يريد بن سلمان الاعتراف به حاكماً فعلياً وملكاً مستقبلياً في السعودية.
زار مسؤولون أميركيون السعودية مرارا في محاولة لرأب الصدع لمعالجة مخاوف السعودية بشأن التهديدات الأمنية من إيران والحوثيين.
علاقة أميركا بالسعودية لم تكن يوماً متعثرة كما الآن وبن سلمان لا يستسيغ معاملة إدارة بايدن له بعد نشر تقرير استخباراتي حول دوره في مقتل خاشقجي.
تعمقت التصدعات السياسية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا إذ أرادت أميركا من السعوديين ضخ مزيد من النفط الخام لضبط أسعاره وتقويض تمويل روسيا للحرب لكن السعودية لم تفعل شيئاً مما يتماشى مع المصالح الروسية.
* * *
سلطت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في تقرير نشرته اليوم الأربعاء، الضوء على العلاقات الأميركية السعودية وكيف وصلت إلى مرحلة وصفتها بالانهيار، متحدثة عن خلافات وتباينات عدة، بدءاً من قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، مروراً بأسعار الوقود وملف اليمن، وصولاً أخيراً إلى الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، حيث قال الرئيس الأميركي جو بايدن في عام 2019، إنه يجب معاملة المملكة كدولة منبوذة بشأن قضايا حقوق الإنسان، مثل مقتل خاشقجي.
وأكد مسؤولون سعوديون وأميركيون كبار أن التصدعات السياسية تعمقت منذ الغزو الروسي لأوكرانيا؛ إذ أراد البيت الأبيض من السعوديين ضخ المزيد من النفط الخام، سواء لضبط أسعار النفط أو تقويض تمويل موسكو للحرب، إلا أن السعودية لم تفعل شيئاً، وهذا يتماشى مع المصالح الروسية، وفق الصحيفة الأميركية.
قضية خاشقجي
تنقل “وول ستريت جورنال” عن مسؤول استخباراتي أميركي رفيع سابق كان يعمل في الشرق الأوسط، ويحافظ على اتصال مع كبار المسؤولين السعوديين، قوله إن العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية لم تكن يوماً متعثرة كما هي الآن، مشيرة إلى أن بن سلمان لا يستسيغ معاملة إدارة بايدن له، بعد أن نشرت تقريراً استخباراتياً العام الماضي حول دوره المزعوم في مقتل خاشقجي، وتقطيع جثته داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
ويوضح مسؤولون سعوديون في هذا السياق، وفق الصحيفة، أن بن سلمان يريد وضع مقتل خاشقجي وراءه، فهو يواجه دعاوى مدنية بشأن القتل، وتأمين الحصانة القانونية في الولايات المتحدة. وتلفت الصحيفة إلى أنه يمكن لبايدن تسهيل ذلك من خلال توجيه وزارة الخارجية للاعتراف ببن سلمان زعيماً لدولته.
وتتحدث الصحيفة عن لقاء جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، في سبتمبر الماضي، لافتة إلى أن بن سلمان ظهر وهو يرتدي “الشورت” في قصره البحري، للحصول على نبرة مريحة في اجتماعه الأول، إلا أن الأمر انتهى به بالصياح على سوليفان. وقال بن سلمان لسوليفان، وفق الصحيفة الأميركية، إنه لا يريد مناقشة الأمر مرة أخرى أبداً، بحسب أقوال أشخاص مطلعين على اللقاء. وتابع قوله مخاطباً سوليفان: “ويمكن للولايات المتحدة أن تنسى طلبها بزيادة إنتاج النفط”.
الحرب اليمنية
إلى ذلك، تشير “وول ستريت جورنال” إلى أن أحد أسباب توتر العلاقات الأميركية السعودية، يعود إلى النهج الأميركي المعتمد تجاه اليمن، خاصة بعد رفع البيت الأبيض الحوثيين من قائمة الإرهاب، وإعلانه أنه سيخفض الدعم للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، وسيجمّد بيع الصواريخ الدقيقة.
