العرب ليسوا بعيدين عن أزمة أوكرانيا وخسائر العرب منها تتوقف على طول أمد الحرب وهل ستكون حربا خاطفة أم ستتوسع؟!
بات العرب في قلب أزمة أوكرانيا ومتأثرين سلباً بها واستمرار الحرب فترة أطول قد يكبد الاقتصادات العربية خسائر فادحة بمليارات الدولارات.
دول عربية نفطية خليجية والعراق والجزائر ستستفيد من زيادات متواصلة لأسعار النفط لكنها وغيرها ستتكبد تكاليف ضخمة بزيادة أسعار الأغذية بالأسواق العالمية.
شهدت بورصات الخليج تراجعا حادا وفقدت بورصة مصر 15 مليار جنيه من قيمتها بساعات الغزو الأولى ونزحت استثمارات وأموال أجنبية من أسواق المال العربية.
* * *
بقلم: مصطفى عبدالسلام
يتصور البعض أن اندلاع حرب روسية أوكرانية، أو حرب روسية غربية في حال توسع نطاقها وأمدها، هو أمر لا يعنينا في المنطقة العربية، وأن تلك الحرب لا تهمنا من قريب أو بعيد، لأنها بعيدة عنا مكانياً، ودول المنطقة ليست طرفا مباشرا فيها، وبالتالي، لا ناقة لنا في تلك الحرب ولا جمل، ولا تمثل لنا خطرا جيوسياسيا أو حتى اقتصاديا.
لكن هذا التصور خاطئ بالمرة، فالعرب باتوا في قلب الأزمة الأوكرانية وأكثر المتأثرين سلباً بها، بل إن استمرار تلك الحرب فترة أطول قد تكبد الاقتصادات العربية خسائر فادحة تقدر بمليارات الدولارات.
أكبر دليل على تأثر العرب بتلك الحرب ما شهدته البورصات العربية صباح اليوم الخميس عقب الغزو الروسي لأوكرانيا مباشرة، فقد شهدت البورصات الخليجية تراجعاً جماعياً حاد، كما خسرت البورصة المصرية 15 مليار جنيه من قيمتها السوقية في الساعات الأولى للغزو، ونزحت استثمارات وأموال أجنبية من عدد من أسواق المال العربية.
خسائر البورصات وأسواق المال العربية ليست الوحيدة في هذا الشأن، ولن تقتصر على نزوح أموال خارجية ساخنة منها، فهناك خسائر أكبر، فالعرب هم أكبر المستوردين للأغذية من روسيا وأوكرانيا.
ووفق الأرقام، فإن 40% من صادرات الحبوب الأوكرانية توجه إلى دول المنطقة، خاصة إلى مصر ودول الخليج والأردن.
وروسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، ومصدر رئيسي وتاريخي للحبوب المتدفقة إلى دول المنطقة، خاصة القمح والذرة والشعير والزيوت النباتية، ومصر أكبر مستورد للقمح في العالم.
وبالتالي، فإن كلفة شراء العرب للأغذية البالغة حاليا نحو 100 مليار دولار سترتفع، خاصة إذا ما أثرت الحرب على امدادات الحبوب الروسية والأوكرانية لأسواق العالم، علما أن الدولتين، روسيا وأوكرانيا، يصنفان حاليا على أنهما سلة غذاء العالم.
والغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى حدوث قفزة في أسعار النفط ليتجاوز 106 دولارات للبرميل أيضا، وهناك توقعات باستمرار تلك الزيادات خاصة مع وجود حل في الأفق لتلك الأزمة.
صحيح أن دولاً عربية نفطية مثل الخليج والعراق والجزائر ستستفيد من تلك الزيادات المتواصلة في أسعار النفط، لكن في المقابل، فإن هذه الدول وغيرها ستتكبد تكاليف ضخمة مع زيادة أسعار الأغذية المتوقعة في الأسواق العالمية.
تزداد تلك الخسائر لدى دول عربية أخرى مستوردة للغذاء بشكل كبير، منها مصر والسعودية والإمارات وتونس والأردن والمغرب والجزائر والسودان ولبنان واليمن، مع التذكير هنا بأن التضخم المتواصل في أسعار الغذاء يهدد بحدوث اضطرابات سياسية بالدول التي تعاني من أزمات اقتصادية ومالية كما حدث في العام 2010.
أيضا من الخسائر التي ستلحق بالعرب جراء حرب أوكرانيا زيادة سعر الوقود، خاصة إذا ما حبست روسيا غازها ونفطها وفحمها عن أسواق العالم، فروسيا أكبر مصدر للغاز الطبيعي والنفط على مستوى العالم، ومن كبار مصدري موارد الطاقة والمواد الأولية.
ولذا أصيبت أسواق الطاقة في العالم بالرعب عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وقفزت العقود الأوروبية للغاز الطبيعي بنسبة 35% مرة واحدة، خاصة أن 40% من واردات الغاز الطبيعي الأوروبية تأتي من روسيا.
ومع القلق الشديد حول ضمان استمرارية إمدادات الغاز الروسي لأسواق العالم، خاصة لأوروبا، فإن أسعار الوقود مرشحة للزيادة بما فيها البنزين والسولار وغاز الطهي، وهو ما يمثل عبئا إضافيا على الموازنات العربية واحتياطيات النقد الأجنبي.
من المتوقع أن تؤثر الحرب الروسية الأوكرانية أيضا على حركة التجارة الدولية، وبالتالي على حركة الشحن ونقل البضائع والسلع في الممرات المائية ومنها قناة السويس، وهو ما يغذي موجة التضخم التي تجتاح العالم، ومنها المنطقة العربية.
العرب ليسوا بعيدين عن الأزمة الأوكرانية، وخسائر العرب منها تتوقف على طول أمد الحرب، وما إذا كانت ستكون حربا خاطفة لروسيا، أم ستتحول إلى حرب عالمية ثالثة، وإن كان الاحتمال الأخير يظل ضعيفا في ظل إدراك الغرب، الولايات المتحدة وأوروبا، أن خوض حرب كتلك في هذا التوقيت ليست في صالحه، خاصة أنه يعاني من أزمات اقتصادية شديدة، طاقة وتضخم وركود وكورونا.
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: