركا الجديدة” للدراسات بواشنطن، آن ماري سلوتر، في تصريح لها: “لا مشكلة في المنافسة، لكن ينبغي أن تكون مفيدة للجميع. فنحن لا نعيش في زمن اعتيادي، بل زمن سخونة المناخ والأوبئة. وبما يتطلب تغليب المصلحة العالمية على الحسابات الجيوسياسية”.
في الأثناء، ارتفعت حرارة خطاب إدارة بايدن أخيراً بشأن تايوان، بعد أن رفعت بكين وتيرة تصعيدها ضد الجزيرة التي تعتبرها جزءاً من الأرض الصينية الأم.
وقبل أسابيع قليلة زاد بايدن من درجة التوتر مع بكين، حين قال إنّ أميركا ملزمة بالدفاع عن تايوان، ولو أنّ البيت الأبيض سارع في اليوم التالي إلى التصحيح بالقول إنّ أميركا ملزمة حسب اتفاقية 1979 بتزويد تايوان بما تحتاجه للدفاع عن نفسها.
زلة لسان الرئيس عكست المضمر، على ما بدا، من أنّ الدفاع المباشر عن الجزيرة غير مستبعد في سياسة واشنطن التي تقوم منذ 1979 على الإقرار “بصين واحدة” مع علاقات خاصة بأقل من سفارة مع تايوان.
نشوب حرب؟
هذا التلويح ردت عليه بكين بتجربة صاروخها الجديد “هايبر سونيك” الشهر الماضي، الذي اعترف البنتاغون بتفوقه في حقل الصواريخ النووية العابرة. وفي هذا السياق تغيّب الرئيس الصيني عن قمة غلاسكو الأخيرة للمناخ.
وفي اليومين الأخيرين تسربت معلومات عن عزم الإدارة الأميركية على مقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية المقرر أن تجري في الصين بعد حوالى 3 أشهر، على أن تقتصر المقاطعة في الأغلب على الحضور الدبلوماسي الأميركي لنشاطات الدورة.
في ظلّ هذا التصعيد المتبادل، يطرح السؤال عمّا إذا كان بإمكان أميركا مع التحالف الذي تقوده قادرة على ضمان استمرار السلام، واستبعاد الحرب عندما تحقق قوة مثل الصين صعوداً سريعاً بالقدر الذي يثير الشعور بالخطر لدى القوة العظمى.
النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأميركي إلبريدج كولبي، يقول في كتابه عن سياسة الدفاع الأميركية في عصر النزاعات بين القوى العظمى، إنّ زمن احتكار أميركا لموقع القطب الأوحد “قد انتهى”، وإنّ احتمال وقوع حرب بين هذه القوى “صار يبدو في الوقت الحاضر مسألة ممكنة إلى حد كبير”.
ويشير كولبي إلى تايوان في هذا الإطار، مشدداً على أهمية بناء التحالفات لمنع وقوع صدام بسبب الجزيرة. لكنه استدرك بالقول إنّ على واشنطن أن تكون “واقعية بشأن ما يمكن قدراتها أن تحققه وما لا تقوى على تحقيقه”.
وسبق للأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس أن توقّع في كتاب أخير له نشوب “حرب مع الصين في عام 2034”.
حديث الإدارة الأميركية منذ عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، عن أهمية التركيز والتوجه نحو الشرق الأقصى؛ أي ضمناً نحو الصين، كان في توقعاتها مصيباً ولو أنّ سرعة الصعود الصيني فاجأت واشنطن.
لكن توقع الصعود شيء والتصدي له شيء آخر، خاصة أنّ الوضع الأميركي يعاني في الوقت الراهن من تحديات وهبوط ملحوظين، وإن كانت واشنطن ما زالت تحتفظ بورقة التفوق الاستراتيجي حتى الآن، كما تشي أرقام موازنتها العسكرية.
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: