رغم إعلان اليابان نيتها فتح ملف السيادة على جزر كوريل مع روسيا، فإنها تدير مفاوضات دقيقة مع موسكو حول وارداتها من الغاز الروسي.
يمكن شراء النفط الروسي بالعملة الروسية وعملات الدول الى جانب الروبية واليوان الصيني، وهو دواء مناسب وعلاج للتضخم والفائدة المرتفعة.
الاستعاضة عن النفط الروسي بالأمريكي الباهظ والدولار عالي الفائدة سيفاقم التضخم بأوروبا ويهدد بأسعار فائدة مرتفعة مقارنة بما يتوفر لمنافسين بآسيا.
التنافس الدولي للحصول على الطاقة الرخيصة وإغراق آسيا بمنتجات ومشتقات منخفضة الثمن يؤذن بظهور أسواق موازية للأسواق العالمية المتعارف عليها.
بات النفط الروسي محط اهتمام الدول الآسيوية والدول الفقيرة فهو لا يخضع للعقوبات الأمريكية الأوروبية ولا يحتاج ضمانات مالية ويمكن شراؤه بالعملات الروسية والوطنية.
العقوبات الامريكية على روسيا باتت تهدد المراكز المالية بأوروبا وأمريكا فأسواق آسيا تنعم بنفط روسي رخيص بينما أسواق أوروبا تعيش هاجس فقدان الطاقة الروسية الرخيصة.
* * *
بقلم: حازم عياد
أعلنت الهند عن اولى صفقاتها النفطية مع روسيا لشراء 3 ملايين برميل وبأسعار تنافسية تقل بنحو 25 دولارا عن الأسعار المعلنة في الاسواق العالمية تسليم مايو القادم؛ صفقة سيتبعها على الارجح المزيد من الصفقات تقوم الحكومة الهندية بدراستها مع توقعات ان يتم الدفع بالروبل الروسي والروبية الهندية، صفقات مغرية يصعب التخلي عنها.
النفط الرخيص لمكافحة التضخم
الهند ليست الدولة الاولى التي عقدت صفقات مربحة لشراء النفط الروسي اذ حصلت الشركات الصينية على تسهيلات كبيرة من شريكتها الروسية، فلم تطالبها الشركات الروسية بأي ضمانات مالية مقابل عقود الشراء، فاتحة الباب لكافة الاحتمالات حول سبل الدفع والمقايضة.
النفط الروسي بات محط اهتمام الدول الآسيوية والدول الفقيرة والنامية؛ اذ انه لا يخضع للعقوبات الامريكية الاوروبية، ولا يحتاج الى ضمانات مالية، ويمكن شراؤه بالعملة الروسية والعملات الوطنية، الى جانب الروبية واليوان الصيني، وهو دواء مناسب وعلاج للتضخم والفائدة المرتفعة.
صفقات موسكو النفطية دفعت وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تقديم رسائل طمأنة لشركائه في اتفاق “أوبك+”، معلنا ان الحاجة للاتفاق ستبقى قائمة في المستقبل لضبط أسعار النفط عالميا؛ ما يعني ان هذه الاتفاقات الجديدة لن تكون بمثابة إعلان وفاة لاتفاق “أوبك بلس”،
ولكنها بداية لانطلاقة جديدة لأسواق الطاقة في أيار مايو القادم، خصوصا ان السعودية اقتربت صادراتها النفطية من 7 ملايين برميل يوميا.
روسيا لم تكن الوحيدة التي تعلن نيتها تقديم النفط بأسعار تنافسية؛ إذ اعلنت ايران نيتها استئناف صادراتها النفطية الى الهند، وبأسعار يتوقع ان تكون تفضيلية لتظهر أسواق موازية للاسواق العالمية، وجهتها الأساسية جنوب شرق آسيا والصين.
الولايات المتحدة لم تغب عن الأسواق الآسيوية؛ اذ يتوقع المسؤولون في الهند ان ترتفع صادرات النفط الامريكية للهند من 8% من احتياجات البلاد ليصل 11%؛ فالهند سوق واعد للطاقة، واحتياطاتها باتت مهمة لاستقرار الاسعار العالمية.
“كواد” والشراكة الهندية اليابانية
العقوبات وحروب النفط دفعت رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا لزيارة الهند الشريك والحليف في مجموعة “كواد” التي تضم اليابان وأستراليا وأمريكا والهند؛ فكيشيدا يسعى لإقناع الهند بالانضمام إلى العقوبات على روسيا، والى اتخاذ موقف اكثر تشددا من حملة موسكو العسكرية على اوكرانيا، وهو الأمر الذي لا يتوقع ان تستجيب له الهند.
لماذا؟ ببساطة لأن اليابان ورغم الاعلان عن نيتها فتح ملف السيادة على جزر كوريل مع روسيا، فإنها تدير مفاوضات دقيقة مع موسكو حول وارداتها من الغاز الروسي المسال القادم من محطات الغاز المسال في جرز سخالين؛ اذ يتوقع ان ينضم مشروع (سخالين 2) الى مشروع (سخالين1) لتوريد الغاز الى اليابان من روسيا؛ ذلك ان 60% من صادرات المشروع موجهة إلى اليابان، ويتوقع ان يوفر 9% من احتياجات طوكيو من الغاز الطبيعي المسال.
مصالح طوكيو مع روسيا في مشروع (سخالين1) للغاز المسال وعقوده طويلة الاجل التي تعمل على مراجعتها لتمرير مشروع (سخالين 2) تظهر طوكيو بمظهر فيه قدر كبير من النفاق الاقتصادي والسياسي في التعامل مع نيودلهي؛ الأمر الذي دفع المسؤولين في الهند الى رفض الربط بين أهداف تحالف “كواد” في الهادي والباسفيك لتشمل روسيا الى جانب الصين.
أوروبا تغرق بالتضخم والفائدة المرتفعة
الصراع والتنافس الدولي للحصول على الطاقة الرخيصة، وإغراق القارة الآسيوية بالمنتجات والمشتقات منخفضة الثمن يهدد بظهور أسواق موازية للأسواق العالمية المتعارف عليها، تحتل فيها عملات كاليوان الصيني والروبية الهندية والروبل الروسي مكانة مميزة على حساب اليوور والدولار.
العقوبات الامريكية على روسيا باتت تهديدا مباشرا للمراكز المالية في أوروبا والولايات المتحدة الامريكية في الآن ذاته؛ فالأسواق الآسيوية التي تكاد تغرق بالنفط الروسي الرخيص تقابلها الأسواق الأوروبية التي تعاني من هاجس فقدان الغاز والنفط الروسي الرخيص، والاستعاضة عنه بالخام الأمريكي باهظ التكاليف والدولار عالي الفائدة؛ ما سيفاقم من ازمة التضخم في القارة الاوروبية، ويهدد بمعدلات فائدة مرتفعة مقارنة بما يحدث لدى المنافسين في آسيا كالصين والهند.
وهو قرار عمدت مديرة البنك المركزي الاوروبي كرستينا لاغارد الى تأجيل رفع الفائدة الى حين اتضاح الصورة، والتداعيات الاقتصادية للنشاط الاميركي المفرط سياسيا وامنيا وماليا.
* حازم عياد كاتب وباحث سياسي
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: