العلاقات الاجتماعية فى الفضاء السيبرانى
مع غياب الديمقراطية تهديد حقيقى للهوية العربية
أصبحت فاعليات الفضاء السيبرانى والتى تتشكل من عمليات التواصل الاجتماعى والتى جعلت العلاقة بين الإنسان وهذه الفاعليات السيبرانية تتجاوز مجرد كون الفضاء السيبرانى أداة تكنولوجية ومهنية أو مخزنا هائلا للمعلومات والعمليات التبادلية السريعة لها ، إلى فاعليات متعددة ومركبة المستويات والفاعليات جغرافيا وديموجرافيا واجتماعيا وسلوكيا وصحيا وثقافيا وسياسيا وعلميا ، ومن هذه الخصوصية المتعددة والمركبة تتوالد وتنشأ وتنمو الروابط والآثار الاجتماعية المتبادلة بين الأفراد فى الفضاء السيبرانى كنتيجة لتواصلهم ولتفاعلهم واحتكاكاتهم الاجتماعى ببعضهم البعض وسواء كانت الفاعليات الاجتماعية الإنسانية السيبرانية سلبية أو إيجابية، وسواء كانت مؤقتة ومنقطعة أو ذات استمرارية ودائمة وطويلة الأجل ، إلا أنها أصبحت تشكل حقيقة واسعة الانتشار بين مئات الملايين من البشر فى جميع أنحاء العالم وبما يجعلها تساهم بقوة فى تشكيل ماهية العلاقات الاجتماعية بين البشر وبكل تنوعاتتهم وبتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية والأيديولوجية والاجتماعية بينهم وبنوعيتهم الجنسية ، وبما يحقق للكثير التعبير فى حرية عن ذواتهم وآمالهم دون قيود سلطات الأسرة والعائلة والجماعة والقبيلة والمجتمع والأنظمة الحاكمة والأيديولوجيا ، وبما يؤدى إلى تهديدات حقيقية وواقعية لهوية ولبنى وروابط المجتمعات وتؤدى إلى تفككها، ومن خلال مخططات ضرب هذه الهويات والبنى والروابط بالعزلة السيبرانية وتزييف الحقائق واستهداف تغيير القيم الاجتماعية المقاومة للتفكك والداعمة للبقاء والترابط والتضامن والدفاع عن الهوية وإغراق أفراد المجتمع فى السلوكيات الانحرافية وتسييد حالة التوتر والقلق والاكتئاب والتصدع وتسييد نفى الحقوق الاجتماعية والأسرية والوظيفية وتسييد حالة نفى وإيقاع الواقع الفردى والجمعى فى الوهم وتسييد حالات الإدمان الشبكى والتى تسبب مع الأضرار الاجتماعة فى أضرار صحية تمتد من اليد إلى العين والمخ والعمودالفقرى والأعصاب. ومما جعل الباحث فيليب بروتون يصف الاستعمال المفرط لشبكة الإنترنت بالثمالة الاتصالية LE IVRESSE DE COMMUNICATION
وفى إطار غياب الكثير من معالم الديمقراطية فى عالمنا العربى أصبحت الفاعليات الاجتماعية فى الفضاء السيبرانى تتعدى الروابط السياسية والجغرافية والاجتماعية المحلية والإقليمية ومما أوجد معه الحركات والمجتمعات السيبرانية بمختلف أنواعها التى تمتلك آليات لحركتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية وتوجهاتها الفكرية وصراعها مع الآخرين أفرادا ومؤسسات ، ويعرف SERG BROULX فى كتابه les communauté virtuelle الجماعات الافتراضية بأنها: “تجمعات اجتماعية وثقافية تظهر في الشبكة عندما يكون هناك عدد كاف من الأفراد، يشاركون في مناقشات عامة خلال وقت كاف، ويضعون من وجدانهم ما يكفي لنسج شبكات من العلاقات الإنسانية في الفضاء السيبراني” وكما يعرف المجتمع الافتراضى : ” بأنه العلاقة التى تنشأ بين مجموعة من مستخدمى منتديات النقاش والدردشة الإلكترونية ويتقاسمون الأذواق والقيم والاهتمامات والأهداف المشتركة … وتشأ بينهم علاقة انتماء إلى جماعة واحدة” (1) وكما يعرفه محمد حجاب :ــ ” بـأنه مجتمع يتكون من أشخاص متباعدين جغرافيا ولكن الاتصال والتواصل بينهم يتم عبر الشبكات الإلكترونية وينتج بينهم نتيجة لذلك نوع من الأحساس والولاء والمشاركة ” ( 2 ) ، أما الباحث سكرام فهو يرى أن المجتمع الافتراضى هو عملية تقاسم فضاء الاتصال مع أفراد لا نعرفهم وغالبا ما يتم هذا فى الوقت الحقيقى ، وهو عبارة عن انعكاس للمجتمع الواقعى ” ، وكما يرى الباحث رهينجولد هاورد أن هذا المجتمع: “يجمع أشخاصا من كل انحاء العالم يقيمون فيما بينهم علاقات تعاون ، تبادل معلومات وخبرات ، ويجرون مناقشات ثرية ( خاصة فى المواضيع الفكرية والعاطفية ) أكثر مما هو عليه الحال فى الحياة الواقعية”.
ويصنف د.عبد الخالق بدري فى دراساته عن هذه الجماعات مميزات الجماعة الافتراضية؛ من خلال الممارسة العملية من داخل الفضاء العمومي الافتراضي ، وتفكيك عدة حركات افتراضية في الأمور التالية: غياب الرمز أو القائد أو القيادة الإدارية. غياب الهياكل المحددة، وفقا لقانون أساسي كما هو الحال مع الحركات الواقعية. طبيعة العلاقة فيها إرادية، وليس ضرورية وفقا للقرابة العائلية أو الجغرافية أو الدينية. صناعة نخبة جديدة بدل النخبة الواقعية . ــ طبيعة الجماعة ترافعية احتجاجية . ــ جماعة تنتج “الحقيقة” بشكل جماعي غير محدد سلفا. استيعاب شرائح مجتمعية مهمة كما وكيفا، كانت إلى وقت قريب منسحبة. هامش الإبداع والتدخل واسع وكبير، بدون قيود تنظيمية أو قانونية. ونتيجة هذا كله هو: تجاوز الحركات التقليدية، وتجاوز النخب الواقعية ، وانبجاس قاموس مفاهيمي جديد. ورصد أ.د. إبراهيم بعزيز خصائص تتميز بها المجتمعات الافتراضية على النحو التالى:
ــ بكونها جماعات مصالح لأنها تتشكل بفعل الاهتمامات والمصالح المشتركة.
ــ يتقاسم أفرادها نفس الاعتقادات والعادات والقيم ولهم إحساس بالتضامن.
ــ لايوجد فيها حضور فيزيائى ولا تقارب جغرافى بين الأفراد (إلا فى بعد الأحيان) ولا وقت حقيقى فغالبا ما يكون الوقت متفاوتا بين المدردشين المتباعدين جغرافيا.
ــ العالمية حيث يشارك فيها أفراد من كل أنحاء العالم.
ــ استعمال أسماء مستعارة وهويات مستعارة fluidty of identity ويقدمون غالبا بيانات غير مطابقة للواقع.
ــ عدم التجانس فى بعض الجوانب فقد يكون لكل شخص مستوى معين أو مهنة تختلف عن الآخرين.
ــ مؤقتة وليست دائمة فيمكن أن تزول فى أى وقت خاصة إذا تناقص عدد أفرادها.
ــ توفر فرصا أكبر لأعضائها للتفكير بحرية والتعبير فى كل المواضيع.
ــ الولاء والخضوع لقواعد ومعايير هذا المجتمع ، لأنه كما يقول عبد المنعم البكرى: فإن كل فرد يتأثر بالجماعات التى ينتمى إليها وتأثر على سلوكياته وتجعله ينساق مع أرائها، ويؤيد ذلك الكاتب إقبال مهنى والذى يؤكد بأن: الفرد يتفاعل ويتصل بجماعة ما حسب نمط معد مسبقا لا يمكنه أن يبتعد أو أن يتخلى عنه مخافة أن يبقى منعزلا ومرفوضا من طرف الغير”.
ــ استخدام رموز ولغة خاصة بها وهى عبارة عن إشارات ورسوم تستخدم للتعبير عن الحالات النفسية للأفراد وعلى تليمحات الوجه.
ــ لها قواعد سلوك خاصة بها تلزم كل منخرط جديد أو مستعمل أن يلتزم بها وأن يحترمها وهى تتضمن عموما بعض المواد والقوانين التى تشرح للأفراد كيفية الاستخدام وآداب التعامل مع المدردشين وعدم إزعاجهم وهى معروفة بتسمية النيتكيت NETIQUETTE.
المراجع:
1 ــ سيرجى برولكس ، المجتمعات الافتراضية ، ليون ، جامعة JEAN MOULIN ، 2004
2ــ محمد منير حجاب : المعجم الإعلامى ، القاهرة ، دار الفجر ، 2004 ، ص 470
موضوعات تهمك:
الصراع الدولى الإلكترونى يسقط الأنظمة ويخترق المؤسسات
Sorry Comments are closed