بقلم: طارق الحميد
لم أتمالك نفسي من الضحك عندما نقلت وكالات الأنباء خبرا مفاده فشل التجربة الكورية الشمالية بإطلاق صاروخ بعيد المدى، حيث انطلق الصاروخ لمسافة 120 كيلومترا، وتفتت لأربعة أجزاء، أي أنه لم يكن صاروخا بقدر ما أنه كان ألعابا نارية، أو على مقولة عادل إمام بفيلم السفارة بالعمارة: «ما تبلغيش أوي كده»!
سبب الضحك أن الإدارة الأميركية أرادت أن تجعل من التجربة الكورية الشمالية لإطلاق الصاروخ قضية سياسية تتهرب بها واشنطن من استحقاقات ما يحدث بسوريا من جرائم على يد قوات الطاغية بشار الأسد، حيث سعت واشنطن إلى عقد جلسة بمجلس الأمن، وأشغلت إدارة أوباما الإعلام بقصة صواريخ كوريا الشمالية، وبلغ الأمر إلى حد أن البيت الأبيض صرح قائلا: إنه رغم فشل محاولة كوريا الشمالية لإطلاق صاروخ فإن ذلك يعد عملا «استفزازيا» يهدد الأمن الإقليمي، وينتهك القانون الدولي! فإدارة أوباما تعتبر مجرد فشل إطلاق صاروخ انشطر إلى أربعة أجزاء في الجو عملا استفزازيا يهدد الأمن الإقليمي، وينتهك القانون الدولي، بينما مقتل ما يزيد على أحد عشر ألف سوري، على يد قوات الأسد، ناهيك عن مليون سوري يحتاجون للمساعدة الفورية، لا يعتبر انتهاكا للقانون الدولي، والأمن الإقليمي، ناهيك عن انتهاك قوات الأسد للحدود التركية واللبنانية! إنه أمر محير بالفعل، بل ومثير للاشمئزاز، وكم كان محقا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما قال تعليقا على استخدام روسيا والصين لحق النقض الفيتو: إن ثقة المجتمع الدولي بمجلس الأمن قد اهتزت، وهذا بالطبع أمر خطير جدا.
فالأسد لم يلتزم بوقف إطلاق النار كما ورد بمبادرة أنان، ولا التزم أصلا بخطته القاضية بسحب القوات من المدن، ولا بالسماح للمظاهرات، أو دخول الصحافة الدولية، ناهيك عن الإفراج عن المعتقلين، وغيرها من بنود مبادرة أنان، ولا التزم بأي مبادرة سابقة، ورغم كل ذلك فإن إدارة أوباما تريد إشغال العالم بقصة الصاروخ الكوري الشمالي «اللعبة»، وبحجة حماية القانون الدولي، والأمن الإقليمي
وعليه، فلا يملك المرء إلا أن يقول للسيد أوباما: إن التجربة الكورية قد فشلت، واتضح أنها هزيلة بمقدار هزال البنية الحقيقية لكوريا الشمالية التي تحتاج إلى معونة غذائية، وبالتالي لم يعد هناك عذر آخر يمكن إشغال العالم به عن ضرورة التصدي لجرائم طاغية دمشق الذي يرتكب جرائم غير مسبوقة بمنطقتنا، ففضلا يا سيد أوباما عد إلى موضوع سوريا، فيكفي عاما من الفرص، بل الرخص، التي منحها المجتمع الدولي للأسد، من أجل قتل مزيد من السوريين، والآن يتم الحديث عن إرسال مراقبين جدد، فما يحدث بسوريا هو الانتهاك الحقيقي لكل القوانين، وهو التهديد الفعلي للأمن الإقليمي، بل وأمن دول المتوسط.
السيد الرئيس، أوباما، ارجع لموضوع سوريا فقد تم استنفاد كل الأعذار، فحتى صاروخ كوريا الشمالية اتضح أنه «لعبة»، بينما ما يحدث في سوريا هو الجريمة الحقيقية!