بقلم: فايز سارة
لم تتغير سياسة السلطات السورية باعتمادها الخطة الأمنية العسكرية في معالجة الأزمة في سوريا، رغم موافقة السلطات على خطة الموفد الدولي كوفي أنان لمعالجة الأزمة في سوريا بالطرق السياسية طبقا لبنود الخطة وهدفها الرئيس في وقف العنف والمضي نحو معالجة سياسية. وفي سياق الخطة الأمنية العسكرية، يتواصل حصار المناطق السكنية وقصفها، وإلحاق الدمار بممتلكات وموارد عيش السكان، قبل اقتحامها اللاحق، حيث يقتل أشخاص، ويجرح غيرهم، ويتم اعتقال البعض، ليودعوا معتقلات وسجونا، تمارس فيها صنوف من التعذيب والإذلال، يصل بسببها بعض المعتقلين حد الموت، وبعضهم يموت فعلا.
وسط تلك السياسة، التي تطبقها السلطات، تحت دعوى مواجهة الأعمال المسلحة والتدخلات الأجنبية، تقوم السلطات السورية باعتقال نشطاء وشخصيات عامة، معروفة بمواقفها السلمية وبجهودها لمحاصرة العنف ووقفه، والسعي إلى توفير أسس معالجة سياسية للأزمة، يكون من نتائجها حصار التداعيات الخطرة للوضع السوري، والتخفيف من الخسائر التي تصيب السوريين وبلدهم، وبين تلك الشخصيات ثلاثة: أولهم صحافي والثاني كاتب والثالث داعية إسلامي.
أول الأشخاص، مازن درويش الصحافي، وقد عمل سنوات في ميدان حقوق الإنسان، قبل أن يقرر إعطاء وقته وجهده لخدمة مجتمعه وبلده في مجال آخر عبر تطوير واقع الإعلام السوري، وكان مدخله في ذلك تأسيس وإدارة المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ليعمل من خلاله على الاهتمام بالإعلاميين الأفراد، والاهتمام بالمؤسسات الإعلامية، وكلاهما كان ولا يزال بحاجة إلى تطوير يتوافق وملامح العصر وحرية الإعلام خروجا من عصر الإعلام التعبوي وصحافة المنشور التبريري والتحريضي، وهي مهمة جعلته يقيم شراكة مع أفراد ومؤسسات إعلامية حكومية وخاصة، تضمنت إقامة تدريب فني ومهني، وبلورة وتنفيذ مشاريع تطوير الإعلام السوري وبيئته العامة.
مازن درويش في نشاطه وجهده استحق احترام منظمات إعلامية عالمية، مما جعله شخصية إعلامية رفيعة بين السوريين. إذ هو عضو المكتب الدولي لمنظمة «مراسلين بلا حدود»، كما شغل منصب نائب رئيس المعهد الدولي للتعاون والمساندة في بروكسل، وبفضل جهوده حصل المركز السوري على صفة العضو الاستشاري في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة العام الماضي، وهي مكانة ظهر أن هناك من يعارضها.
والشخص الثاني في الأمثلة هو سلامة كيلة، المثقف والكاتب الفلسطيني المولد والسوري الإقامة، والقومي الحياة، واليساري النزعة، وقد قضى القسم الأكبر من حياته في خلق شخصية ثقافية وفكرية نقدية الطابع، شخصية تغوص في أعماق مجتمعها من أجل معرفة مشاكله ومعالجتها عبر الوصول إلى الحلول الأفضل والأقل تكلفة لهذه المشاكل.
ولم يكن طريق سلامة في هذا الاتجاه سهلا؛ إذ كان عليه أن يخرج من قطريته إلى فضاء عربي أرحب، وأن يزاوج بين قوميته في انفتاحها ويساريته التي تسبح في مجال آخر، مقتربا بصورة عملية أكثر إلى القطاعات الشعبية والأفقر من الباحثين عن فرص الحياة، وقدرة التقدم فيها على ما في هذا الترابط من إشكالات ومشاكل، وكان الثمن الأول لهذه التركيبة المعقدة من الخيارات، انخراطه في جهد ثقافي سياسي، أدى إلى ذهابه للاعتقال السياسي، حيث قضى 8 سنوات من الاعتقال ثمنا لفهم مهمته ودوره في الحياة، ومحاولته القيام بعبء المثقف إزاء بلده ومواطنيه، وهي النتيجة التي انتهت إليها جهوده الأخيرة في محاولة فهم الأوضاع السورية الراهنة، وسعيه إلى تقديم رؤية لمعالجة الأزمة المتواصلة في سوريا منذ 14 شهرا.
والشخص الثالث في موضوعنا أحمد معاذ الخطيب الداعية الإسلامي المتنور والمعتدل الذي يمثل في مواقفه وحياته أحد الوجوه السمحة للإسلام وللمسلمين في مواجهة التشدد والتطرف الذي ينبذه الإسلام، ليس فقط في علاقاته الداخلية، وإنما في علاقاته بمحيطه سواء في حلقاته القريبة، أو في الحلقات الأبعد، وهو في كل ذلك يستمد من النصوص الدينية والوقائع التاريخية أسانيده، التي تحمل وتؤكد معاني التوافق والعيش المشترك، والقدرة الهائلة على معالجة المشاكل القائمة والمحتملة.
ولأن للرجل مثل هذه الروح، التي تتناقض مع السائد في تطرفه تشددا أو تفريطا، فقد تمت محاصرته والتضييق عليه في القول والفعل والحركة، وإن كان ذلك لم يمنعه في السعي إلى معالجات تستند إلى العقل والمنطق وقيامه بالدفع نحو مبادرات تتجه إلى حلول ومعالجات من شأنها الوصول إلى نتيجة غالبا ما تكون في نقطة الوسط شكلا، لكنها ستؤدي لاحقا إلى نقطة الحقيقة بأقل قدر من التكاليف، وأقصى قدر من الفائدة.
ثلاثة من شخصيات عامة، عرفت باهتمامها واندماجها في الشأن العام السوري، وسعيها إلى تطويره بمنطق العصر والعقل بطريقة سلمية وهادئة تنحاز إلى الأكثرية وإلى المستقبل، وكله لم يمنع من اعتقالهم على نحو ما أصاب أمثالهم مرات، والأخطر في اعتقال هؤلاء، هو تردي أوضاعهم في الاعتقال، وخاصة وضع مازن درويش الذي قيل إن حالته الصحية تدهورت بصورة كبيرة، مما يجعل حياته مهددة بالخطر.