يا قارئ القرآن اتق الله واتلوه حق تلاوته يعلمك الله لغته، ويعلمك ما لم تكن تعلم.
هناك فرق بين القراءة والتلاوة، فالقراءة مرحلة أولى للفهم، والتلاوة تأتي بعد القراءة ومفسرة لها.
أهم ما ينبغي لمن يريد تعلم القرآن ولغته العربية منه أن يتقي الله، فقد قال سبحانه وهو أصدق القائلين: اتقوا الله ويعلمكم الله.
لكي نتعلم اللغة من القرآن علينا أولا أن نعرف كيف يتلى القرآن حق تلاوته. الإيمان بالقرآن هو الدليل على حق التلاوة.
من يتلو القرآن حق تلاوته لا يحتاج إلى معلم يعلمه اللغة العربية، قواعدها ونحوها وصرفها، أو الإنشاء والتعبير، أو البديع والمحسنات.
كيف وضع علماء العجم مثل سيبويه وغيره كتبا في قواعد اللغة العربية؟! فلم يكن للعجم قدرة على تسطير قواعد اللغة في كتب إن لم يتعلموها من القرآن.
القرآن علم العرب لغتهم الصحيحة، فما بال من لم يكن يعرف العربية ممن دخلوا في الإسلام وكيف تعلموها مع عدم وجود كتب لقواعد العربية، إن لم يتعلموها من القرآن؟!
* * *
يقول الله سبحانه وتعالى: {الرحمن، علم القرآن}(الرحمن١/٢) كيف يعلم الله الرحمن سبحانه وتعالى القرآن بغير أن يعلم لغته للناس! فإذا كان عرب الجاهلية يعلمون اللغة العربية بداهة، وقد جادلوا الرسول عليه السلام بها، فكان القرآن يصحح لهم لغتهم، فإنهم وإن كانوا يعرفونها إلا أنهم لم يتعلموها، خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم.
فقد وصفوا القرآن الكريم بأنه أساطير الأولين اكتتبها، والرسول لم يكن بكاتب، ووصفوه بأنه شعر، وأن الرسول شاعر وما هو بشاعر، ووصفوه بأنه سحر وأن الرسول ساحر، وما هو بساحر، ووصفوه بأنه كذب وأن الرسول كاذب، وما هو بكاذب.
من ثم فأوصافهم غير صحيحة تدل على مفهوم خاطئ يؤكد على جهل باللغة العربية الحقيقية، وقد تولى القرآن الكريم تصحيح هذه المفاهيم، وما اعوج من التعبيرات، حيث وصف الله سبحانه القرآن بأنه نزل بلسان عربي مبين، وهذا معناه أنه سبحانه وتعالى جعل في القرآن تصحيحا للغة العرب حتى تكون مبينة، وحدد فيها المعاني والمفاهيم.
ومن ثم قال سبحانه، وهو أصدق القائلين: {علم القرآن}. وبذلك يكون قد علم العرب لغتهم الصحيحة، فما بال من لم يكن يعرف العربية ممن دخلوا في الإسلام، وكيف تعلموها مع عدم وجود كتب لقواعد العربية، إن لم يتعلموها من القرآن؟!
وما الأسس التي أصدر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أمره بتعريب الدواوين في كافة البلاد التي أسلم أهلها على أساسها؟! وكيف وضع علماء العجم مثل سيبويه وغيره كتبا في قواعد اللغة العربية؟! فلم يكن للعجم قدرة على تسطير قواعد اللغة في كتب إن لم يتعلموها من القرآن.
من يتلو القرآن حق تلاوته لا يحتاج إلى معلم يعلمه اللغة العربية، قواعدها نحوها وصرفها، أو الإنشاء والتعبير، أو البديع والمحسنات. ولكي نتعلم اللغة من القرآن علينا أولا أن نعرف كيف يتلى القرآن حق تلاوته. الإيمان بالقرآن هو الدليل على حق التلاوة، يقول تعالى:
{الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به}(البقرة:١٢١) والإيمان هو الدرجة الأعلى من الإسلام. أن تقرأ القرآن فأنت مسلم، لكن أن تتلوه فأنت مؤمن، يقول تعالى: {وإذا تليت عليهم آياتنا زادتهم إيمانا}(الأنفال:٢).
