العلاقة بين العنصرية والدين والسياسة بالولايات المتحدة، منذ نشأتها حتى اليوم، علاقة وثيقة ومركبة.
أغلبية تصل إلى 70% من السود على اختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم الدينية يعتبرون الكفاح ضد العنصرية جزءًا لا يتجزأ من عقيدتهم الدينية.
جماعة أمة الإسلام فى أوج عنفوانها فى حياة مالكولم إكس لا يمكن تناولها وفهمها إلا باعتبارها حركة مقاومة سياسية أكثر منها حركة دينية.
حين سُمح للسود باعتناق المسيحية، استخدمها البِيض لإخضاعهم بالزعم زورًا أن المسيحية تفرض العبودية، ومن ثَمَّ فإن إيمانهم لا يكتمل إلا بقبول وضعهم عبيدا.
* * *
بقلم: منار الشوربجي
العلاقة بين العنصرية والدين والسياسة بالولايات المتحدة، منذ نشأتها حتى اليوم، علاقة وثيقة ومركبة. وهى تجيب عن أسئلة كثيرة تتعلق بالمجتمع والسياسة، فمن الأمور ذات الدلالات العميقة أن الولايات المتحدة لا يزال يُشار فيها حتى اليوم إلى «المسيحية» و«الكنائس السوداء»، وكأن الأخيرة تؤمن بدين آخر غير المسيحية!،
لكن المعنى الكامن وراء التفرقة له مغزى موضوعى مهم، ففى زمن العبودية، كان يُحظر على السود اعتناق المسيحية، ثم حين سُمح لهم باعتناقها، استخدمها البِيض لإخضاعهم عبر الزعم زورًا بأن المسيحية تفرض العبودية، ومن ثَمَّ فإن إيمانهم لا يكتمل إلا بقبول وضعهم عبيدًا.
وكان «العبيد» وقتها تُخصص لهم أماكن بعينها داخل الكنائس لا يتخطونها عند الصلاة. وذات مرة، تخطى بعض السود الحاجز دون قصد، فما كان من البِيض إلا أن جرُّوهم من أرجلهم، فدعَت تلك الواقعة وغيرها السود إلى السعى للصلاة بعيدًا عن كنائس البِيض، حتى تم لاحقًا بناء كنائس تخصهم، فيما بات يُعرف بـ«الكنائس السوداء».
وبسبب ذلك الإرث التاريخى المرير، كانت الكنيسة السوداء منذ اللحظة الأولى إزاء مسؤوليات جسام تتخطى الجانب الروحي العقائدي، فقد كانت ملاذًا آمنًا يجتمع فيه السود بعيدًا عن عنصرية بغيضة يواجهونها أينما ذهبوا.
وكان عليها أيضًا أن تلعب دورًا فى مواجهة الشعور بالدونية رسّخته ممارسات بغيضة ضد السود، الذين لم يتعرضوا فقط للقهر البدني والاجتماعي والاقتصادي، وإنما للقهر المعنوي والنفسي أيضًا. كما كان عليها أن تلعب دورًا فى الكفاح ضد العبودية ثم الفصل العنصري ثم التمييز.
وبالتالي، صارت الكنيسة السوداء مؤسسة دينية واجتماعية وسياسية. ومن الكنيسة خرجت أعظم القيادات السوداء وليس فقط مارتن لوثر كنغ، الذى كان قسًّا بالكنيسة السوداء.
وقد لعبت الكنيسة السوداء دورًا محوريًّا قبل الحرب الأهلية في إنشاء الجامعات السوداء، التي كانت هي الأخرى ملاذًا آمنًا للتعليم العالي للسود، تحميهم من قهر العنصرية عند التقدم للالتحاق بالجامعات ذات الأغلبية البيضاء ومن المعاملة الدونية من أقرانهم وأساتذتهم البِيض فيها.
وقد تخرج مارتن لوثر كنغ، بالمناسبة، فى إحداها. ووفق أحدث الإحصاءات، فإن أكثر من 50% من خريجي الجامعات السود تخرجوا في تلك الجامعات، التي لا تزال هي ذاتها تلعب دورًا مجتمعيًّا محوريًّا في توفير الخدمات الأساسية في أحياء السود، فضلًا عن دورها في رفع الروح المعنوية والتأهيل الثقافي للمناطق المحيطة بها.
ولا تزال الكنائس السوداء تلعب دورًا أساسيًّا فى توفير الدعم المادي لتلك الجامعات. ودور الدين السياسي بمواجهة العنصرية لم يقتصر على المسيحية، فجماعة أمة الإسلام، التى كانت فى أوج عنفوانها فى حياة مالكولم إكس، لا يمكن تناولها وفهمها إلا باعتبارها حركة مقاومة سياسية أكثر منها حركة دينية.
وكانت تقوم على فكرة جوهرية هى الفخر بالهوية السوداء والاحتفاء بها. وقد لعبت وقتها دورًا محوريًّا في مساندة وإعادة تأهيل المساجين من السود، الذين كانوا ولا يزالون بالمناسبة يُلقون بالسجون بأعداد هائلة.
وهناك دراسات علمية وثّقت الظلم الواقع على أغلبيتهم سواء في لوائح الاتهام أو التقاضي. ولا تزال المنظمات المسلمة السوداء تنبع قوتها حتى اليوم من دورها في توفير الخدمات الأساسية في أحياء السود.
لذلك كله لم يكن مستغربًا أن يثبت استطلاع لمؤسسة بيو، صدر في مارس الماضي، أن أغلبية تصل إلى 70% من السود على اختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم الدينية يعتبرون الكفاح ضد العنصرية جزءًا لا يتجزأ من عقيدتهم الدينية.
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي.
المصدر: المصري اليوم
موضوعات تهمك: