السحر مائل للسمرة
بقلم: طارق الصاوى خلف
ها أنت تحمل هم امرؤ القيس وخمر الحب ُتلهيك عن ثأر أب سجيته فى قلب لحد، وضعت خده على صفحة الرمل، لم تجد من يرحم علتك، يشق – قبره – فى سفح جبل معك، تركوك تنبش بيديك العليلة، روحك الكسيرة لُتكرم مثواه.
فكوا جبيرة الجبس عن شقك الأيمن من أعلى، أنتزع الطبيب سلكا خاط به فروة رأسك بعد إلتأم الجرح، أرسلت عيون النساء اللائى -أحطن كغرابيب سود بسريرك – سؤالا متى تفتك بقاتل الأب الواقع تحت بطش قبضتك؟
يرقد – بلا حول – فى غرفة مواجهة لك، يئن من سكين حاول أبوك أن يذبحه به، سمى و كبر عليه، ارتعشت يده عند قطع العروق، رسم بنصله خطوطا غائرة فى عنقه، عند اصطكاك الفئوس على أم رأس أبيك قبل أن يسقطوه، يعزقوه كأنه نبتة شيطانية ُتجتث من حقل سلبوه من جدك فى جلسة عرفية وصمته بالغمز بعين عوراء لشمطاء من نسائهم لم تجد من يأويها تحت ظله.
حصد منجل نزقهم عمر جدك زاعمين أنه تخطى الحد، روى بستان الشمطاء .. نصبوه كالخيال فى جرنهم أياما، مرفوعا على خشبة تحول لونها للأحمر القانى، رد أبوك بطلقة يتيمة أخرست صراخ طير يقال له الهامة يقف على الدم النازف من القتيل ينادى: اسقونى … اسقونى.
تتناول حبات فيها شفاءك من كف ممرضة, تسترد صحتك بإمعان النظر لوجهها المائل للسمرة، أناملك تتحسس كفا يحمل كوب ماء إليك، يسرى تيار من النشوة فى دمك، تركب صهوة المقامرة تقرص خدها .. تحمر وجنتيها … ترميك بنظرة تأنيب، تنعقد جبهتها بالغيظ ، تتقد بخجل العذارى، يجف الريق من حلقك ، تسعل، تنفرج شفتيها عن أبتسامة ماكرة حمالة أوجه تقبل كل تأويل بين دعوة و تحذير، ُتفقدك مواقفها بوصلة ترشدك لأى سبيل تسير معها فيه.
يطاردك –فى اليقطة – رأس أبيك الذى فصلوه عن جسده، ألقوه لصبيانهم، حملوه ركضوا فرحين به وأنت المضروب بالشوم على لوح كتفك تميل بشقك على جرحك، تتوكأ على عجزك، تتبعهم حتى دورهم، وقعت فى حماهم ولو أرادوا ألحقوك بالوالد، سقوك بضربة جزاء كأس المنية بيد إنهم تركوا لك الرأس ملطخا بالوحل، غسلت عنه الأذى بعرقك والدموع .. وضعته – مكرما – فى حجر جلبابك، حشوت طرفه فى فمك … أطبقت عليه أسنانك.
عدت تعرج مستندا على الجدران، طابور المتفرجين من خلفك، عيونهم كاميرات تصوير توثق جمعك للحمك … رددت الرأس لحضن الجسد، حمل النعش على أعناقهم من أشفقوا عليك، اقتسموا اجر تشييع الجنازة معك.
قررت أن تمنع سقوط جذع شجرة توشك أن ُينتزع جذرها من حديقة العائلات بالسجل المدنى، قطيع الثكالى حول السرير يقرضون السكون بهمهمات لا تفسر لها معنى، عيناك زائغتان تتبعان تنهدات السقف المطلى بلون الاستسلام الأبيض.
ألقوا فرخهم الكسير بين أسنانك، طمعوا أن يصيدوا النسر بطعم فاسد، لم تعد معادلة الرأس برأس هدفك، زهدت فيها، لن تقبل بديلا عن أبيك عصفور شراقى، مازال فى الزمن بقية و فى الأمر متسع لتفتل حبل انتقامك، لن تمنح فخهم المنصوب بغيته، ستضيع فرصتهم فى أن تصير مدينا لهم الى حين.
لم تقصر فى حق أبيك حيا .. أطلقت بعد خروجه من السجن إشاعة، طاف دخانها بالقرية عن هروب أبيك إلى ليبيا و هو رهين غرفة لا تزورها شمس حتى امتطاه المرض، ضاعف وهن جسده، أخرجته مجبرا لعيادة طبيب، شموا رائحته.. حاصروكما … كضباع تصيد كبشين، تحول كتفك و الذراع – أثناء صدك عن أبيك – لرجل بنطال بلا قوام ، تنحيت عن المعركة فاقد الوعى.
تُشعل روحك بالوجد وقع خطواتها على البلاط ، يرتجف قلبك بنبض عنيف مع اهتزاز أردافها، تشرب من نهر عينيها كأس الشجاعة … تباغتها بالتفاف أصابع كفك على معصمها، يهش خجلها – من فعلك – حمامة تعشش على ثغر أمك فتنظر مشدوهة ببلاهة، ترفع صوتك قبل أن تهوى- ملاك الرحمة – بيدها الحرة تهتك ستر خدك: “تتجوزينى”.
يضوع المسك من فمها .. ينتفض جسد الغزال و هى تفر من الوعل، يبقى صوتها أغنية بمقطع وحيد يتردد فى قوقعة أذنك: نتكلم بالليل .
تنهال نعال الثكالى، تكسر ظهر الرجل المرتجى، تختم أمك فاصل الغيظ من فعلك ببصقة تستقر على أرنبة انفك.
تعلم النسوة أن أبيك ليس أبو زيد الهلالى أو الرجل الذى تنتظره الحياة فاردة ذراعيها، تنفث ريحا – طيبة – بمركب حياته، ليصل لمرفأ أمله .
قبل أن تقع الواقعة صارحك الطبيب بحال أبيك عناكب السرطان تمكنت من الكبد، أضحى طلوع الروح مسألة وقت، سينزل فيه القضاء ثقيل الوطأة على من يحيطون به، عاجلوه بقطف ثمره قلبه، استراح من ألم ينهش أحشائه بأنياب كلب مسعور .. ترد على نفسك لكنك لابد أن تحملهم وزر قتله .
تقص النساء حبل وصلك، تنزفن الدمع جمرا على مصيبة نابت فتاهم، أغرقه سحر أسود ببحر الهوى ينظرون بقلوب منفطرة للممرضة تتأبط ذراعك .. تقبض يديك على تذكرتا سفر لوجه بحرى فى أول رحلة بقطار الغربة . مخلفا القلق يضرب بجبروته ليالى من قبضوا روح أبيك، أصبحوا يترقبون طلقات ردة فعلك، ينتظرون ليلة ستحط فيها عليهم، تقتضى – منهم- ثأرك، تدرك أنهم لن يضعوا أياديهم على خدودهم حتى ينزل ساحتهم نسر انتقامك، يمزق لحمهم بمخالبه، يقطع رممهم بمنقاره، سيضربون الودع، يستخبرون الرمل، يسألون عنك طوب الأرض، يرسلون للمدن عيونا ترصدك وأنت تنسج فى غيبتك لهم أكفان المكائد.
عذراً التعليقات مغلقة