الصراع الدولى الإلكترونى يسقط الأنظمة ويخترق المؤسسات
فى إطار تصاعد فاعليات الصراع الدولى واتساع العلاقات الدولية وتعقدها أصبحت إدارة الشبكة العنكبوتية وبنيتها التحتية ضرورة من ضرورات إدارة هذه العلاقات الدولية وإدارة الصراع الدولى ولتصبح أداة من أدوات الصراع وأدوات إدارة الصراع، وبما يفرض آليات جديدة لهما تستلزم الحفاظ على أمن المعلومات ومخاطر تبادلها واستخدامها فى الدعاية وفى المواجهة الدعائية المضادة، ومما أوجد حقيقة جديدة فى الصراع الدولى وفى العلاقات الدولية وتتمثل فى “أن الأمن العالمى والأمن الدولى لم يعد يعتمد فقط على الجغرافيا وأنما يعتمد على التكنولوجيا، ومن منطلق أن الأمن فى العالم الرقمى يعتمد على التكنولوجيا وليس على الجغرافيا”، وبحيث أصبح الفضاء السيبرانى منافسا حقيقيا للنطاق الدولى التقليدى المعتمد على الجغرافيا والفضاء الخارجى، ومجالا عمليا للصراع الدولى، وإلى درجة أن العديد من الدول تقوم بعمليات تنصّت على الكابلات الموجودة تحت الماء والتي تحمل اتصالات العالم. وما تعلنه بعض الدول الأوروبية، ومن بينها ألمانيا، بأن بيانات المواطنين لن تكون آمنة إلا إذا تم تخزينها على الأراضي الأوروبية ، أي بعيدا عن أيدي الجواسيس الأميركيين.
وبما يدفع الدول خوفا من فقدان سيطرتها الداخلية على محتوياتها إلى اتخاذ أجراءات لتأمين وتوطين بياناتها وإقامة حواجز على التدفق الحر للبيانات باسم الدفاع عن أمن الوطن وخصوصية المواطنين فى إطار صراعها الدولى .
وكما أكد العالم الدكتور عادل عبد الصادق فى دراسته المرجعية “الصراع الإليكترونى وتحولات الأمن العالمى”: أن الفضاء الالكتروني برز كمجال جديد في العلاقات الدولية ، وعلى قدر ما كان له دوره الايجابي في احداث التحولات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية الا انه تحول الى مصدر تهديد وساحة جديدة للصراع ليس فقط بين الدول بل بين الافراد والجماعات وهو ما كان لة اثره البالغ سواء على النطاق الداخلي للدول او على المستوى العالمي وهو ما يثير التساؤلات حول مدى علاقة الفضاء الالكتروني باحداث تغييرات في البيئة الأمنية ؟ وكيف اثر على مفهوم ومدلولات الصراع ؟ وكيف اثر في بروز ادوات جديدة من الاسلحة الالكترونية ؟ وكيف اثر ذلك على حركة ودور الفاعلين من غير الدول؟ وما هي طبيعه التحديات التي يفرضها على المجتمع الدولي ؟ (1)
ويوصف الحالة العالمية فى تفاعلها مع الفضاء السيبرانى، أستاذ مادة التكنولوجيا في جامعة القاهرة، الدكتور محمد زين، بأنَّ “العديد من وسائل السيطرة والتحكُّم الخاصة بمُعظم العمليَّات الحيويَّة الموجودة على الأرض انتقلت إلى الفضاء في صورة أقمار صناعيَّة ومحطات فضائيَّة ، كما انتقل أيضًا قطاع واسع من الحروب والمعارك والحوارات والثورات إلى العالم الافتراضي الذي صنعه الإنسان منذ اختراعه الكمبيوتر والذاكرات الإلكترونيَّة وشبكات المعلومات، فأنشأ داخله جغرافية افتراضيَّة جديدة” (2)، وبعد أن كان التعامل الدولي خلال المُنازعات المُسلَّحة يتمُّ على الأرض أو البحر أو الجو أو الفضاء الخارجي، أَصبَح، بفعل هذه التقنيَّة، يتُمُّ بطريقة إلكترونيَّة ضمن نظام معلوماتي يَختلف كليًا عن الحرب البريَّة والبحريَّة والجويَّة ، إنْ لجهة اختراق منظومة العدو الإلكترونيَّة أو لجهة جمع المعلومات الإلكترونيَّة الحسَّاسة أو نقلها أو تبادُلها ومع تزايد الاعتماد على الوسائل التقنيَّة الحديثة في إدارة الأعمال المُختلفة، بَرَزَت تحدِّيات قانونيَّة وطرحت تساؤلات حول اعتبار التواصل الإلكتروني الافتراضى Virtual communication أو الفضاء الإلكترونى أو فضاء السايبر أو الفضاء السيبرانى والذى يتم اليوم بواسطة الإنترنت موازيًا للمرافِق العامَّة الدوليَّة التقليديَّة (3).
وتساهم طبيعة البرمجيات المعلوماتية الخبيثة فى هذه التحديات حيث أنه من الصعب أن يكون لها مظهر خارجى يدلُّ على صفاتها وجنسيَّتها ممَّا يُعقِّد عمليّة الإثبات (خصوصًا تلك التي تكون الدولة قد اشترتها من الأفراد أو شركات تكنولوجيا المعلومات المُنتِجة لهذه البرامج) ومما يؤدى أن أضرار استخدام الفضاء السيبراني قد تَحدث من دون أنْ يكون بالإمكان نسبة أي خطأ إلى الدولة من الفضاء السيبراني، وفى إطار عدم وجود اتفاقيات دولية حول تجارة البرامج المعلوماتية الضارة ومما يزيد من عمليات وفاعليات الصراع الدولى (4)
وكما أكد الباحث خالد وليد محمود فى دراسته “الهجمات عبر الإنترنت ساحة الصراع الإلكتروني الجديدة” أن المجال الافتراضيُّ أصبح بمنزلة ساحة قتالٍ جديدةٍ تشكِّل تهديدًا يضاف إلى قائمة التَّهديدات التَّقليديَّة التي تواجه العالم، وتتجاوز في أبعادها وآثارها الحدود الجغرافيَّة والسِّياسيَّة، وتلقي بتداعياتها على مستقبل الأمن القوميِّ والحيويِّ للدُّول. وأصبحت عمليَّات الاختراق التي يقوم بها “الهاكر” قادرةً على إغراق أجهزة خوادم الحواسيب برسائل من أنظمةٍ متعدِّدةٍ تشلُّ سير عملها وتوقف نظم الإنتاج. وثمَّة العديد من جيوش العالم المتقدِّمة التي شرعت بزيادة نشاطها وتكثيف جهودها في هذا المجال الذي يشكِّل مصدر قوَّةٍ لها، ويكشف عن مواطن ضعفها في الوقت ذاته. وعلى سبيل المثال، فإنَّ البنى الَّتحتيَّة الحيويَّة لعمل الدَّولة) كالكهرباء والمياه والمواصلات وشبكات القيادة والسَّيطرة والتحكُّم العسكريَّة ، وكذلك التِّقنيات المتطوِّرة لساحة القتال العصريَّة ( كلَّها باتت تعتمد على المجال الافتراضيِّ. ففي عالم الإنترنت اليوم، تُسقط أنظمة، وتُخترَق مؤسَّسات، ويُخلَع رؤساء! كيف لا وهي حربٌ خارجةٌ عن سيطرة الدُّول وأجهزتها الأمنيَّة ، لا تعترف باتِّفاقيَّاتٍ ولا معاهداتٍ ولا مواثيق، وأبطالها الافتراضيُّون -بالإضافة للدول- هم أفرادٌ وجماعاتٌ أقرب إلى “الخلايا النَّائمة” التي تصحو وقتما تشاء، وتعود لسباتها متى أرادت ذلك! (5).
المراجع:
1 ـ الدكتور عادل عبد الصادق فى دراسته المرجعية ” الصراع الإليكترونى وتحولات الأمن العالمى ” ، قضايل استراتيجية ، المركز العربى لأبحاث الفضاء الإليكترونى ، مايو 2015 .
2 ــ للمزيد :ــ أمير عكاشة حول “الحرب الإلكترونيَّة صراع في العالم الافتراضي ، ميدل إيست أونلاين الإلكتروني .
3 ــ د. طارق المجذوب ، السَّايْبِر ساحة “خَفِيَّة” لحربٍ “ناعِمَة” قادِمة!، يوليو 2014 ، موقع الدفاع الوطنى اللبنانى .
4 ــ المرجع السابق .
5 ــ خالد وليد محمود فى دراسته “الهجمات عبر الإنترنت ساحة الصراع الإلكتروني الجديدة “، سياسات عربية .. دورية محكمة تعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية ، نوفمبر 2013 .
موضوعات تهمك:
المراقبة والتجسس فى الإنترنت شاملة بلا إستثناء
ماذا بعد سماح أمريكا للسعودية بتطوير القنابل عالية التقنية؟!
عذراً التعليقات مغلقة