الشخصية العربية باقية رافضة للإحتكار والهيمنة
توالدت وانخلقت وتأسست مكونات وآليات ماهية ديناميات العقلية العربية عبر تاريخها الطويل وبمقدراتها على الاستيعاب العميق التاريخى والاجتماعى للإنسان / الوطن / المجتمع والذى تم تشكيلها من خلاله وبما يصعب معه تفكيك وفك الارتباط فيما بينها وبما شكلته من سلطة متكاملة دينامية حافظت على ماهيتها ومع التطورات التى لحقتها مع تطور المجتمع وعلى من تبعية الكثير من الأنظمة العربية إلى الخضوع لسياسات الغرب بتسييد آليات ثقافاتها التى تمحو مكونات الشخصية العربية المقاومة.
سلطة الحضور الميتافيزيقى هى ما تشكل سلطة للمطلقات الدينية التى تشكل وتؤسس وتؤثر وصولا إلى الهيمنة والسيطرة على قرارات الإنسان ورؤيته وتصوراته ومواقفه وعلاقاته وبما يحق التوافق والانسجام والوحدة ووصولا إلى الخضوع والتبعية والانقياد مع تشكيلات البناء الاجتماعى رأسيا وأفقيا أو الاختلاف مع المغاير لهذه المطلقات الدينية واستبعادها، وبما يفسر ويدعم آليات الاستبداد واللاعقلانية وسيطرة سلطة المطلق الدينى الميتافيزيقى على الحياة المادية، ورغم سيادة هذه السلطة فى المجتمع العربى وتمسك المواطنين بها، وكما فى المجتمع كمثال قوى لسلطة الحضر الميتافيزيقى فمنذ إيمانه بالديانات الفرعونية والسماوية وعبر العصور العميقة الممتدة إلا أنها لم تستطع تغيير الكثير من مظاهر الحياة المصرية فمازال الكثير من المصريين يؤدون صلاتهم وفرائض الديانة ويثورن من أجلها بقوة شديدة إذا تم إهانتها، حيث يقومون بالجلوس على المقاهى وشرب الشيشة والجوزا ويعودون للمسجد لأداء الصلاة ودفع الزكاة ويصمون رمضان وبعد الإفطار يعادون للجلوس على المقاهى ثم يعاودون الصلاة مع كل آذان، ولم تفلح فى التسعينات محاولات بعض الجماعات الإسلامية من منع المواطنين من الجلوس على المقاهى ومنعهم من شرب الجوزا وقام رواد المقاهى بضربهم وطردهم ( حدث ذلك فى العديد من المدن المصرية وشاهد الكاتب ماحدث فى مدينة المحلة الكبرى فى أوائل التسعينات).
وتعرضت هذه السلطة للاهتزاز مع قيام السلطات الحاكمة فى الدول العربية ياستخدامها فى تبرير سياستها التعسفية والقهرية ضد المواطن ومع تصاعد القوى الرأسمالية التى ترفع شعارات دينية ومحاولات سيطرتهما على مقدرات المواطن والوطن وتغييب عقله النقدى وإقصاء إعمال العقل والعلم ووصولا إلى حق امتلاك المطلق الدينى من أجل الهيمنة واستهداف تفكيك المجتمع العربية بالصراع الدينى ، وكمثال مقاوم تمسك المواطن المصرى بقوة بسلطة التسامح الدينى الذى تفرضه ديناميات السلطة الدينية بعمقها التاريخى المصرى وقام المصرى أيا كانت ديانته بحماية الكنائس فى أوقات تعرض المجتمع المصرى للمخططات التفكيك فى أعقاب ثورة 25 يناير وإعلن المواطن المسيحى أن الكنائس كلها فداء لمصر بعد تعرض العديد من الكنائس للحرق من قبل الجماعات التكفيرية (تصريح الأنبا تواضراس فى تعرض العديد من الكنائس فى صعيد مصر للحرق) وحافظ المصرى على وحدة الوجود، ورفض تفكيك وتفتيت الوجود المصري.
ومن منطلق ديناميات السلطة الدينية بعمقها التاريخى المصرى والذى مييزها بخصوصية ترفض تسييد احتكار فئة معينة للماهية الدينية وتفرض عليه السمع والطاعة العمياء ومحو خصوصيته الإنسانية والفردية وبمضامينها العملية المتعالية عليه وتكريس الهيمنة عليه والتسلط تحت إدعاءات امتلاكها للمرجعية الدينية وللمطلق الدينى والعودة به إلى نموذج ماضوى لتفرضه عليه وتفرض من خلاله العداء لكل من يخالفه وصولا إلى تكفيره الصريح ، وكما رفض المصرى تحويل النصوص المقدسة إلى آلية أحادية تقهره وتقمعه وتتعالى عليه حيث اعتبرها المصرى طوال تاريخه دافعا للمقاومة وأن سلطة دينامياتها الموروثه لم تمنعه أبدا من ممارسته الحياتية اليومية وعبر تطوره التاريخى الممتد آلاف السنين، ومن هذه الخاصية لم تكن هناك -كما يدعى البعض- صدمة حضارية مدمرة نتيجة للتطورات الحداثية وما بعد الحداثية التى شهداها العالم فالعقل المصرى الذى رفض الأدلجة والتماهى مع التغييب الذى تستخدمه السلطة بكل تنوعاتها، استطاع أن يتعايش مع كل التطورات التقنية ونتائجها وفاعلياتها وآلياتها ولنرى الآن بائع الفاكهة على “العربة الكارو” بثقافته المصرية وبائعة الخضروات فى السوق يتعايش معهم “آى باد” كما يتعايش معه أصاحب السيارات الفاخرة ، بل واستوعبت لغته المفردات “الحداثية” والـ “ما بعد الحداثية” فأصبحت كلمات أجنبية كلمات عربية باعتبار “قانون اعتبار الحال” فصارت مفردات مثل -على سبيل المثال لا الحصر- الكمبيوتر والتلفزيون والآى باد وكاريزما وأمبول وفون مفردات عربية بـ “قانون اعتبار الحال”.
موضوعات تهمك: