هل سيتزايد انتشار السلاح النووي بإيقاع اسرع ولجهات و فواعل من غير الدول؟!
تؤكد تجربة الهند وباكستان أن العقوبات والتهديد لا تجدي في منع الدول المصممة على التسلح النووي من تحقيق هدفها.
يبدو ان الاتفاق النووي الدولي مع ايران جاء بعد اقتناع الدول الكبرى أن إيران ذاهبة في طريقها النووي.
مشهد آخر لا بد من التنبه له وهو انتشار السلاح النووي في العالم، ولن ينجو الشرق الاوسط من هذا الاتجاه طالما ان احدى دول الاقليم امتلكته.
الانسحاب الأمريكي استهدف استفزاز ايران للانسحاب من الاتفاق بشكل يهيئ المسرح الدولي لعقوبات جماعية واسعة على إيران لكن صانع القرار الإيراني أدرك ذلك فتشبث بالاتفاق.
* * *
بقلم: وليد عبدالهادي
ينفرد الكيان الاستيطاني الصهيوني في فلسطين بامتلاك السلاح النووي دون كافة دول الشرق الاوسط، بل ان أي محاولة لامتلاك هذا السلاح من غير الكيان الصهيوني يواجه بمعارضة من اليسار واليمين الدولي، والتجربة العراقية والليبية والايرانية والتجسس سابقا على الجزائر ومصر تقدم شواهد ميدانية على ذلك.
ومع ان اسرائيل ليست عضوا في وكالة الطاقة الدولية، ولا تسمح بالتفتيش، وكل الشواهد الميدانية والوثائق المختلفة تشير الى أن إسرائيل تمتلك كل المحرمات الدولية من أسلحة دمار شامل (نووي وكيماوي وجرثومي) كما أنها من ضمن آخر نقاط الاستعمار التقليدي والاستيطاني في العالم.
وهي من ضمن اكثر دول العالم ميلا للدبلوماسية السرية والتجسس حتى على اكثر حلفائها موثوقية. ورغم انها تمتلك ما بين 90 الى 400 راس نووي، وان 20 الى 40 عالما نوويا يهوديا روسيا هاجروا لفلسطين بين 1990 الى 2000.
وأنها صاحبة أعلى معدل ادانة في هيئات الامم المتحدة،وانها ضمن اهم مراكز غسيل الأموال عالميا، الا أن العالم استسلم لها واصبحت استراتيجيتها القائمة على “الغموض الاستراتيجي” هي الأوضح بين الاستراتيجيات الدولية، ولم تتعرض لاي نوع من العقوبات بل اصبحت ضمن دول “وضع مصفوفة القيم السياسية للعالم” ولو من وراء حجاب.
ويبدو أن إيران تحذو حذو اسرائيل في موضوع “الغموض الاستراتيجي”، فالعالم يتعامل مع اسرائيل كدولة نووية وهي تنفي انها نووية، وايران تريد ان يتعامل معها العالم كدولة نووية دون ان تعلن هي ذلك، وهنا تكمن الحيرة الاسرائيلية.
ولكن هناك مشهد آخر لا بد من التنبه له، وهو انتشار السلاح النووي في العالم، ولن ينجو الشرق الاوسط من هذا الاتجاه طالما ان احدى دول الاقليم امتلكته.
لقد كانت الولايات المتحدة اول من امتلك السلاح واستخدمته عام 1945، ثم بدأ الانتقال للسلاح على النحو التالي:
الوليات المتحدة 1945
الفترة الفاصلة عن الدولة السابقة :
4 سنوات / الاتحاد السوفييتي (1949)
3 سنوات / بريطانيا (1952)
8 سنوات / فرنسا (1960)
4 سنوات / الصين (1964)
ثم بدأ الانتقال للسلاح النووي الى الدول النامية وبفترة أطول قليلا من معدل انتقالها بين الدول العظمى على النحو التالي) الفترة قياسا للدولة السابقة):
2 سنة / اسرائيل (1966)
8 سنوات / الهند (1974)
5 سنوات / جنوب افريقيا (1979) ( تخلت عنها عام 1990)
19 سنة / باكستان (1998)
8 سنوات / كوريا الشمالية (2006)
ذلك يعني انه خلال الفترة من 1945 الى 2020 تزايد عدد الدول النووية بمعدل تزايد يساوي دولة جديدة كل 6.7 سنة، لكن معدل الانتشار بين دول الصف الثاني هو 8.4 سنوات، أي الانتقال يزداد تعقيدا بمعدل 25.4%، وهو ما يعني ان الوافدين الجدد الى النادي الدولي سينضموا استنادا للمعادلة التالية:
2006 (امتلاك كوريا الشمالية كآخر المتزودين بلسلاح النووي) + 8.4 سنة (معدل الانتقال بين دول الصف الثاني)= ما بين 2014 و2015.
فهل هي مصادفة ان موعد عقد الاتفاق النووي مع ايران و مجموعة (5+1) كان عام 2015؟ لا بد من التأمل في المسالة.
من جانب آخر، كانت تجربة الهند وباكستان تشيران الى ان العقوبات والتهديد لا تجدي في منع الدول المصممة على التسلح النووي من تحقيق هدفها، ويبدو ان الاتفاق النووي الدولي مع ايران جاء بعد اقتناع الدول الكبرى أن إيران ذاهبة في طريقها النووي.
والانسحاب الأمريكي كان يستهدف استفزاز ايران للانسحاب من الاتفاق بشكل يهيئ المسرح الدولي لعقوبات جماعية واسعة على ايران، لكن لاعب الشطرنج الايراني أدرك “الخطوة الأمريكية” فتشبث بالاتفاق حتى هذه اللحظة.
وتحاول الادارة الديمقراطية الجديدة ان تعود دون الظهور بمظهر المذعن، وحتى لو عاد الامريكيون الى الاتفاق فان ذلك مرتبط برفع العقوبات وتسوية المشاكل العالقة بين الطرفين في موضوعات ثنائية وإقليمية بل ودولية، وعليه لا نرى حلا لموضوع العودة للاتفاق الا باعلان مشترك عن “رفع العقوبات عن ايران” بتزامن واحد” مع تخلي طهران عن العودة لتطوير برنامجها والالتزام بالاتفاق”أي ان تعلن البلدان عن عودة امريكية للاتفاق في نفس الوقت الذي تعلن فيه ايران وقف أو “تجميد” تجاوزها الحالي والمحتمل مستقبلا لبنود الاتفاق، والا فإن احتمال امتلاك ايران للسلاح النووي –طبقا لمعادلتنا السابقة سيكون بين 2024و 2025.
وهنا يبرز السؤال الأكثر اهمية وهو رد الفعل الاسرائيلي على ” تسوية موضوع الاتفاق النووي بالعودة الأمريكية له”، وهو امر لم أجد أي مسئول اسرائيلي او أي مركز ابحاث اسرائيلي يقبله، مما قد يعيد اسرائيل الى استراتيجية ” الدولة المجنونة” التي طرحها في سبعينات القرن الماضي البروفيسور الاسرائيلي يحزقئيل درور الذي عمل مستشارا للتخطيط في وزارة الدفاع الاسرائيلي، في دراسة عنوانها:
Yehezkel Dror, Crazy States: A Counter Conventional Strategic Problem, (New York: 1971).
ولكن ما هي مؤشرات الدولة المجنونة عند ” درور”:
أ. السعي لتحقيق اهداف مؤذية لدول أخرى
ب. التأكيد على الالتزام القوي بتلك الاهداف
ت. الاحساس بالتفوق القيمي على الاخرين حتى لو كان ذلك يتناقض مع المعايير الدولية
ث. الاعتقاد بالقدرة على اختيار الادوات الانسب لتحقيق تلك الاهداف
ج. العمل على توفير امكانيات خارجية تساعد على تحقيق الاهداف.
ح. لا يبالي صناع القرار فيها الموازنة بين المكاسب والخسائر في ادارة الصراع.
ويعطي درور امثلة على الدول المجنونة مثل : ليبيا القذافي، ايران الخوميني، أوغندا عيدي أمين، بينما في الحركات السياسية: يرى انها تتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية، الجيش الجمهوري الايرلندي، الجيش الاحمر الياباني، الخ..
ويرى درور في توضيحات لاحقة لنظرية الدولة المجنونة أن ايران يجب أن “يراودها الخوف من أن تتصرف اسرائيل كدولة مجنونة، وهو ما يجعل ايران تميل للمصالحة مع اسرائيل، ولكن ايران قد تهاجم اسرائيل إذا تأكدت بشكل قاطع ان اسرائيل دولة مجنونة حقا”.
ويبدو ان استراتيجية نتنياهو تدور في هذا الاتجاه، أي إيهام ايران بان إسرائيل قد تكون “دولة مجنونة” لذا يجنب تجنبها، ولكن أذا اقتنعت ايران بشكل لا جدال فيه بأن اسرائيل “دولة مجنونة” فانها ستبادر بضرب إسرائيل، وهو ما سيضعها في مواجهة العالم، لكن الاذى الذي قد يلحق بإسرائيل سيكون كبيرا.
ويطرح درور قضية أخرى وهي خطورة امتلاك “حركات مجنونة” أسلحة غير تقليدية سواء نووية او جرثومية او كيماوية، فالتنظيمات المسلحة يكفيها طبقا للعلماء 25 كيلو من اليورانيوم عالي التخصيب لانتاج سلاح نووي (رغم ان ذلك يعترضه توفر البنية التحتية لانتاج الاسلحة النووية).
لكن إذا علمنا أن هناك حوالي 1.6 مليون كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب مخزن في العالم فان امر الحصول على اليورانيوم المحصب يكون أسهل مما يبدو للوهلة الاولى، والدليل على ذلك أن كميات ال ” كوبالت 60″ التي سرقت من جامعة الموصل عام 2014 (وهو عنصر يستخدم لعلاج السرطان) قد تصل لأيدي تنظيمات بغض النظر عن هويتها الآيديولوجية.
وطبقا لبعض الدراسات المستقبلية، فإنه اذا كان الهجوم النووي من التنظيمات احتماله 10% عام 2000 فانه سيكون 99.5% عام 2050 (دراسة صادرة عن جامعة الدفاع الوطني الامريكية، العدد 3، المجلد 7، 2018). لكن اذا تمت إجراءات دولية صارمة في هذا الاتجاه فان الاحتمال يتراجع الى 39.5% لكنها- أي الاجراءات الدولية- لا تلغي الاحتمال.
وهنا يبرز سؤال جديد: هل سيتزايد انتشار السلاح النووي بإيقاع اسرع ولجهات اخرى غير الدولة، الاجابة تشير الى عددا من المتغيرات يدفع بهذا الاتجاه مثل:
1. مشاعية المعرفة العلمية، فالمنحنى السوقي (Logistic Curve) يشير الى تناقص المسافة بين نقاط التحول في تطور النظريات العلمية (Paradigm Shift)، الى جانب ان خطوات انتاج السلاح النووي لم تعد سرا، وقد تتطور المعرفة في هذا الجانب الى الحصول على السلاح النووي بطرق أكثر يسرا بل واقل تكلفة( كما هو الحال في اغلب اشكال التكنولوجيا المدنية والعسكرية).
2. قدرة كوريا الشمالية والباكستان والهند واسرائيل وجنوب افريقيا على امتلاك السلاح النووي، جعل دول الصف الثاني الأخرى تدرك ان الجدار الاخير للأمن هو السلاح النووي وان امتلاكه امر ممكن.
3. الهجمات الامريكية والتدخلات العسكرية الخارجية وقعت كلها على دول ” غير نووية”، مما يعزز فكرة ان السلاح النووي يمثل رادعا فعالا، فحتى الان لم تتعرض للاحتلال او الهجوم الاستراتيجي دول نووية.
4. تراجع الثقة في فعالية منع انتشار السلاح النووي، بدليل الانتشار المستمر بعد اتفاقية منع الانتشار، فالاتفاقية التي وقعت عام 1968، وأصبحت موضع النفاذ عام 1970 تم خرقها بشكل واضح ومعلن أربع مرات انتهت بحيازة السلاح النووي.
5. إمكانية إعادة معالجة البلوتونيوم على نطاق واسع في الصين واليابان يزيد الامر تاكيدا من حيث الانتشار.
فإذا اضفنا لكل ما سبق احتمال انتشارالاسلحة الجرثومية والكيماوية وهي الاقل تعقيدا من حيث البنية التحتية لانتاجها، يكون العالم على حافة معادلة تجعل الامن الدولي أمام اكبر معضلة في التاريخ.
فإذا كان عدد التنظيمات الواردة في قوائم الولايات المتحدة ( بين المصنفة ارهابية او رفعت لسبب او آخر من القائمة) حوالي 84 تنظيما، وبعضها له فروع في مناطق أخرى( داعش او غيرها) فان نجاح واحدة من هذه التنظيمات بالوصول الى هذه الاسلحة غير التقليدية يعني ” مرحلة انتقالية استراتيجية ” في العالم…ربما.
* د. وليد عبد الحي أكاديمي وباحث في الدراسات المستقبلية
موضوعات تهمك: