تحالف اليسار استطاع هذه المرة أن يحظى بثقة معتبرة مقارنة بالأعوام السابقة وهذا إيجابي كونه يخصم من فرص التطرف العنصري.
الائتلافات التشريعية هي الضمان لتفكيك قوة تيار التطرف العنصري، ذلك لأنها تسمح بإيجاد حلول تجتذب قطاعات واسعة من الناخبين.
مُنى ائتلاف ماكرون بضربة قاصمة، وصفها وزير ماليته بـ”الصدمة الديمقراطية”، حيث خسر الأغلبية المطلقة التي كان يتمتع بها في المجلس النيابي السابق.
أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية أن الناخبين لا يثقون في أن ماكرون الذي أعادوا انتخابه سيفى بتعهده بأن يحكم في ولايته الثانية من موقع أقرب لمطالبهم.
البديل أن يتشكل لكل مشروع قانون ائتلاف تشريعي يضم أطرافًا من تيارات عدة وهذا يتطلب مفاوضات مُضْنِية للتوصل إلى حلول وسط توفيقية تضمن تمريره.
فرنسا أمة منقسمة وغاضبة معًا دون أن تستقر بعد على التوجه بهذا الغضب يمينًا أم يسارًا، فلا تزال نسبة معتبرة من ذلك الغضب موجهة نحو مزيد من التطرف العنصري.
* * *
بقلم: منار الشوربجي
نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية حملت رسائل متباينة، بعضها سلبى والآخر إيجابى، بينما طرحت أسئلة ستجيب عنها الأشهر القادمة، فقد مُنى ائتلاف الرئيس ماكرون بضربة قاصمة، وصفها وزير ماليته بـ«الصدمة الديمقراطية»، حيث خسر الأغلبية المطلقة التي كان يتمتع بها في المجلس النيابي السابق.
صحيح أن أيًّا من الأحزاب والتحالفات الأخرى لم يحصل على الأغلبية، إلا أن تلك هي المرة الأولى في فرنسا منذ أربعين عامًا، التي يخسر فيها حزب الرئيس أغلبيته، فقد حصل ائتلاف الوسط الذي شكّله ماكرون على 245 مقعدًا من أصل 577.
وجاء تحالف اليسار، بزعامة جون لوك ميلانشون، وهو يضم الاشتراكيين والشيوعيين والخضر، بالمرتبة الثانية، إذ حصل على 142 مقعدًا. أما حزب مارين لوبان العنصري المتطرف، فقد نجح في رفع عدد مقاعده من 8 إلى 89 مقعدًا، لأول مرة في تاريخ فرنسا.
وقد جاء حزب الجمهوريين المحافظ بالمرتبة الرابعة، حيث حصل على 61 مقعدًا. أما اليسار غير المنضم لتحالف ميلانشون، فحصل على 13 مقعدًا.
والحقيقة أن تلك النتيجة حملت سلسلة من الرسائل، أولاها أن الناخبين لا يثقون في أن ماكرون، الذين أعادوا انتخابه في إبريل الماضى، سيفى بتعهده بأن يحكم في ولايته الثانية من موقع أقرب لمطالبهم.
والرسالة الثانية كانت التعبير عن حال أمة منقسمة وغاضبة في آن معًا، دون أن تكون قد استقرت بعد على التوجه بهذا الغضب يمينًا أم يسارًا، فلا تزال نسبة معتبرة من ذلك الغضب موجهة نحو المزيد من التطرف العنصري، الذي تجسده الزيادة المخيفة لعدد مقاعد حزب مارى لوبان.
إلا أن الخبر الإيجابى، في تقديرى، هو أن تحالف اليسار استطاع هذه المرة أن يحظى بثقة معتبرة بالمقارنة بالأعوام السابقة. وهى إيجابية كونها تخصم من فرص العنصرية.
ونظرة سريعة على القضايا الانتخابية لذلك التحالف تكشف عن طبيعة المطالب التي بإمكانها أن تدير الدفة، في فرنسا وغيرها من دول الغرب، بعيدًا عن التطرف العنصري.
فقد أدار تحالف اليسار حملة تعهدت بتجميد أسعار المواد والسلع الرئيسية وتخفيض سن المعاش وتوفير حزمة من البرامج الاجتماعية التي تساعد الأقل حظًّا، فضلا عن برامج محددة لحماية البيئة. وتلك كلها، بالمناسبة، تختلف عن أجندة ماكرون التي تمثل يمين الوسط النيوليبرالي.
وفى مثل تلك الحالات التي لا يكون فيها حزب واحد مهيمنًا على الأغلبية بالمجلس التشريعي، يكون البديل أن يتشكل لكل مشروع قانون جديد ائتلاف تشريعي يضم أطرافًا من تيارات عدة، وهو الأمر الذي يتطلب مفاوضات مُضْنِية للتوصل إلى حلول وسط توفيقية تضمن تمريره.
ومثل تلك الائتلافات التشريعية هي في تقديري الضمان لتفكيك قوة تيار التطرف العنصري، ذلك لأنها تسمح بإيجاد حلول تجتذب قطاعات واسعة من الناخبين.
غير أنه ليس من الواضح الوجهة التي ستتخذها فرنسا، فرغم أن ماكرون شخصيًّا قال إن الوضع الجديد يتطلب «عقد صفقات» لتجنب الجمود السياسى، فإن تصريحات بعض مستشاريه تشير لرغبة في الالتفاف حول تحالف اليسار لا العمل معه.
فالمتحدثة باسم الحكومة قالت إن «يدنا ممدودة للمعتدلين على اليمين واليسار». وقد فسر المراقبون المقصود «بالاعتدال» في تصريحها بأنه حزب المحافظين واليسار ممن هم خارج تحالف ميلانشون.
أكثر من ذلك، خرجت تسريبات تقول إن مستشارى ماكرون يدرسون بديلا آخر تمامًا، وهو حل البرلمان بعد عام واحد والدعوة إلى انتخابات جديدة أملا في استعادة الأغلبية، وهى في تقديري مخاطرة غير محسوبة بالنظر إلى تزايد مقاعد حزب مارين لوبان.
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر: المصري اليوم – القاهرة
موضوعات تهمك:
الانتخابات البرلمانية تقيد مساعي ماكرون لتموقع جيوسياسي جديد