العدو الأمريكي البشوش

أحمد عزت سليم4 يونيو 2020آخر تحديث :
العدو الأمريكي البشوش

العدو الأمريكي البشوش

 بقلم:  مستشار التحرير …..  أحمد عزت سليم

تهيمن الولايات المتحدة على السياسة الدولية بشكل مطلق ، حيث تراقب الأزمات في كل العالم ، لأن لها مصالح في كل القارات ، وتعتبر الوحيدة القادرة على التحرك في العالم وفى كافة الأرجاء المعمورة والخربة ودون استثناء ، وهي التي تحدد اختيارات وسير العالم من خلال هيمنتها على هيئة الأمم المتحدة ، ومجموعة الدول السبع الأكثر تصنيعا ، وصندوق النقد الدولي ، والمنظمة العالمية للتجارة ، ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ، ومنظمة حلف شمال الأطلسي ، إلخ..

وبما أن هيمنة إمبراطورية معينة في عالمنا المعاصر ، لم تعد تقاس بإمكانياتها العسكرية والدبلوماسية فقط، فقد حرصت الولايات المتحدة على أن تكون الأكثر تفوقا في المجال العلمي و بالتالي تمتص من العالم أجمع  عشرات الآلاف من الأدمغة من طلبة وباحثين وحاملي الشهادات ، الذين يحلون كل سنة بجامعاتها ومختبراتها ومقاولاتها ، مما سمح لها خلال السنوات الأخيرة بالحصول على 19 جائزة نوبل  من أصل 26 في الفيزياء ، و17 من أصل 24 في الطب و 13 من أصل 22 في الكيمياء.

وتمارس الولايات المتحدة هيمنة مطلقة على الشبكات الاقتصادية ، فلقد بلغ  إنتاجها الداخلي الخام  سنة 1999 : (8683,4 مليار دولار ) يعادل 6 مرات إنتاج فرنسا (1346,6 مليار دولار ) ويظل الدولار العملة الأولى، حيث تمر عبرها 83 % من مبادلات العملة الصعبة. وتمثل بورصة نيويورك مقياس التقلبات المالية العالمية وأي تعثر لها يحدث الفزع في العالم أما القوة الضاربة لصناديق المعاش الأمريكية ـ التي تمثل غولا مهيمنا على الأسواق المالية ـ فتخيف كل الفاعلين في الميدان الاقتصادي العالمي .

وتعتبر أمريكا أول قوة في ميدان المعلومات إنها تتحكم في الاختراعات التكنولوجية الجديدة، وفي الصناعات الرقمية ( المادية واللامادية ) من كل نوع .. الامتدادات والإسقاطات إنها بلاد المواقع ، والطرق السريعة للمعلومات و ” الاقتصاد الجديد ” والعمالقة ميكروسوفت ، إ.ب.م ، إنتل وأبطال الإنترنت ياهو ـ أمازون ـ أمريكا أونلاين .

فلماذا لا تثير هذه الهيمنة العسكرية والدبلوماسية والتكنولوجية المطلقة ، مزيدا من النقد أو المقاومة ؟ لأن أمريكا تمارس علاوة على ذلك الاستعمار الفكرى من هيمنة ثقافية وأيديولوجية تتوفر على نخب ومثقفين كبار يُجمع الكل على احترامهم ، وعلى أعداد هائلة من المبدعين في مختلف المجالات الفنية الذين يبهرون وعن جدارة في كل مكان وتمتلك كذلك التحكم في الرمزية الذي تمكنها من ” الهيمنة الآسرة .

في كثير من المجالات تمكنت الولايات المتحدة من التحكم في المصطلحات والمفاهيم والمعاني ، إنها تضطر الآخرين  للتعبير عن المشاكل التي تحدثها باللغة التي تقترحها هي ، وتنتج الرموز التي تمكن من فك الألغاز التي تفرضها وتتوفر لهذا الغرض على كم هائل من معاهد البحث ومن صناديق الأفكار  think tanks ( دبابات الفكر(  التي تشغل الآلاف من الخبراء والمحللين ، الذين ينتجون معلومات حول قضايا قانونية و اجتماعية و اقتصادية في اتجاه يخدم أطروحات الليبرالية الجديدة ، و العولمة وأوساط الأعمال ، ويتم نشر وإشهار أعمالهم التي تحظى بدعم مالي هائل ، على امتداد العالم.  

ومصانع وصناديق الإقناع هذه مستعدة لتحمل التكاليف الباهظة ، فتستدعي لندواتها ومؤتمراتها ، الصحفيين والأساتذة والموظفين والمسيرين الذين تمتلىء جيوبهم وحساباتهم البنكية بالدولارات الأمريكية وهم يحملون ما تنتجه من أفكار إلى العالم أجمع .

وهكذا وباعتمادها على سلطة الإعلام والتكنولوجيا تقيم الولايات المتحدة ، مع التواطؤ المستسلم للخاضعين ، ما يمكن تسميته بالقهر اللطيف أو الاستبداد اللذيذ وخاصة عندما يضاف إلى هذه السلطة التحكم في الصناعات الثقافية والهيمنة على مخيالنا ـ وعلى سبيل المثال تنشر صور الشذوذ والعرى والخيانة فى الأفلام الأمريكية المصدرة إلى العالم الفقير فى حين قلب المجتمع الأمريكى أصوليا يرفض ذلك تماما بل ويحاصر الشواذ ويرفض التعامل معهم ، وذلك لتسييد هذا النموذج فى هذه المجتمعات ، وكما في تسييد مسلسل مسلسل الجرئ والجميلة والذى دعم تسييد التجاوز  زنى المحارم ولنشرها في المجتمعات العربية خاصة .

     ومن خلال هذه النماذج يتم تسيد الفساد وانعدام الإخلاق وإحتلال أحلام جموع غفيرة من أبناء الدول النامية والمتخلفة بالأبطال الذين يصنعهم الإعلام الأمريكى والغربى فبينما لا تشتري إلا 1 % من الأفلام الأجنبية ، فإنها تغرق العالم بإنتاج هوليود من سينما وفيديو وغيرها ، هذا دون الحديث عن ما تنتجه من نماذج في مجال الغناء واللباس والعمران أو الأكل .

    ويرافق هذا كله خطاب جذاب يتحدث عن حرية الاختيار واستقلالية المستهلك ، وحضور جنوني للإعلان ( تخصص في الولايات المتحدة 200 مليار دولار  للإعلان في السنة ) الذي يشمل الرموز والمستهلكات المادية ، ولقد وصل فن التجارة إلى درجة من الكفاءة ، أصبح يطمح معها إلى تسويق ليس نوع معين أو علامة معينة ، ولكن هوية ، وليس علامة اجتماعية معينة ولكن شخصية ، حسب مبدأ ربط الشخصية بما تملك .

ولقد أصبح من الملح تذكر ما أنذر به ألدو هوكسلي Aldous Huxley سنة 1931 حين قال : ـــ ” في مرحلة التكنولوجيا المتقدمة ، إن الذي سيشكل الخطر الأكبر على الأفكار والثقافة والعقول ، لن يأتي من خصم يثير الفزع والكراهية بقدر ما ستأتي من  عدو بشوش ” .

موضوعات تهمك:

الهيمنة الأمريكية مازالت حقيقة مستمرة

سوزان رايس تتهم روسيا بالتسبب في أعمال العنف بأمريكا

ترامب يدفع العالم لنظام اقتصادي يتحدى الهيمنة الأمريكية!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة