الكتلتان الشيعيتان: التيار الصدري والإطار التنسيقي متفقتان على مطلب الحشد بخروج القوات الأمريكية من العراق.
لم تستهدف الهجمات مؤخرا، القواعد الأمريكية في العراق فقط، بل أرتال الدعم اللوجستي المتجهة من جنوب العراق نحو القواعد الأمريكية.
التعامل مع تفوق القوة العسكرية الأمريكية وإبطال مفعولها ممكن عندما تتمكن قوى منظمة من جرّ الجيش الأمريكي لساحة معركة لا يجيدها كأصحاب الأرض.
يتجه 2022 نحو الاشتعال بأكثر من جبهة بتنسيق عال بين القوى الشيعية فالمسيرات المتفجرة استهدفت في أيام قليلة ثلاث جبهات في اليوم ذاته، بل في الساعة ذاتها!
هل ستتخلى الضربات المحسوبة عن طبيعتها التحذيرية نحو التصعيد والتسبب بخسائر بشرية؟ يتوقف على مدى قرب الحكومة العراقية المقبلة للحشد ومطلبه.
* * *
منذ شهور تشن الميليشيات الشيعية المنضوية في الحشد الشعبي العراقي، هجمات على القواعد الأمريكية في العراق، بوتيرة منخفضة، ثم ارتفع عدد هذه الهجمات ونوعيتها منذ بداية هذا العام، أي التاريخ الذي كان فاصلا لتحويل بقية جنود القوات الأمريكية لصفة مستشارين.
وهذا يمكن اعتباره المحاولة الأمريكية لتقديم شكل مقبول لبقائها، يبعد الحرج عن «الحشد الشعبي» الذي تعهد مع إيران على جعل خروج الأمريكيين من العراق والمنطقة، هو الرد على اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
بيد أن 2022 يتجه لأن يكون مشتعلا في أكثر من جبهة، بتنسيق عال بين محور القوى الشيعية، فالمسيرات المتفجرة استهدفت في الأيام القليلة الماضية، ثلاث جبهات في اليوم ذاته، بل في الساعة ذاتها، قاعدة فيكتوريا في مطار بغداد، وقاعدة كونيكو في دير الزور، والسعودية انطلاقا من اليمن، ويبدو أن الهدف الأهم لهذا التصعيد هو، إرباك المشهد والضغط على الوجود الأمريكي في العراق.
في الخمسة أيام الماضية، لم تستهدف الهجمات، القواعد الأمريكية في العراق فقط، بل أرتال الدعم اللوجستي المتجهة من جنوب العراق نحو القواعد الأمريكية، وإذا أردنا فحص عبارة «الضربات المحسوبة» فلن يكون هناك أوضح من ضربات الأرتال، لتقييم طبيعة هذه الهجمات، لأن ضربات المسيرات للقواعد، قد لا يمكن تقييمها لتعقيداتها الفنية.
أما الأرتال التي تتعرض لعبوات ناسفة منذ شهور، فالآلية المتبعة في تنفيذها وحجم الخسائر، يظهر بشكل قاطع إنها ضربات محسوبة وذات أهداف تحذيرية في الأساس، فمعظم هذه العمليات المصورة، يظهر فيها أن العبوات صغيرة الحجم محدودة الانفجار، ولم تسجل حتى الان خسائر بشرية في صفوف سواق الأرتال، وهم عادة من شركات مقاولات متعاقدة مع الجيش الأمريكي.
لذلك فإن الاستنتاج بطبيعة هذه الضربات المحسوبة التحذيرية يبدو مرجحا. السبب في كون الضربات مخففة حتى الآن هو خليط من معادلات القوة العسكرية والتفاوض السياسي، فالحشد أولا يدرك فارق القوة العسكرية المجردة بينه وبين الجيش الأمريكي، ومدى قدرة الطيران الأمريكي على إيذاء الحشد بالقصف.
لكن في المقابل الحشد يلعب على أرضه، والهيمنة الأمريكية المتراجعة في المنطقة، لا يمكنها توريط نفسها في «حروب غير منتهية» ، حسب تعبير معظم الساسة الأمريكيين، وحتى قدرة القوة الأمريكية في مناطق لا تشكل تهديدا على أمنه القومي المباشر كالعراق وأفغانستان، هي أقل تأثيرا طالما هناك محيط محلي مشاكس لوجودها، في بلد جرب فيه من قبل نشر 140 ألف جندي من قواتهم، وخرجوا بنتيجة مفادها، أن القوى الشيعية المدعومة من إيران كانت هي الرابح الأكبر للجولة، حسب تقرير الجيش الأمريكي الرسمي.
ولا ننسى النهاية الكارثية للوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، وهو مثال على أن التعامل مع تفوق القوة العسكرية الأمريكية وإبطال مفعولها ممكن جدا عندما تتمكن قوى منظمة من جرّ الجيش الأمريكي لساحة معركة لا يجيدها، كما أصحاب الأرض.
ومع عوامل أخرى مثل طول النفس والإرادة والعقيدة القتالية ومعونة التضاريس الجغرافية، بعد مساندة التضاريس البشرية، مع كل هذه العوامل مجتمعة، وعلى مدى سنوات أمكن جعل الامريكيين يصلون لقناعة، أن الحرب في العراق وأفغانستان «لا يمكن الانتصار فيها» كما قال بايدن في خطاب الانسحاب من أفغانستان.
لكن هل يمكن لمسيرات وصواريخ الحشد إزعاج الأمريكيين حال سارت الأمور نحو التصعيد، بلا شك نعم، وقد يتم استهداف الأمريكيين مباشرة، لإلحاق خسائر في الأرواح بهم حينها، وهذا السيناريو هو ما تخشاه واشنطن، التي تضع رجلا في العراق ورجلا في طريق الانسحاب خارج الشرق الأوسط كله.
لكن هناك جانبا آخر مهما يجعل الحشد مترددا في رفع وتيرة الهجمات سريعا، ذلك أن الحشد يملك أوراقا سياسية يريد استنفادها قبل التصعيد، أولها برلمان عراقي صوّت لصالح خروج القوات الأمريكية، وحكومة عراقية تتماهى إلى حد كبير مع مطالب الحشد بسحب القوات.
وبينما كانت حكومة الكاظمي أقل هذه الحكومات تعاونا مع الحشد، إلا أن الحكومة المقبلة غالبا ما ستكون أكثر استجابة لمطالب إخراج القوات الأمريكية، ومن المرجح أن القوى المتحالفة مع إيران، تريد أن تعطي فرصة للحكومة المقبلة بممارسة ضغط أكبر لإخراج الأمريكيين.
فالكتلتان الشيعيتان الصدر والإطار التنسيقي متفقتان على مطلب الحشد بخروج القوات الأمريكية في العراق، وبدا هذا التوافق واقعا حاسما، بعد أن أصدر مقتدى الصدر بيانا رسميا دعا فيه لإخراج الأمريكيين، وهدد بالمقاومة.
وهذا استدعى مكالمة من محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، جاءت على ما يبدو بإشارة أمريكية لتهدئة الزعيم الشيعي الشعبوي، المغرم بإثارة الانتباه ولفت الأنظار، ومعارضة منافسيه من الأحزاب الشيعية التاريخية، وإن كان يعود في نهاية المطاف ويأتلف معها في «كتلة شيعية أكبر» عندما يتعلق الأمر بمفصل حاسم في الحياة السياسية يمس المصلحة الشيعية العليا.
هذا الهدف بإبعاد الأمريكيين، هو بالمناسبة أحد عوامل الضغط على تكتل الفتح والمالكي، ضمن إطار التنسيقية الشيعية، من أجل التوافق والتقارب مع الصدر، في سبيل تمرير حكومة قادرة على ترجمة هذا الاتفاق بينهم على إبعاد الأمريكيين من العراق.
فالسؤال حول إن كانت الهجمات ستتخلى عن طبيعتها التحذيرية، وتتجه نحو التصعيد، والتسبب بخسائر بشرية، يتوقف على مدى قرب الحكومة العراقية المقبلة للحشد ومطلبه، فحكومة كهذه قد يمكنها المعاونة، بما يريده الحشد وطهران سياسيا، من خلال الضغط على الأمريكيين لإكمال انسحابهم، لكن هذا المسار سيكون تحت وطأة مزيد من الهجمات التي تهدف للتفاوض «تحت سماء المسيرات» إن صح التعبير، وإن بشكل تدريجي.
* وائل عصام كاتب صحفي فلسطيني
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك:
هل سيؤثر الانسحاب الأمريكي من العراق في الحشد الشعبي وتنظيم الدولة؟