اليورو يمر بمراحل مراهقة مؤلمة
مرت العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” على مرحلة مراهقة مؤلمة، بما فيها لحظات اعتقد الكثيرون أنها لن تصل إلى هذه المرحلة من النضج على الإطلاق؛ ولكنها أحرزت النجاح.
المحتويات
اليورو يمر بمراحل مراهقة مؤلمة
قال الكاتب الصحفي مارتن وولف؛ تمامًا كما يحصل لمن هم في سن العشرين من البشر، شهدت العملة الأوروبية الموحدة مراهقة مؤلمة؛ حيث مرت لحظات اعتقد الكثيرون أنها لن تصل إلى هذه المرحلة من النضج على الإطلاق.
صحيح أن التجربة كانت صعبة جداً لدرجة أنها لا تزال حتى الآن تطرح أسئلة كبيرة، لكن قد يكون من المفيد في عيد ميلادها العشرين أن نتوقف عند أربع منها.
وطرح وولف تساؤلًا، جاء فيه هل كان اليورو فكرة منطقية أصلا؟، في خطاب واضح الشهر الماضي سلط ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، الضوء على الأساس المنطقي لاعتماد اليورو عملة موحدة.
فهو يعتقد أنه من المستحيل الحفاظ على التكامل العميق للسوق الموحدة بدون العملة الموحدة.
لذلك فإن دعم السوق الموحدة سيتعرض للتقويض على المدى الطويل، إذا ما تم حرمان الشركات التي استثمرت في رفع الإنتاجية من بعض الفوائد من خلال سياسات مناكفة الجوار التي تفرض تخفيضات تنافسية تضر بالجميع.
كما أن الأسواق المفتوحة لم تكن لتستمر، ومع ذلك لا يخفى أن مسار اليورو كان محفوفاً بالمخاطر، فقد تؤدي السياسة النقدية المشتركة إلى تباينات تراكمية، مع انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية في البلدان ذات معدلات التضخم المرتفعة وكذلك وقت الطفرات، والعكس صحيح.
فعملية دمج الدول ذات المؤسسات والسياسات الاقتصادية المختلفة، خاصة في غياب قرارات سياسية مشتركة، تعزز دور العملة الموحدة في التفرقة والانقسامات بين شعوب أوروبا، وليس العكس.
أداء اليورو
جاء الجواب الواضح المباشر لهذا السؤال بأنه نجا على الرغم من الصدمات الكبيرة والانقسامات المؤلمة. وقد أفضى إلى هذه النتيجة لأن تكاليف الانفصال، أو حتى انسحاب بعض الأعضاء تبدو مرعبة، ولأنه في خضم الأزمات سارع صناع القرار لحمايته بأي ثمن. ولن ننسى تسهيلات التمويل الطارئ في بعض دول منطقة اليورو، وعبارة «كل ما يتطلبه الأمر» التي صدرت عن دراجي في يوليو 2012، تعبيراً عن استعداد البنك المركزي الأوروبي لاستخدام أحدث أدوات البنوك المركزية في مواجهة الطوارئ.
ومع ذلك، فإن نجاة اليورو لا تعني جودة الأداء. فقد طال الزمن الذي استغرقه الإصلاح في منطقة اليورو رغم الجهود الحثيثة. وكان واضحاً أن الأزمات تسببت في جروح اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة ومستديمة في البلدان الضعيفة.
وبدلاً من تحقيق التقارب في مستويات المعيشة، تسبب اليورو باتساع الفجوة. فقد تلاشت القروض البينية في القطاع المصرفي داخل منطقة اليورو، وظل التضخم منخفضاً جداً، ما يجعل تعديل التكاليف النسبية أمراً صعباً.
استمرار منطقة اليورو
من المرجح أن تكون الإجابة، نعم. ويؤيد ثلاثة أرباع الناس في منطقة اليورو حالياً العملة الموحدة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2004. ولم يعرف نحو 40 في المئة من البالغين في المنطقة عملة أخرى. كما استمر عدد الدول الأعضاء في منطقة اليورو في التوسع، وهو بالتأكيد تصويت بالثقة.
ولا شك أن باعث التفاؤل الرئيسي حول الاستمرار هو سوء البديل. فانهيار العملة الموحدة سيكون مؤلماً للغاية، مالياً واقتصادياً. كما أنه سيهدد بقاء الاتحاد الأوروبي نفسه، والذي كان دائماً مبنياً على أساس التكامل الاقتصادي. من المحتمل أن تنهار السوق الموحدة. وعندها قد ينفرط عقد علاقات التعاون.
مصير اليورو
يشدد الخبراء على نقطة مهمة، وهي أن سجله ليس سيئاً. ويركز بعضهم على أن أسواق العمل الأوروبية شهدت تحسناً هيكلياً، حيث يزداد معدل مشاركة قوة العمل كل عام، حتى أثناء الأزمة. كما أن نسبة عالية من السكان البالغين نشطة اقتصادياً مقارنة بالولايات المتحدة، ومعدلات البطالة آخذة في الانخفاض حتى في البلدان المتضررة من الأزمة.
إلا أن منطقة اليورو ليست مرشحة لإنشاء اتحاد نقدي نموذجي. ولا يبدو أن أي نوع من الاتحاد الفيدرالي مطروح على الطاولة. وهذا يعني أن المشكلة السياسية الأساسية سوف تستمر ويستمر معها اختلال العلاقة بين ما هو قومي وما هو قاري.
في نهاية المطاف نقول إن منطقة اليورو محكوم عليها بالنجاح. فالانفصال يلحق ضرراً هائلاً بالنظام الهش القائم على حطام ما بعد الحرب. وسواء كانت فكرة جيدة أم لا، فإن تكاليف التراجع عنها تجعل البديل غير وارد. وإذا كان لا بد لها من النجاح الكامل فلا مفر من الإصلاحات الجذرية التي تضمن لها الاستدامة والتنمية.
المصدر: فايننشيال تايمز
اقرأ أيضًا – أمريكا تحث قطر على تحدي هيمنة الغاز الروسي في أوروبا
Sorry Comments are closed