وتزامنت هذه القرارات مع تصاعد وتيرة الهجمات الحوثية، عبر الطائرات المسيّرة والصواريخ، على الأراضي السعودية.
وتذكّر الصحيفة الأميركية هنا، بأن مسؤولين أميركيين، بمن فيهم منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، زاروا السعودية مراراً، في محاولة لرأب الصدع، لمعالجة المخاوف السعودية بشأن التهديدات الأمنية من إيران والحوثيين.
في سياق آخر، أعرب السعوديون عن استيائهم من الانسحاب الأميركي من أفغانستان، فضلاً عن الجهود المستمرة لإدارة بايدن لإحياء الاتفاق النووي الإيراني. كما بدأوا في التشكيك في الالتزام العسكري الأميركي تجاه الشرق الأوسط، وباتوا يبدون غضباً حين يُشار إلى أن المملكة تسير على الإيقاع الذي تفرضه واشنطن.
قضية النفط
بنيت الشراكة الأميركية السعودية على فرضية أن الجيش الأميركي سيدافع عن المملكة من القوى المعادية لضمان تدفق النفط من دون انقطاع إلى الأسواق العالمية، وفق ما تحلّل الصحيفة. وفي المقابل، حافظ الملوك السعوديون المتعاقبون على إمدادات ثابتة من النفط الخام بأسعار معقولة، شابها بعض الاضطرابات العرضية. لكن الأساس الاقتصادي للعلاقة قد تغير. لم يعد السعوديون يبيعون كميات نفط كبيرة للولايات المتحدة، لأنهم أصبحوا أكبر مورد للصين، ما يعني إعادة تشكيل لمصالح الرياض التجارية والسياسية، وفق “وول ستريت جورنال”.
توقف البيت الأبيض عن مطالبة السعوديين بضخ المزيد من النفط. وبدلاً من ذلك، صار يكتفي بالطلب من المملكة العربية السعودية ألا تفعل أي شيء من شأنه أن يضر بجهود الغرب في أوكرانيا، بحسب أقوال مسؤول أميركي رفيع.
وكانت الرياض قد عجّلت في عودة وفد عسكري رفيع المستوى كان يزور واشنطن الصيف الماضي، وألغت زيارة لوزير الدفاع لويد أوستن الخريف الماضي، وزيارة كان من المقرر أن يقوم بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن الشهر الماضي.
ويضغط بعض مساعدي بايدن المقربين، بمن فيهم ماكغورك، من أجل تحقيق انفراج سياسي مع السعوديين، وهو ما يعتبرونه ضرورياً للولايات المتحدة لتعزيز مصالحها في الشرق الأوسط في كل شيء، من أسعار النفط، إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وفقاً لمسؤولين في كلا البلدين.
وراثة العرش
تقول صحيفة “وول ستريت جورنال”، إن ما يريده بن سلمان في المقام الأول، الاعتراف به حاكماً فعلياً، وملكاً مستقبلياً في السعودية، خصوصاً أن بايدن لم يلتقِ بعد أو يتحدث مباشرة معه.
ولفت مسؤولون سعوديون إلى أن مطالبة بن سلمان باعتراف بايدن بوراثة العرش صارت أكثر تعقيداً. وقالت: “قبل بضعة أشهر، ربما كانت مكالمة هاتفية ستكفي، ولكن يشكّك المسؤولون السعوديون في ما إذا كانت الزيارة حتى ستكفي. ولكن السفارة السعودية في واشنطن قالت إن مسألة حاجة الأمير محمد لمثل هذا الاعتراف “محض لغو”.
وعمل مسؤولو البيت الأبيض هذا العام على إجراء مكالمة بين بايدن والملك سلمان وولي العهد، بحسب أشخاص مطلعين. ومع اقتراب موعد المكالمة في 9 فبراير/شباط، أخبر المسؤولون السعوديون إدارة بايدن أن ولي العهد لن يشارك في المكالمة، على حدّ قولهم. وقد تسبّب هذا الغرور في إظهار السخط والغضب إلى العلن، بعد أن كان محصوراً بالمجالس الخاصة، وذلك بعد أن نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” ما حدث.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: