السقوط الأخلاقي في حل المجلس التشريعي
- أزمات كفيلة بهدم دول قائمة ومعترف بها، فماذا تفعل بطموحات نحو إقامة دولة؟
- تمزقت الهوية الفلسطينية منذ قدوم السلطة ومعها هوية أوسلو وهوية الوطن والفصائل والجهويات.. لم تعد هناك هوية جامعة.
- السلطة الفلسطينية تحتكر الوظائف العمومية لـ”فتح” ولا تنفتح الوظيفة للناس إلا إذا لشروط يصعب توفرها في عناصر “فتح”.
- استند عباس لقرار محكمة تسمى “دستورية” وهي غير شرعية لأنه هو غير الشرعي من شكلها فغير الشرعي يستند لمرجعية غير شرعية لإقامة شرعية.
بقلم: عبد الستار قاسم
دخل الشعب الفلسطيني في عدد من الأزمات الخطيرة منذ إنشاء السلطة الفلسطينية، وكأن الهدف من التوصل لاتفاقيات مع الكيان الصهيوني كان الإثقال بالمزيد على الشعب الفلسطيني ودفعه إلى كراهية الوطن والوطنية والتخلي عن حقوقه الوطنية الثابتة.
وهذه أزمات كفيلة بهدم دول قائمة ومعترف بها، فما بالك تفعل في طموحات نحو إقامة دولة؟
يعاني الشعب الفلسطيني الآن من أزمة الشرعية، إذ لا شرعية لأحد على ساحة الأرض المحتلة 67، وهي أزمة صعبة للغاية يؤدي وجودها إلى تمزق المجتمع وإلى استمرار المنازعات والخصومات بين التكتلات السياسية وفي صفوف الجماهير.
وغياب الشرعية يعني عدم الثقة بالقرارات والقوانين التي يمكن أن تُصاغ، وتفقد الإدارات صدقيتها، ويستهتر الناس بكل المؤسسات التي يتم التصرف بها وفق أمزجة شخصية.
في الأرض المحتلة 67، رئيس السلطة الفلسطينية غير شرعي لأن صلاحيته انتهت عام 2009، وكذلك التشريعي إذ انتهت صلاحيته عام 2010.
أما منظمة التحرير الفلسطينية فقد فقدت مصدر شرعيتها عندما صوت المجلس الوطني الفلسطيني الذي من المفروض أن يكون حارسا على الميثاق الوطني الفلسطيني لصالح التخلص من هذا الميثاق استجابة لطلبات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
ومجالس منظمة التحرير غير شرعية أيضا لأنها جميعها تخالف لوائحها الداخلية. هذا فضلا عن أن كل طاقم منظمة التحرير الفلسطينية سيواجه عقوبة الإعدام إذا تم تطبيق القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أما الأزمة الثانية فهي أزمة الهوية الفلسطينية. لقد تمزقت الهوية الفلسطينية منذ قدوم السلطة وحل محلها هوية أوسلو، وهوية الوطن، وفتحاوي وحمساوي وغزاوي وضفاوي ونابلسي وخليلي، وعرب 48، الخ.. لم تعد هناك هوية جامعة.
وفي هذا حكمة تتعلق بالانهيار الشعبي أمام تطبيق اتفاق أوسلو وملحقاته. كلما تمزقت الهوية الفلسطينية تصبح السلطة الفلسطينية أكثر استرخاء قي الدفاع عن الأمن الصهيوني وتعريض الأمن الفلسطيني للخطر.
كان من المهم اتباع سياسة فرق تسد كي لا يتمكن الشعب من الثأر لنفسه والدفاع عن حقوقه. سياسة فرق تسد هي نفسها تمزيق الشعب الفلسطيني إلى هويات متنافسة على تحقيق المصالح الفئوية.
تأتي أزمة التوزيع في مرتبة ثالثة، وهي تعني عدم العدالة في توزيع المسؤوليات والموارد المادية. كان واضحا منذ البداية أن السلطة الفلسطينية تحتكر الوظائف العمومية لحركة “فتح” ولا تنفتح الوظيفة للناس إلا إذا توفرت شروط من الصعب توفرها في عناصر حركة “فتح”.
لهذا نرى أن الغالبية الساحقة وتصل إلى حوالي 98% من عناصر الأجهزة الأمنية فتحاويون. وأغلبية الوظائف المدنية أيضا لحركة “فتح”. هناك بعض الموظفين لا ينتمون للحركة، وأغلبهم قد تم تعيينهم من خلال الوساطات والمحسوبيات.
أي أن الشعب الفلسطيني يدفع ضرائب ورسوما لحركة “فتح” وليس للشعب الفلسطيني. كما أن المسؤوليات والاحترام والتقدير المعنوي محصورة في الغالب بعناصر حركة “فتح”. أي أن الشعب الفلسطيني أجرد وأمرد، ولا حقوق مدنية ومادية ومعنوية له إلا تلك الروتينية التي لا يمكن احتكارها مثل إصدار شهادات ولادة للأطفال.
سقوط أخلاقي
لكن الأخطر من كل هذه الأزمات هو تدمير المنظومة القيمية الأخلاقية الوطنية للشعب الفلسطيني. نحن لم نكن أنبياء قبل إقامة السلطة الفلسطينية، لكن كان هناك بعض المعايير الأخلاقية التي تحكم السلوك وتشكل موازين للحكم على التصرفات.
مع مجيء السلطة الفلسطينية تم تدمير أغلب المعايير الأخلاقية إلى درجة أن الأخلاق الوطنية أصبحت غائبة عن الساحة إلى حد كبير.
ويكفي القول إن التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني والذي يشمل الدفاع عن المستوطنين يشكل العلامة البارزة في السقوط الأخلاقي الفلسطيني على المستوى الرسمي.
جاء حل المجلس التشريعي الفلسطيني ليؤكد على هذا السقوط الأخلاقي. محمود عباس غير شرعي في موقعه منذ عام 2009، والمجلس التشريعي غير شرعي منذ عام 2010.
لو تمتع محمود عباس بصدقية وحرص لاستقال عام 2009 وفتح الباب أمام انتخابات رئاسية. وفي هذه الآونة، كان من المفروض أن يستقيل أولا، ومن ثم يطلب من أعضاء المجلس التشريعي أن ينفضوا ويفتحوا المجال لانتخابات جديدة.
هو فقط حل المجلس التشريعي الذي كان يمنعه هو من الانعقاد، ودعا إلى انتخابات تشريعية مستثنيا الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني. هذه بالطبع ليست من الأخلاق أبدا. ومن يتمسك بقيم أخلاقية، يعترف أولا بتجاوزاته ويعتذر، ثم يتحدث عن تجاوزات الآخرين.
الأدهى أن محمود عباس استند إلى قرار من محكمة تسمى المحكمة الدستورية والتي هي غير شرعية لأنه هو غير الشرعي شكلها بقرار خاص صادر عنه.
أي أن غير الشرعي يستند إلى مرجعية غير شرعية لإقامة شرعية. كلها معادلة لا علاقة لها بالديمقراطية أو المهنية السياسية أو بفن إدارة شؤون الناس.
إنها درب من دروب البلطجة والتشبيح والسقوط الأخلاقي، لعباس من يحميه ويموله ويدافع عنه، ويبقى الشعب الفلسطيني هو ضحية الجهالة والتآمر والانصياع لإرادة الأعداء.
* د. عبد الستار قاسم كاتب ومفكر وأكاديمي فلسطيني.
المصدر: العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة