العالم يودع المفكر السورى المقاوم طيب تيزيني رائد التنوير
لعل أهم وأخطر ما يعانى منه عالمنا وواقعنا العربى هو غياب العقل النقدى الذى يتخطى المصالح الذاتية والبرجماتية والانفعالية ويتحرر منها ويتجرد ويستطيع بمنطقيته الموضوعية المواجهة المنطقية للنسق والنظم المتنوعة والمركبة التى تسيطر على المجتمع ومعرفة آلياتها وحركتها وتغيراتها الآنية وتوجهاتها المستقبلية ، وتكون كل آليات المجتمع واقعة تحت التساؤل وإظهار الزيف والقوى المسيطرة ونقد إعمال سيف التحريم فى المجتمع كبديل للحوار الموضوعى ، وليحرر المجتمع من كل القيود الماضوية والواقعية السلطوية وغير السلطوية والركود الفكرى الذى أخضع العرب إلى للسلطات القهرية المجتمعية وللقوى الدولية، وعلى هذا أهم ما يتمييز به فكر الفيلسوف المفكر السورى طيب تيزيني من إعمال العقل النقدى فى كتاباته ومؤلفاته وإعادة كتاباتها والنظر النقدى لها وفى كل ما كتبه معتبرا ذك فضيلة عظمى له فالتاريخ مفتوح وليس هناك من ثوابت مطلقة .. حتى كتاباته.
وبالأمس الموافق السبت 18 مايو 2019 رحل فى مدينة حمص عن عالمنا العربى هذا المفكرا الرائد وهو ممن اعتمد فى فكره ومنهجه فى مقاومة ومواجهة سلطة الظلم والطغيان والمذلة والاستسلام على إعمال العقل النقدى إنه الفيلسوف المفكر السورى طيب تيزيني عالم الفكر ورائد التنوير والفلسفة فى العصر الحديث والذى إختارته إحدى الموسسات العالمية عام 1998 من أهم مائة فيلسوف في العالم وقتها، وقد حصل على درجة الدكتوراه من ألمانيا عام 1967 عن أطروحته “تمهيد في الفلسفة العربية الوسيطة” ، كما حصل على الدكتوراه في العلوم الفلسفية عام 1973.
ولد الفيلسوف المفكر السورى طيب تيزيني بمدينة حمص عام 1934 ونشر عام 1971 كتابة الأول باللغة العربية “مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط” ومن أهم مؤلفاته :ــ “الفكر العربي في بواكيره وآفاقه الأولى”و “مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر” فى 6أجزاء و من التراث إلى الثورة – حول نظرية مقترحة في التراث العربي” 1976″ و”مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بداياته حتى المرحلة المعاصرة” 12 جزءا 1982 و”الفكر العربي في بواكيره وآفاقه الأولى، مشروع رؤية جديدة للفكر” 1982 و “من يهوه إلى الله” مشروع رؤية جديدة للفكر العربي” 1985 و”دراسات في الفكر الفلسفي في الشرق القديم” 1988و”فصول في الفكر السياسي العربي” 1989و “من الاستشراق الغربي إلى الاستغراب المغربي – بحث في القراءة الجابرية للفكر العربي وفي آفاقها التاريخية” 1996و”من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني” 2001 و”من اللاهوت إلى الفلسـفة العربية الوسيطة” 2005.
وقد اعتمد العالم المفكر طيب تيزيني فى منهجه الفلسفى على القراءة النقدية المنهجية والموضوعية للفكر العربى بإمتداده التاريخى العميق من قبل ظهور الإسلام من أجل تحقيق رؤية جديدة للفكر العربى تعتمد على تناوله النقدى الموضوعى له من أجل النهوض بالمجتمع العربى ومواجهة تحديات هذا النهوض سواء كانت هذه التحديات ناتجة عن تاثير الغرب وحضارته وأدواتها من أجل السيطرة على الواقع العربى والفكر العربى أو من خلال بنى الفساد فى المجتمع المدنى .
ومن منطلق إمتلاك الفيلسوف المفكر السورى طيب تيزيني العقل النقدى واعتمادا على المادية الجدلية والتى يعتمدها الفكر الماركسي تحرر فكره واتسع نطاق تناوله لمجريات الواقع العربى بإمتداداته التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وقدم للفكر “مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ” كأول قراءة للفكر العربي باعتباره جزءا من التاريخ الإنساني باعتماد منهج قائم على تاريخيته وعلاقاته المادية ومقدما من خلاله ـــ كما يقدم ـــ الفكر البنيوي غير التاريخي الذي يصدر أحكاما غير تاريخية على العقل العربي ويؤدى إلى التخلي عن فكر النهضة ، ومتناولا من خلاله قضية فساد الواقع المجتمعي سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي والتحديات الحضارية التي تفرضها الحضارة الغربية على الواقع العربى .
على المستوى المنهجى النقدى تمييز فكره الفلسفي إلى عدم التقييد بمحدودية التناول إلى إتساع رؤياه المنهجية إلى كيفية معالجة النص القرآني وشروط فهمه الموضوعية إنطلاقا من إعتماده على منهج الجدلية التاريخية، وإلى تصوراته عن الشروط المجتمعية لتحقيق النهضة العربية ، وإلى تصوراته عن العلاقة بين المجتمعات العربية والإمبريالية العالمية.
ودعا الفيلسوف المفكر السورى طيب تيزيني إلى ضرورة الإعتماد من أجل إحداث نهضة مجتمعية عربية على حرية الحوار العلمي الديمقراطي وضرورة الدفاع عن هذه الحرية قولا وفعلا، والتأكيد على أن الوضعية الفكرية العربية ستظل تحتمل حدا من منهجية “الخطأ والصواب” ومن هذا المنطق كانت إيماناته بأن المنهجية الجدلية المادية التاريخية، بعناصرها البنيوية والوظيفية، تمتلك الاحتمالات الأكثر رحابة باتجاه اكتشاف الحقيقة في وحدتها الجدلية.
وردا على العديد من الاتهامات له بانه ضد الدين أكد الفيلسوف المفكر السورى طيب تيزيني: بأنه لا يستبعد الدين وإنما يقرر “التمايز النسقي” بين الفلسفة والدين وبأهمية احترام كل مجال منهما للآخر، مؤكدا إيمانه بأمران يتمثل أولهما في ضرورة الإقرار بالتمايز النسقي والتمايز المنهجي بين الفلسفة والدين، وبأن لكل منهما طريقا ينبغي احترامه من كليهما معا ، في حين يفصح الثاني عن نفسه بصيغة محددة تقوم على ألا يتدخل الواحد منهما في آليات الآخر ومساره، والنتائج التي تنجم عن نشاطه البحثي أو التأملي.
ومؤكدا: أن الاحترام المتبادل والندية التنافسية والتسامح العميق في العلاقة بين الطرفين المذكورين وكذلك بينهما وبين كل الأنساق النظرية والثقافية والإيديولوجية العامة ضمن الواقع العربي المعاصر، باحتمالاته وميوله النهضوية التقدمية، إن ذلك مجتمعا هو الطريق إلى إثمارها وإخصابها.
ومن منطلق ما يطرحه المفكر الرائد عن إعجاز التاريخ العربى ودوره فى النهضة العربية فإنه يؤكد على ضرورة: أن نستدعي حالتين من التاريخ العربي الوسيط والحديث بمثابتهما مثالين على ذلك الإعجاز التاريخي: الأولى: تظهر في الرسالة التي بعث بها هولاكو إلى سلطان مصر والشام المظفر قطز الذي تمكن من هزيمة هولاكو، والثانية: في الزمن السوري القريب ويتجسد في شخص يوسف العظمة وزير الدفاع السوري عام 1920 حين دافع عن دمشق حتى الموت. وأكد الهيكلية الإجرائية للمشروع العربي تتمثل فيما يلي:
أولا: المشروع العربي وأسئلة الفعل النهضوي إنه جدلية التحرير والتغيير ، مشروع النضال في سبيل إنتاج إجماع في وسط الشعوب العربية والأمة العربية على التحدي والمواجهة والنهوض عبر آليات سياسية وثقافية واقتصادية وتكنولوجية وعلمية وفي حالات معينة عسكرية، وأن حامل المشروع هو الأمة من أقصى يمينها الوطني والقومي الديمقراطي إلى أقصى يسارها الوطني والقومي والديمقراطي .. ليس هناك من هو متميز عن الآخر إلا بقدر ما يسهم في التأسيس للمشروع العربي.
ثانيا: المشروع العربي في المداخل المنطلقة منه والمفضية إليه تتمثل مداخل هذا المشروع التطبيقية: إذا اتبعنا منظومة منهجية عامة في تناول المداخل المعنية على النحو التالي: الملف السياسي والملف العسكري والملف الاقتصادي والملف العلمي والتكنولوجي والملف الإعلامي والملف الثقافي والملف المعرفي الإبيستيمولوجي . وفي هذا التنسيق للملفات المذكورة نتبين قصدا رئيسا يبرز بمثابة الناظم الذي ينتظمها ويمنحها –مجتمعة– دلالة على الإجابة عن السؤال التالي:ــ لماذا هذا الترتيب الذي وضعناه لها؟ ولعلنا نلاحظ أن ذلك يمس فكرة الأولوية التي تحدد من أين البدء فيها.. بيد أن فكرة الأولوية هذه تكتس هنا طابعا جدليا يجعل منها حالة نسبية أولا، ومتحركة ثانيا.. وفق السياقات والأحوال والتحولات التي تطرأ على الواقع العربي المعني، فهي نسبية ومتحركة مفتوحة يصوب بعضها بعضا في إطار من الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي الديمقراطي العقلاني.
وفي هذا وذاك تكون الزوايا “المنسية” في حياة المجتمع العربي قد انتزعت من “إصماتها” لتمنح إجابات تصب في مجرى التيار النهضوي التنويري العربى ومنها – على سبيل المثال – زوايا الأقليات الإثنية، والمرأة، والطفل، والبيئة، والثقافية الريفية، والعلم.
ويمثل الفيلسوف المفكر السورى طيب تيزيني نموذجا قويا للمناضلين السوريين الذين تمسكوا بالوطن وعدم مغادرته رغم قهر النظام السورى فقد كان من المثقفين والحقوقيين الذين اعتصموا فى 16 مارس 2011 مع عشرات من الأهالى للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي وتم اعتقاله مع آخرين، ووقف فى 11 يوليو 2011 بشجاعة مطالبا امام نائب رئيس النظام السورى بـ”تفكيك الدولة الأمنية” وقائلا “هذا شرط لا بديل عنه اذا ما بدأنا بمعالجة المسائل، الدولة الأمنية تريد أن تفسد كل شئ.
وأكد أن غياب الحرية والكرامة والعدالة والمحبة والمساواة كان بمثابة الولادة الحقيقية لهذا الداعش وأنها ظاهرة عالمية بقدر الإفقار والإذلال واللاكرامة التي يعيشونها في بلدانهم، هؤلاء قتلة لكنهم أيضًا ضحايا، قد يكون بعضهم الآخر مجرمين، فهم لا يملكون شيئًا، القاتل الذي أنتج داعشًا هو الغرب، وتبعه الشرق الأعلى ، داعش نتيجة الغرب الاستعماري المتجبر والشرق الذي أصبح مقلدًا للغرب يحاول أن يفعل ما يفعله، لقد نشأ داعش عالميًّا لكن في النية الخفية غير المرئية، لذلك التخلص من داعش يعني أن تبني عالـمًا جديدًا.
موضوعات تهمك:
بؤس التراثيين العرب أحمد برقاوي موقفه من طيب تيزيني وغيره من المتفلسفين
عذراً التعليقات مغلقة