تجاهل العالم أفكار روسيا والصين حتى أصبحتا تهددان الاستقرار العالمي.
يغازل المنظرون القوميون الهندوس في نيودلهي تاريخًا تنقيحيًا خطيرًا لجنوب آسيا.
من الخطورة تجاهل روايات الحزب الحاكم في الهند وأفكاره عن استعادة عظمة الهند الهندوسية والأراضي التي خسرتها تاريخيا.
يقول القوميون إن «الهند غير المنقسمة» ستتحقق بعد أن تصبح الهند دولة هندوسية، وهذا لا يبشر بما هو خير للديمقراطية الهندية.
يمتد الكيان الهندوسي المقترح من أفغانستان إلى ميانمار شرق الهند بالإضافة إلى باكستان وبنجلاديش والتبت ونيبال وبوتان وسريلانكا وجزر المالديف.
* * *
بقلم: د. سوشانت سينغ
لطالما اعتمد القادة على التاريخ المزور لتبرير غزواتهم؛ فالرئيس الروسي ينفى وجود دولة أوكرانية مستقلة في محاولة للسيطرة عليها واستعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي، والرئيس الصيني يحاول استعادة أراض يرى أن الصين خسرتها في قرن الإذلال الذي فرض عليها.
يتبنى آخرون حول العالم أحلاما مشابهة. لعقود من الزمان، طرحت منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ الهندية (RSS) ــ المنظمة القومية الهندوسية التى لها صلات وثيقة بحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم (BJP) ــ فكرة «الهند غير المنقسمة»؛ يمتد الكيان المقترح من أفغانستان على الجانب الغربى للهند إلى ميانمار شرق الهند بالإضافة إلى كل من باكستان وبنجلاديش والتبت ونيبال وبوتان وسريلانكا وجزر المالديف.
تحدث رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى بنفسه عن الفكرة فى مقابلة معه عام 2012، عندما كان لا يزال رئيس وزراء ولاية غوجارات، قال إن «الهند غير المنقسمة» تشير إلى الوحدة الثقافية.
قال زعيم منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، موهان بهاجوات، أمام تجمع عام الشهر الماضي إن «الهند غير المنقسمة» ستتحقق فى غضون 10 إلى 15 عاما، مما يضع أول جدول زمني لأحلام القومية الهندوسية. يعد بهاجوات شخصية قوية جدا في الهند اليوم بسبب علاقته الشخصية مع مودي.
حزب بهاراتيا جاناتا من المؤسسات التي تخضع للسيطرة المباشرة لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، التى تتمتع الآن بأكبر قدر من السلطة منذ تأسيسها في عام 1925. كان مودي ناشطا في المنظمة قبل أن يكلف برئاسة حزب بهاراتيا جاناتا.
إن فكرة «الهند غير المنقسمة» هى أحد المبادئ الأساسية لأيديولوجية هندوتفا، وهو النهج الذى سارت عليه القومية الهندوسية لعقد من الزمان. تُدرس هذه الأيديولوجية الآن فى المدارس التى تديرها منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ فى جميع أنحاء الهند. يقول القوميون إن «الهند غير المنقسمة» ستتحقق بعد أن تصبح الهند دولة هندوسية، وهذا لا يبشر بما هو خير للديمقراطية الهندية.
بعيدا عن الهند، يمكن أن تكون هذه الأيديولوجية أيضا خطرة على المنطقة، فمن المرجح أن تزيد من عدم الأمن في باكستان المسلحة نوويا وستضعف موقف الهند أمام الصين، منافستها الإقليمية الأقوى.
رغم أن فكرة «الهند غير المنقسمة» قد تبدو بعيدة المنال، إلا أن نفس الشيء قيل عن طموحات بوتين التوسعية. ولذلك يجب أخذ خريطة القوميين الهندوس عن الهند على محمل الجد.
* * *
عكست سياسات حكومة مودى هذه الطموحات الجغرافية؛ والتى تؤكد على أن الهندوتفا تتجاوز الحدود. أقرت الهند فى عام 2019 قانون المواطنة (المعدل) الذى يسهل على الهندوس من أفغانستان وبنجلادش وباكستان الحصول على الجنسية ويستبعد المسلمين.
في العام نفسه، جردت حكومة مودي “جامو وكشمير” ــ الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة ــ من حكمها الذاتي، وأخضعتها للحكم الفيدرالي المباشر.
تشكل فكرة «الهند غير المنقمسة» أيضا علاقة الحكومة الهندية بجيرانها. يشير مودى إلى الهند باعتبارها «معلم العالم»، ويزعم اليمين أن مودي هو وحده القادر على استعادة عظمة الهند الهندوسية. لقد قام مودي بزيارات رفيعة المستوى إلى المعابد فى بنجلاديش ونيبال وأماكن أخرى ليؤكد فكرة أن تلك الدول تقع تحت مظلة الهندوتفا. فرضت الحكومة الهندية حظرا على الإمدادات إلى نيبال فى عام 2015، لتجبرها على تعديل دستورها العلماني لصالح «الأمة الهندية».
أثارت الهند في عهد مودي اعتراضات دبلوماسية حول سوء معاملة الهندوس في الدول المجاورة؛ وتعهدت بتسريع منح تأشيرات الدخول للهندوس والسيخ من أفغانستان بعد تولى طالبان زمام الأمور العام الماضي.
يعتقد معظم المؤرخين أن الهند الحالية لم تشمل بوتان أو ميانمار أو نيبال أو التبت أو سريلانكا، حتى في العصور القديمة. والمناطق التي كانت تنتمى إلى الهند ــ أفغانستان، وبنجلاديش، وباكستان ــ لم تخضع أبدا لحاكم الهند، إلا عندما كانت تحت الحكم الاستعماري البريطاني.
علاوة على ذلك، فإن ماضي الهند لم يشمل صراعات دائمة على أسس دينية. في الماضي، استخدم القادة الهندوس جنرالات مسلمين لمحاربة الحكام المسلمين والعكس صحيح.
يقول القوميون إن الهند دولة هندوسية عانت لمدة 1200 عام من الحكم الإسلامي، كما فعل مودي بعد انتخابه عام 2014، وأن الهند دولة هندوسية يجب أن تعود لأمجادها السابقة. وفى الحقيقة، كانت فكرة انتهاء الحكم الهندوسي المجيد بغزو المسلمين رواية استعمارية بريطانية سعت إلى تقسيم المنطقة وحكمها، وهى رواية تبنتها منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ.
لقد نشر القوميون الهندوس هذه الروايات التاريخية المشوهة لدعم سياساتهم العنصرية وحتى العنف ضد أكثر من 200 مليون مسلم فى الهند. وصل الاضطهاد الدينى إلى مستويات خطرة. استهدفت الحملات القومية الهندوسية صلاة الجمعة للمسلمين، وخلط حزب بهاراتيا جاناتا بين المسلمين والمجرمين، كما مُنعت الطالبات من حضور الدروس لارتدائهم الحجاب. هدمت السلطات المنازل والمتاجر والمنشآت الدينية فى أعقاب أعمال العنف الطائفية التى استهدفت الأحياء الإسلامية.
أعرب بهاجوات عن ارتياحه لهذه الأحداث الأخيرة بشكل غير صريح، فبعد أن أعلن الهند أمة قال واصفا المسار الذى تسير فيه الهند: «أولئك الذين يريدون إيقاف المسار إما سيتم إزالتهم أو القضاء عليهم، لكن الهند لن تتوقف. السيارة الآن تتحرك مسرعة بدون فرامل. لا ينبغى لأحد أن يقف أمامها». وفى خطاب آخر، قال بهاجوات إنه إذا أراد الهندوس أن يبقوا هندوسا، فيجب أن تكون الهند «غير مقسمة».
وبالمثل، فإن خطاب بهاجوات الأخير حول تحقيق «الهند غير المنقسمة» مثير للقلق. قال «سنتحدث عن اللا عنف، لكننا سنمشى بعصا، والعصا ستكون غليظة». الدول الصغيرة فى جنوب آسيا قلقة بالفعل من هيمنة الهند. أدت تصريحات بهاجوات إلى زيادة عدم الأمان فى المنطقة، وهو ما سيؤدى إلى إثارة الغضب والكراهية ضد الهند. قد تكون الأحداث الأخيرة فى بنغلاديش نذيرا لما سيحدث: فى العام الماضى، زار مودى دكا، عاصمة بنجلاديش، خلال الذكرى الخمسين لاستقلالها وقوبل بالعنف والاحتجاجات ضد سياساته المعادية للمسلمين، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصا.
* * *
على أية حال، فكرة أن تصبح باكستان المسلحة نوويا جزءا من الهند الموحدة فكرة سخيفة. وكذلك الحال مع التبت التي قام فيها الجنود الصينيون بمنع الدوريات الهندية من الوصول إلى الأراضي المتنازع عليها في لاداخ لمدة عامين تقريبا.
فبالطبع فكرة أن تصبح التبت جزءا من الأمة الهندية تستفز بكين. ويُرجّح أن تضعف فكرة الأمة الهندية موقف الهند في دول الجوار، حيث نجحت الصين فى تحدى نفوذ الهند فى دول مثل بنجلاديش ونيبال وسريلانكا.
لن يجرؤ أي زعيم سياسي على محاولة تنفيذ فكرة الأمة الهندوسية، لكن أولئك الذين أعماهم الحنين المصطنع والحماسة الدينية قد يلجؤون إلى أي طريقة لتطبيق ما يرونه صحيحا.
إذا لم تكن منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ تتحكم فى مقاليد السلطة فى الهند، لكان من الممكن اعتبار هذه الأفكار أوهاما. ستعانى الهند تحت مودي من التعصب والعنف، وستتبدد قيمها الديمقراطية فى سعيها إلى تحقيق «الهند غير المنقسمة». يجب على العالم أن يدرك خطورة هذه الفكرة على الهند والعالم.
* د. سوشانت سينغ: زميل أقدم بمركز أبحاث السياسات في الهند.
المصدر: فورين بوليسي
موضوعات تهمك: