السرقة الصهيونية لتاريخ الشعوب.. يمكن أن تجد فى التوراة أمثلة أخرى من التأثير المصرى، لنتذكر المشهد الذى غطى فيه موسى وجهه بحجاب وظهر على رأسه قرن، علامة على قدسيته.
لقد كان الكهنة المصريون يغطون وجوههم بخمار فى لحظة معينة من ممارسة طقوسهم الدينية فى المعبد أو عند قيامهم بالتنبؤ، أما القرن فهو بقايا طقس العجل أبيس المصرى الذى ترك فى نفوس الإسرائيليين آثاراً عميقة كما يدل مشهد العجل الذهبى التوراتى- فالقرن بالنسبة لهم بقى للقدسية (1) وقد أخذت المزامير كثيراً من أفكارها التى نسبتها إلى إله إسرائيل من القصائد المصرية فى مدح الإله آمون رع والموازنة بينهما لا يمكن أن تنسب إلى المصادفة البحتة فمن ذلك أن القصيدة المصرية تخاطب آمون رع وكأنه “وحيد السماء الأعظم وأقدم من فى الأرض وسيد كل المخلوقات” كما يقال له أن الوحيد بين الآلهة وأكبر من كل الآلهة” “إله الحق” و”أب الآلهة” و”صانع الرجال وخالق الحيوانات” وهو يوصف كثيراً بأنه “خالق كل شئ” و”الذى يصعد مبتهجاً عبر السماوات” كما يدعى كذلك بأنه “الواحد العادل” (2) وكان العالم الأمريكى جيمس هنرى برستيد أول من أشار إلى المطابقة بين نشيد إخناتون والمزمور (4/1) ثم قام بعمل مقارنة بين النصيين فخرج من بحثه ـ أو أبحاثه ـ بأن ذلك لا يمكن أن يكون بسبب توارد الخواطر بحال من الأحوال، وإنما المرجح أن العبرانيين كانوا على علم بأنشودة اخناتون العظيمة التى وضعها الإله … وأنه بفحص بعض الفقرات المشابهة لها من المزمور(4ـ 1) يظهر لنا مدى الشبه بين الصورتين، لا من حيث مضمون أنشودة أخناتون فحسب بل إننا كذلك نجده فى تتابع الأفكار وترتيبها الظاهرى.
فإن ذلك بقى فى الرواية الأسيوية العبرية كما فى أنشودة أخناتون ولا يمكن بحال أن تكون تلك المشابهات من قبيل المصادفة بل إنها بالعكس دليل على وجود جزء عظيم من الأنشودة المصرية الدينية القديمة منشوراً بشكل معدل فى المزامير العبرانية (3) وعدا ذلك فإنه من المبرهن عليه أن أقدم القوانين الإسرائيلية المذكورة فى كتاب العهد ، مسروقة من تشريعات شعوب قديمة أخرى ومصاغة على النمط الإسرائيلى، وقد كشف العالم الألمانى آ.آلت فى كتابه (مصادر القانون الإسرائيلى) النقاب عن علاقة القوانين الإسرائيلية بتشريع حمورابى وكذلك بقوانين وتشريعات الحيثيين والآشوريين والمصريين والكنعانيين وحتى الوصايا العشر لا تعتبر نتاجاً إسرائيلياً نقياً ، فقد قارن المؤرخ الإيطالى جوزيبى ريتشيونى مؤلف كتاب ” تاريخ إسرائيل ” بدقة متناهية مجموعة من النصوص القديمة ، فاكتشف أن للوصايا العشر شبيهات بل قرائن فى كتاب الأموات المصرى وفى النص البابلى شوربو (4).
ويلاحظ أن التلمود الذى وضع فى بابل تناول الكثير من القضايا المتعلقة بالأراضى وإنشاء الجداول وصيانة السدود ومعالجة القضايا المتعلقة بشئون الزراعة المرتكزة على الرى وأكثرها مقتبس من أنظمة الحياة البابلية بعد أن أخذ اليهود يمارسون الزراعة على الرى فى بابل بعد السبى (5).
وقد بددت الأبحاث التحليلية اللغوية اللاحقة كل الشكوك حول أكبر المنجزات التى فعلها يشوع بن نون حينما صرخ فى حالة من هيجان السعادة: “يا شمس دومى على جبعون ويا قمر على وادى أيلون . فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه” (سفر يشوع أصحاح 1. : 12- 136 فقد بددت هذه الأبحاث كل الشكوك حول هذا الموضوع ذلك لأنه ثبت قطعياً أن المقطع المذكور ليس إلا نقلاً حرفياً لمقطع من (كتاب العادل) أدخل لاحقاً فى قصة يشوع بن نون من قبل مؤلفى التوراة ، أما كتاب العادل فهو مجمع لأناشيد وملاحم شعرية قديمة مشهورة جداً عند العبرانيين كما أننا نجد مقطعاً توراتياً آخر منقولاً من هذا الكتاب فى سفر الملوك الثانى (إصحاح 1: 18) وهكذا تكون الأسطورة عن معجزة يشوع بن نون قد فندت تماما كما أكد زينون كوسيدوفسكى (6).
ولقد توصل العديد من العلماء الأركيولوجيين (الآثاريين) مؤخراً إلى أن سفر الخروج نفسه، الذى يعتبره الكتبة اليهود واحداً من الأسفار الخمسة التى نزلت على النبى موسى قد تضمن قصصاً تشبه تماماً تلك التى جاءت فى الحوليات البابلية، ومنها على سبيل المثال “قصة موسى الذى قاد اليهود إلى فلسطين تبقى على حالها، وقضوها فى مصر فى القهر والعبودية تتشابه وتتطابق لما دونه أحد الكهنة البابليين عن ولادة سرجون الآكدى وهو يتحدث عن نفسه (7) فكما جاء فى النصوص المسمارية أنه كان للملك سرجون العظيم الذى حكم عام 235. ق.م وأسس الدولة الأكادية فى بلاد ما بين النهرين مصير موسى نفسه فأمه الكاهنة ولدته سراً ووضعته فى سلة مطلية بالقار وألقته فى النهر فرآه أكا الساقى والبستانى وأخرجه من النهر. تحمل هذه القصة بين طياتها معالم واضحة للأسطورة لكن سرجون كان شخصية تاريخية حقيقية والأدلة على ذلك موجودة فى الوثائق التى اكتشفت بين أنقاض مدن ما بين النهرين وهى صحيحة ولاشك فيها (8).
المراجع :
1 ) الأسطورة والحقيقة فى التوراة ص 143
2 ) دراسات فى تاريخ الشرق 2 أسرائيل جـ 1 ص 153
3 ) نفسه ص 155
4 ) الأسطورة والحقيقة فى التوراة ص 137
5) أثر الكتابات البابلية فى المدونات التوراتية ص 137
6) الأسطورة والحقيقة فى التوراة ص197
7) أثر الكتابات البابلية فى المدونات التوراتية ص 9
8) الأسطورة والحقيقة فى التوراة ص 36
موضوعات تهمك: