كيف يمكن للشرق الذي تستورد أممه منا كل شيء: التكنولوجيا والعلوم، والأفكار والفلسفات والنظريات على أنواعها، أن يكون معلّم الغرب؟
الغرب في لحظتنا التاريخية الراهنة، متفوّق على الشرق في الكثير من الأوجه، دون إغفال حقيقة أن الشرق ليس واحداً، بحيث نضعه كله في سلة واحدة.
يتم إغفال التأثير الحضاري العميق للشرق في الغرب، علماً وفكراً وفلسفة.. صفحة يجري تغييبها بوعي لتكريس صورة الغرب المتقدّم والشرق المتخلف.
بعض فلاسفة الغرب أنكروا تأثير الحضارة العربية الإسلامية في حضارتهم وقالوا ما وصلنا من العرب فلسفة الإغريق مترجمة للعربية، في نكران فاضح للجميل.
* * *
قد لا يبدو قولنا في العنوان مستساغاً لدى الكثيرين المأخوذين بالمركزية الغربية، والذين يرون الشرق بقضّه وقضيضه، تابعاً للغرب المتقدم والمتحضر، وكأننا بهم يقولون: كيف يمكن للشرق الذي تستورد بلدانه وأممه من الغرب كل شيء: التكنولوجيا، والعلوم، وحتى الأفكار والفلسفات والنظريات على أنواعها، أن يكون هو معلّم الغرب؟
وفي ما يذهب إليه هؤلاء جوانب من الوجاهة، فالغرب في لحظتنا التاريخية الراهنة، متفوّق على الشرق في الكثير من الأوجه، دون إغفال حقيقة أن الشرق ليس واحداً، بحيث نضعه كله في سلة واحدة.
ففي الشرق أمم تخلّفت وتراجعت وانزوت إلى الهامش، يعزّ علينا القول إننا نحن العرب، قد نكون إحداها، لكنّ هناك أمماً شرقية نهضت وتنهض وباتت تنافس الغرب.
وحسبنا الإشارة إلى المثال الياباني الذي قيل عنه الكثير، حتى وصف بـ«المعجزة»، قبل أن تتوجّه الأنظار نحو معجزة أخرى، يمثلها النموذج الصيني. ولا يقتصر الأمر على اليابان والصين وحدهما، ففي الشرق، اليوم، أمم أخرى صاعدة سواهما.
ما نريد تناوله هنا، هو إغفال التأثير الحضاري العميق للشرق في الغرب، علماً وفكراً وفلسفة. هذه الصفحة يجري تغييبها بوعي لتكريس صورة الغرب المتقدّم والشرق المتخلف.
وفي هذا الفخّ وقع مثقفون ومفكرون من الشرق، بما فيه الكثير من مثقّفينا العرب، والدليل هو ندرة الدارسين العرب لتاريخ الفكر والفلسفة في الشرق، مقارنة بالولع بكل ما هو آتٍ من أفكار ومدارس من الغرب الذي لا نبخسه حقه، ولكن نأخذ عليه تعاليه.
بل إن بعض فلاسفة الغرب أنكروا تأثير الحضارة العربية الإسلامية في حضارتهم، وقال قائلهم إن ما وصلنا من العرب لم يكن سوى الفلسفة الإغريقية مترجمة إلى العربية، في نكران فاضح للجميل.
والإنصاف يقتضي القول إن في الغرب مفكرين وأدباء أنصفوا حضارة وأدب الشرق، ولم يجدوا في الإقرار بتأثرهم بهما نقيصة، ويحضرنا هنا اسم صاحب «الديوان الشرقي» الشاعر الألماني غوته، الذي فاخر بتأثره بالحضارتين والثقافتين العربية والفارسية.
وفي الديوان الشرقي للمؤلف الغربي الذي ترجمه إلى العربية الدكتور عبد الرحمن بدوي، نقرأ على لسان غوته، قوله عن تأثره بأشعار شمس الدين حافظ الشيرازي: «أثرت فيّ تأثيراً عميقاً قوياً حملني على أن أنتج وأفيض بما أحس وأشعر، ووجدت نفسي أندفع إلى مشاركته في وجدانه».
*د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين
المصدر: الخليج – أبو ظبي
موضوعات تهمك: