القدرات التكنولوجية قد تكون بقوة فخ يقدمنا للإنهيار .. على الرغم إحتمالية الإنهيار فإن مقايس الانهيار ليست الصورة الكاملة، فقد تكون المرونة المجتمعية قادرة على تأخير أو منع الانهيار، وعلى سبيل المثال، يعد “التنوع الاقتصادي” عالميًا – وهو قياس تنوع وتعقيد الصادرات القطرية – اليوم أكبر مما كان عليه في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وفقًا لمؤشر التعقيد الاقتصادي (ECI) والذى صاغه الفريق البحثى بجامعة هارفارد الأمريكية كقياس يقارن الدول ببعضها على أساس تعقيد وتنوع الاقتصاد، حيث يعتبر مؤشر التعقيد الاقتصادي هو مقياس شامل لخصائص إنتاج أنظمة اقتصادية كبيرة، وعادة بلدان بأكملها.. والهدف من هذا المؤشر هو شرح نظام اقتصادي ككل بدلا من مجرد تناول مجموع أجزائه و يتطلع هذا المؤشر إلى شرح المعرفة المتراكمة في عدد السكان في بلد ما والتي يعبر عنها في تكوين الصناعي في البلاد وقد تم التحقق من صحة (ECI) كمقياس اقتصادي ذي صلة من خلال إظهار قدراتها على التنبؤ بالنمو الاقتصادي المستقبلي، وشرح الاختلافات الدولية في عدم المساواة في الدخل.
وبالتحليل المتبادل وبالتوالى مع ومؤشر تعقيد المنتج (PCI) لقياسات كثافة المعرفة النسبية لاقتصاد أو منتج وحيث يقيس ECI كثافة المعرفة للاقتصاد من خلال النظر في كثافة المعرفة للمنتجات التي يصدرها وبينما تقيسPCI كثافة المعرفة للمنتج من خلال مراعاة كثافة المعرفة لدى مصدريه ، هذه الحجة الدائرية يمكن تتبعها رياضياً ويمكن استخدامها لبناء مقاييس نسبية لكثافة المعرفة للاقتصادات والمنتجات، والدول في المتوسط أقل اعتماداً على أنواع الصادرات المنفردة مما كانت عليه في السابق، على سبيل المثال، فإن الدولة التي تنوعت إلى ما وراء تصدير المنتجات الزراعية فقط من المرجح أن تتحمل التدهور البيئي أو فقدان الشركاء التجاريين، ويقيس ECI أيضًا كثافة المعرفة للصادرات وقد يكون لدى السكان الأكثر مهارة قدرة أكبر على الاستجابة للأزمات عند نشوبها ، ويعتمد المؤشر على نوعين أساسيين من البيانات لتحديد مستوى التعقيد الاقتصادي بكل بلد وهما “التنوع” و”الانتشار”، وعلى سبيل الأهمية للمؤشر ففي آخر تحديث لبيانات المؤشر وفقا لموقع (فيجوال كابيتالست) ظلت اليابان بالمركز الأول وشغلت سويسرا وألمانيا وكوريا الجنوبية المراكز التالية على الترتيب وحلت الولايات المتحدة بالمركز التاسع.
وخلال عشر سنوات شهدت اقتصادات بعض الدول تنوعا كبيرا ساهم في صعودها بشكل ملحوظ على المؤشر كما تعثرت دول أخرى حيث تقف استراليا التي تعتمد بشدة على السلع في ترتيب منخفض بالمقارنة بدول أوروبية كثيرة، كما يختفي التعقيد في كثير من الدول وينصب التركيز على سلعة أو اثنتين فقط وأظهر التصنيف تراجعا شديدا في أداء كوبا وفنزويلا وزيمبابوي والأرجنتين خلال السنوات الأخيرة، ويأتى هذا فى إطار الدراسة العالمية الموسعة لــ بي بي سي فيوتشر حول الرؤية الطويلة للبشرية.
ورغم إستمرارية قدرات الحضارات على الابتكار والتنويع إلى اليوم وبعيدًا عن الكارثة فإنه مع ذلك العالم يزداد سوءًا في المناطق التي ساهمت في انهيار المجتمعات السابقة ، وكما أن الابتكار – كما يقاس بطلبات البراءات للفرد – آخذ في الارتفاع أيضًا، من الناحية النظرية، قد تكون الحضارة أقل عرضة للانهيار إذا كانت التقنيات الجديدة يمكن أن تخفف من الضغوط مثل تغير المناخ.
ومن الممكن أيضًا كما كتبت راشيل نوير على بي بي سي فيوتشر في عام 2017 أن يحدث “الانهيار” بدون كارثة عنيفة “ففي بعض الحالات تتلاشى الحضارات ببساطة من الوجود – وتصبح أشياء التاريخ ليس بانفجار بل بالنمو”، ومع ذلك فعندما ننظر إلى كل مؤشرات الانهيار والمرونة هذه ككل، فإن الرسالة واضحة بأنه لا ينبغي لنا أن نكتفي بالرضا عن النفس فهناك بعض الأسباب للتفاؤل بفضل قدرتنا على الابتكار والتنويع بعيدًا عن الكارثة، ومع ذلك فإن العالم يزداد سوءًا في المناطق التي ساهمت في انهيار المجتمعات السابقة فالمناخ يتغيير والفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع والعالم يزداد تعقيدًا ومطالبنا على البيئة تفوق قدرة تحمل الكواكب.
ومما يثير القلق أن العالم الآن مترابط للغاية ومترابط، وفي الماضي كان الانهيار محصورًا في المناطق التى كانت تشهد انتكاسة مؤقتة وكان بإمكان الناس في كثير من الأحيان العودة بسهولة إلى أنماط الحياة الزراعية أو الصياد الجامع، بالنسبة للكثيرين كان الأمر بمثابة إجازة مرحب بها من قمع الدول المبكرة، وعلاوة على ذلك، كانت الأسلحة المتاحة أثناء الاضطراب الاجتماعي بدائية: السيوف والسهام وأحيانًا البنادق، واليوم الانهيار المجتمعي هو احتمال أكثر غدرا حيث تتراوح الأسلحة المتاحة للدولة وأحيانًا حتى الجماعات أثناء الانهيار، من العوامل البيولوجية إلى الأسلحة النووية وهذا ما يشهده العالم الآن فى الواقع الجارى، قد تتوفر أدوات جديدة للعنف مثل الأسلحة المستقلة الفتاكة في المستقبل القريب، ويتزايد تخصص الناس وانقطاعهم عن إنتاج المواد الغذائية والسلع الأساسية ، وقد يؤدي المناخ المتغير إلى إلحاق الضرر بقدرتنا على العودة حتى إلى ممارسات الزراعة البسيطة.
ولابد للبشرية أن تفكر وتدرك فى الحضارة على أنها سلم ضعيف البناء وانه أثناء التسلق تسقط كل خطوة استخدمتها … لا بأس من السقوط من ارتفاع عدد قليل من الدرجات، ومع ذلك، كلما صعدت أعلى كلما كان السقوط أكبر ، وفي النهاية ، بمجرد أن تصل إلى ارتفاع كافٍ، فإن أي انخفاض من السلم يكون مميتًا، ومع انتشار الأسلحة النووية ربما نكون قد وصلنا بالفعل إلى هذه النقطة من “السرعة النهائية” الحضارية، فأي انهيار – أي سقوط من السلم – قد يكون خطرًا دائمًا، حيث يمكن أن تؤدي الحرب النووية في حد ذاتها إلى خطر وجودي: إما انقراض جنسنا البشري، أو مقلاع دائم يعود إلى العصر الحجري .
وبينما نصبح أكثر قوة ومرونة اقتصاديًا، فإن قدراتنا التكنولوجية تمثل أيضًا تهديدات غير مسبوقة لم تضطر أي حضارة إلى مواجهتها، وعلى سبيل المثال التغييرات المناخية التي نواجهها ذات طبيعة مختلفة عما ألغته المايا أو أنازاسي فهي عالمية مدفوعة من الإنسان، وأسرع وأكثر حدة .. وأن هذه القدرات التكنولوجية قد تكون بقوة فخ يقدمنا للإنهيار مع أنه ليس حتميا فلدينا ميزة فريدة تتمثل في القدرة على التعلم من حطام المجتمعات الماضية ويجب أن نعرف ما يجب القيام به : ـــ يمكن تقليل الانبعاثات، وتسوية أوجه عدم المساواة، وعكس التدهور البيئي، وإطلاق العنان للابتكار وتنويع الاقتصادات والاستثمار في التعافي والعمل بالفعل بأفكار متطورة لتحسين قدرة أنظمة الغذاء والمعرفة على التعافي بعد وقوع الكارثة وتحقيق الإرادة السياسية وبالإضافة إلى تجنب إنشاء تقنيات خطيرة وأن تكون متاحة على نطاق واسع أمر بالغ الأهمية، حيث ستقلل مثل هذه الخطوات من احتمال أن يصبح الانهيار المستقبلي لا رجعة فيه ، وكما يؤكد لوك كمب الباحث في مركز دراسة المخاطر الوجودية بجامعة كامبريدج: لن نسير إلى الانهيار إلا إذا تقدمنا بشكل أعمى .. نحن محكوم عليهم بالفشل فقط إذا لم نرغب في الاستماع إلى الماضي ، وكما قالت عالمة الاجتماع إليز بولدينج ذات مرة إن المجتمع الحديث يعاني من “الإرهاق الزمني”، وكتبت: “إذا كان المرء لا يلهث عقليًا طوال الوقت من التعامل مع الحاضر، فلا توجد طاقة متبقية لتخيل المستقبل” .
مرجع:
By Seth Baum 9th April 2019, Why catastrophes can change the course of humanity
موضوعات تهمك: