السرقة والنهب بنص إلهى وهو مالم تعرفه الإنسانية قبلا وبعدا
محو الصفات الأساسية للآخر وإزالة وجودها المتجسد فى الواقع والحياة وتغييبه النهائى عن تاريخه وذاته والشعور بها وبالعالم من حوله لينتهى إلى التحلل والموت والفناء بحيث لايعود له وجود فى العالم وهذا هو منتهى وسعى لاهوت الإبادة والذى يتبلور فيه أنساق وبنى الميثاق الأبدى والعهد الإلهى والنقاء والتفرد والاستعلاء حيث تتحول إلى إجراء عملى تنفيذى للإبادة ويعكس كافة فاعلياتها التنفيذية ويعبر عن العلاقات والمعانى والتصورات العنصرية الإسرائيلية وكما يعبر عن حركتها وتدفقها خلال الزمان والمكان واندفاعها من الواقع الإنسانى (اليهودى) إلى الواقع غير الإنسانى (الأغيار)، من المقدس إلى الدنس، ومن التاريخى الصلب (اليهودى) إلى اللاتاريخى الهامشى (غير اليهودى)، ومن ثم فهو يكشف عن البنى المؤسسة والمميزة لهذه المنظومة من المزاعم التى تتجلى فى السلوك العنصرى الإجرامى اليهودى الجماعى والفردى والمؤسسى، ولا يمكن معرفة النظام والبنية المؤسسة لذلك إلا من خلال دراسة وتوصيف السلوك والحركة، البداية والمركز والصيرورة الموسومة بمزاعم الثبات.
البداية هى المزاعم المترتبة على الميثاق الأبدى وعلى التفرد وعلى الاستعلاء، والصيرورة الثابتة هى الإبادة بما تشمله من المحو والإفناء وكلاهما سبب ونتيجة، تطور وتشكل، تبلور وتمركز، وكلاهما لازم لمزاعم الوجود اليهودى المستقل، وبالتالى فإن الأفعال العملية والممارسات العنصرية تكشف حقيقة هذه المزاعم، ودائماً ما كان “قادة بنى إسرائيل يبحثون عن سلوى وتعويض لأمتهم فى مقابل المذلة التى كانت تعانيها فى حياتها الدنيوية وذلك عن طريق رفعها إلى درجة عالية من الروحانية ولكى يحقق القادة هذا الغرض فإنهم وضعوا، بالأحرى، وأحكموا وضع نظام من الطقوس الدينية يستهدف احتكار الرحمة الإلهية الاستئثارية بها، وبذلك تصبح “صهيون” المدينة المقدسة مركزاً لمملكة الرب فى الأرض وموئل بهجتها “ولتقتصر هذه الرحمة الإلهية من خلال التعاقد مع الرب والعهد المقدس بينهما على شعب إسرائيل ـوحده دون غيره من الأممـ ومبرراً للتصرفات العدوانية على الأغيار، ولتصير أولى الخصائص البنائية للاهوت الإبادة، وهذا الاختصاص بالرحمة والاستئثار بها لم يأت إلا بكون أن الإله قد أعفى شعب إسرائيل من العقاب لأن الإله هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير، وأنه أعطى الإنسان (يقصد اليهودى) طبيعة رديئة لولاها لما كان يخطئ وقد أجبر اليهود على قبولها، وينتج عن ذلك أن داود الملك لم يرتكب بقتله لأوريا، وبزناه بامرأته خطيئة يستحق العقاب عليها منه، لأن الإله هو السبب فى كل ذلك “كذلك فإن الإله على حسب ما جاء فى التلمود معصوم من الطيش لأنه حالما يغضب يستولى عليه الطيش، كما حصل منه يوم غضب على بنى إسرائيل وحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم على ذلك بعد ذهاب الطيش منه، ولم ينفذ ذلك اليمين، لأنه عرف أنه فعلاً ضد العدالة”.
اقرأ/ي أيضا: تجارة البركة فى الكنيسة
بل أن الرب يناصر يعقوب فى الحصول على قطعان ماشية خاله فيهرب بها أثناء الليل فى ضوء القمر بعد أن أخبر زوجاته بتغير سلوك أبيهن معه ثم حكى فى روع زائف كيف أن الرب ناصره فحول قطيع أبيهن من عنده إليه. ولكى يخلع على المؤامرة مزيداً من الحبكة، أخبرهن فى نهاية الأمر، والوميض يسطع فى عينيه، فيما يبدو، كيف أنه رأى رؤيا فى الليلة الماضية، ظهر له فيها ملاك الرب وطلب منه أن يرحل إلى وطنه”.
هكذا يتصرف الإله ويعقوب على حد سواء فيما لا حق لهما فيه ويسرقان معاً لتصير السرقة خصيصة بنائية ثانية للاهوت الإبادة، تهدف من خلال ممارساتها إلى محو حقوق الآخرين والاعتداء عليها وسرقتها وهنا نلاحظ أن صياغة التوراة تعطى تأكيداً كبيراً يكشف عن مطامع اليهود فى مصر “خذوا أباكم وبيوتكم وتعالوا إلى فأعطيكم خيرات أرض مصر وتأكلون دسم الأرض.. خذوا لكم من أرض مصر عجلات لأولادكم ونسائكم واحملوا أباكم وتعالوا لا تحزن عيونكم على أتانكم لأن جميع خيرات أرض مصر لكم” ولتتصاعد هذه السرقة إلى حد النهب والاستغلال فحسب “تنبؤات يوسف حلت سبع سنوات الجفاف والجوع التى لم تعم مصر وحدها بل البلدان المجاورة أيضاً وعانى الناس كثيراً من الجوع وعندما رجوا فرعون أن يفتح لهم عنابره أحالهم إلى يوسف الذى تفهم رجاءهم ولكنه لم يوزع عليهم القمح بلا مقابل.
ففى البداية كان على الناس أن يدفعوا ثمن ما يأخذونه نقوداً ، ولما نفذت النقود باعوا خيلهم وماعزهم وعجولهم وحميرهم، وكان همهم الوحيد تجنب الموت جوعا وفى نهاية المطاف فقد الناس أرضهم، ثم باعوا أنفسهم عبيداً، وهكذا بعد سبع سنين من وقوع الكارثة صارت الأرض كلها ومن يعمل عليها ملكاً لفرعون مصر “..وحين أصبحت الأرض ملكاً لفرعون أخذ يوسف يؤجرها قائلاً للناس: ” إنى قد اشتريتكم كما اشتريت أرضكم لفرعون ” هكذا يتبدى المخطط الإجرامى ــكما تنص التوراةــ الذى استخدمته الجماعة اليهودية كجماعة وظيفية بقيادة يوسف لتركيع الأغيار واستغلال حاجاتهم الإنسانية وتحويلهم بسببها إلى عبيد على النحو الذى يقدمه النص التوراتى، ولم يكن غريباً عليهم فى عصر تال هو عصر موسى أن ينهبوا بيوت المصريين وامتلكوا الأدوات الذهبية والفضية والثياب وغيرها من النفائس وذلك بأمر الآلهة” فأمد يدى وأضرب مصر بكل عجائبى التى أصنع فيها ، وبعد ذلك يطلقكم، وأعطى نعمة لهذا الشعب فى عيون المصريين، فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين. بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون الشعب (خروج 3 : 2.- 22). وهكذا تكون السرقة والنهب بنص إلهى وهو مالم تعرفه الإنسانية قبلا وبعدا.
هكذا يتصرف الإله وموسى والشعب على حد سواء ويسرقون ويسلبون ما لغيرهم، لتتأكد خصيصة بنائية ثالثة وهى التآمر الدائم ضد مصر سعيا إلى إبادتها، ومشكلاً لخصيصة بنائية مرتبطة بخصيصة السرقة وهى خصيصة الاستغلال باستخدام اليهود كجماعة وظيفية موسومة بعهد الرب بالسيطرة على أملاك جزيلة منذ عهده لإبرام (تكوين5: 7-18) وهكذا ارتبطت هذه الخصيصة البنائية عادة بالعهد والميثاق وتكررت فى حادثة يعقوب وخاله لابان التى أشرنا إليها سابقاً.
ويكون التخليص والتطهير للأشياء المسروقة تبريراً لاهوتياً من أجل امتلاكها دون واخز من ضمير، فكل شئ يمكن تخليصه إذا لمسه أو عالجه اليهودى وخاصة اليهود المسيانيين، ويطبق أعضاء جوش أمونيم هذا المذهب فى الصراع على الأرض المقدسة فيزعمون أن ما يبدو فى ظاهره مصادرة الأراضى المملوكة للعرب من أجل إقامة مستوطنات يهودية عليها، ليست عملاً من أعمال السرقة لكنه تطهير لها من الخطيئة، ومن خلال هذا المنظور فإن الأرض يتم تخليصها من خلال نقلها من الدائرة الشيطانية إلى الدائرة الإلهية “، بهذا المفهوم تكتسب السرقة ويكتسب الاغتصاب قداسة ويصبح التخليص والتطهير بهذا المعنى هو الخصيصـة البنائية الرابعة.