قال بعض المفسرين إن تلاوته هو أن يتلى بدون تحريف، باعتبار أن الآية نزلت في سياق أهواء أهل الكتاب، وقال بعض المفسرين إن معنى أتلو أي أقرأ، لكن هناك فرق بين القراءة والتلاوة، فالقراءة مرحلة أولى للفهم، والتلاوة تأتي بعد القراءة ومفسرة لها.
وقال بعض المفسرين يتلوه أي يتبعه، يقول الله تعالى: {والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها}(الشمس:٢) ويقول تعالى: {وإذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا}(مريم:٥٨)
والتعليم لا يكون إلا بالتلاوة، يقول تعالى: إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا.(الإسراء١٠٧)
وقد جعل الله سبحانه التلاوة تعليما، يقول تعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته.(آل عمران ١٦٤)
وقد تضمن الوحي شرحا مع القراءة هو التلاوة، يقول تعالى: ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم.(آل عمران٥١)
والأحكام تقتضي التلاوة وليس القراءة، حتى يمكن إدراكها، يقول تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم.(الأنعام١٥١) ويقول تعالى: وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم.(الحج٣٠)
والتلاوة شرح وتفسير، يقول تعالى: ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا.(الكهف٨٣) فهم يقرأون ويسمعون عن ذي القرنين، لكنهم يريدون مزيدا من الإيضاح. ويقول تعالى: أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم.(العنكبوت٥١)
والذكر تليق به التلاوة وليس القراءة وحدها، يقول تعالى: فالتاليات ذكرا، إن إلهكم لواحد.(الصافات٣) ويقول تعالى: وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا.(القصص٥٣) والإدراك يكون بالتلاوة وليس بالقراءة وحدها، يقول تعالى: قل لو شاء الله ما تلوتهم عليكم ولا أدراكم به.(يونس١٦)
والتلاوة لا تنسى في حين أن القراءة يمكن نسيانها، يقول تعالى: واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة.(الأحزاب٣٤)
القراءة لا تهدي وحدها، وإنما تحتاج إلى تلاوة أي توضيحا بعدها، يقول تعالى: وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفيه.(النمل٩٢)
الإبلاغ شأن يحتاج إلى التلاوة لكي يتم بعده عمل، يقول تعالى: وما تكون في شأن وما تتلو من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا.(يونس٦١) ويقول تعالى: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه.(هود١٧)
والأمر بالبر يكون بالتلاوة، يقول تعالى: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب.(البقرة٤٤)
والفتوى تكون بالتلاوة، فهي أبعد شأنا من القراءة، يقول تعالى: قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء.(النساء١٣٧)
والحق يكون بالتلاوة، يقول تعالى: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين.(البقرة٢٥٢)
من ثم فإن من حفظ القرآن ويخطئ في الحديث باللغة العربية، أو يتحدث بالعامية، فقد قرأه فقط، ولم يصل إلى مرحلة التلاوة، حق تلاوة القرآن، وما الإطالة في حركات الكلمات أو اللحن فيه بتلاوة، وما يقال عند تقديم مقرئ بقولهم: تلاوة آيات من القرآن الكريم بصوت الشيخ (فلان). ليس بتقديم صحيح، فما قراءة المقرئ بتلاوة؟!
إن أهم ما ينبغي لمن يريد تعلم القرآن ولغته العربية منه أن يتقي الله، فقد قال سبحانه وهو أصدق القائلين: اتقوا الله ويعلمكم الله.
يا قارئ القرآن اتق الله واتلوه حق تلاوته يعلمك الله لغته، ويعلمك ما لم تكن تعلم.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
* د. محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية بكلية الآداب، جامعة عين شمس.
موضوعات تهمك: