تزايدت خلال الأيام الأخيرة احتمالات الركود الاقتصادي العالمي وعلى الأرجح العام المقبل، وبحسب دراسة من شركة الأبحاث الاقتصادية والاستشارات “نيد دافيس ريسيرش” فقد زاد احتمال الركود الاقتصادي العالمي إلى نسبة 98.1 في المئة، وذلك بسبب استمرار ارتفاع معدلات التضخم ورفع سعر الفائدة والحرب في أوكرانيا.
وفي مؤتمر استثماري لشبكة “سي إن بي سي” توقع الملياردير الأميركي ستانلي دراكنميللر ركوداً اقتصادياً العام المقبل 2023.
ويعرف دراكنميللر بأنه المستثمر الذي لا يعاني أية خسارة في أية سنة مالية، واشتهر عام 1992 حين كان يدير صندوق “كوانتم” للملياردير جورج سوروس، وضارب على انهيار الجنيه الاسترليني ليحقق لسوروس مكاسب بنحو 10 مليارات دولار.
وقال الملياردير المستثمر أمام المؤتمر إن “السيناريو الأساس لدينا هو هبوط حاد بنهاية عام 2023، وسأكون مندهشاً جداً إذا لم نشهد ركوداً اقتصادياً في 2023، ولا أعرف الوقت بالتحديد ولكن بالتأكيد قبل نهاية 2023، ولن يدهشني أن يكون ركوداً أكبر أو أصغر من المعتاد”، لكنه أضاف أنه “لا يستبعد أن يكون أمراً أسوأ بكثير من المتوقع حالياً”.
وبحسب تقرير نشر حديثاً توقع سبعة من كل 10 اقتصاديين استطلع “المنتدى الاقتصادي العالمي” آراءهم احتمال دخول الاقتصاد العالمي في ركود. وعدلت نسبة 70 في المئة تلك من المشاركين في مسح المنتدى تقديرات نمو الاقتصاد العالمي السابقة بالخفض، وتوقع هؤلاء أيضاً استمرار انخفاض القيمة الحقيقية للأجور، محسوبة على أساس معدلات التضخم لما تبقى من هذا العام والعام المقبل.
ركود عميق
وتشير التقديرات والتوقعات إلى أن الركود الاقتصادي العالمي هذه المرة سيكون أكبر وأعمق مما حدث مع بداية أزمة وباء كورونا قبل عامين، وربما حتى أشد وطأة من الركود الذي صاحب الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ويخلص الباحثون في “نيد دافيس” إلى أن “ذلك يشير إلى ارتفاع أخطار الركود الاقتصادي العالمي الحاد في وقت ما من العام المقبل 2023، وذلك استناداً إلى توقعات مواصلة البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة رفع سعر الفائدة في محاولة للسيطرة على ارتفاع معدلات التضخم”.
ومن المؤشرات التي يأخذها في الاعتبار المستثمرون وشركات الأبحاث والاستشارات التراجع المستمر في مؤشرات الأسواق، وهو ما يميز الفترات التي تسبق كل ركود اقتصادي منذ سبعينيات القرن الماضي حتى الآن، إضافة إلى تفاقم حجم الديون في الاقتصاد والمغالاة في قيمة الأصول نتيجة التيسير النقدي الهائل وضخ تريليونات الدولارات من قبل السلطات في فترة أزمة وباء كورونا.
ولا يتوقع ستانلي دراكنميللر وغيره من المستثمرين الكبار ولا المؤسسات المالية الكبرى أن تختفي تأثيرات ذلك التيسير الكمي الهائل قريباً، بل إن السياسة النقدية للبنوك المركزية قد لا تكفي للسيطرة على ارتفاع معدلات التضخم، مما يجعل احتمال أن يكون الركود المقبل عميقاً وأشد وطأة أكبر.
وعلى رغم تلك النظرة التشاؤمية العامة لدى الأسواق والاقتصاديين إلا أن بعضهم يرجح ألا يكون الركود عميقاً جداً، ويشير هؤلاء إلى احتمال أن تتفادى اقتصادات كبرى مثل الاقتصاد الأميركي الركود الحاد والعميق، ويستند هؤلاء إلى أن سوق العمل في الولايات المتحدة تظل في وضع جيد، وأن هناك احتمالاً لارتفاع المعروض السلعي والخدمي في الاقتصاد خلال الفترة المقبلة، مما يؤدي إلى توازن العرض والطلب.
البنك الدولي
وقبل نحو أسبوعين أصدر البنك الدولي دراسة حول توقعات الركود الاقتصادي العالمي بنهاية هذا العام 2022 أو العام المقبل 2023، وبحسب طريقته في تقدير كون الركود عالمياً، أي انكماش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتضمنت الدراسة ثلاثة سيناريوهات لأداء الاقتصاد العالمي، إذ يتوقع الأول تباطؤاً في النمو الاقتصادي مع تفادي اقتصادات كبرى الركود الحاد، ويستند البنك في ذلك إلى تقديرات النمو وارتفاع معدلات التضخم، لكنه يحذر من أن السياسات النقدية الحالية للبنوك المركزية قد لا تكفي للحد من ارتفاع التضخم.
أما السيناريو الثاني فيتوقع تباطؤاً شديداً وحاداً في النمو الاقتصادي العالمي، بحيث يتفادى الاقتصاد الركود عام 2023، لكنه يشهد هبوطاً حاداً في النمو نتيجة التراجع الكبير في النشاط الاقتصادي مع عدم انخفاض معدلات التضخم حتى في حال زيادة البنوك المركزية وتيرة رفع أسعار الفائدة.
ويتوقع السيناريو الثالث ركوداً حاداً في الاقتصاد العالمي مع زيادة الأخطار واضطراب الأسواق نتيجة السياسات النقدية في ظل ارتفاع معدلات التضخم. وفي هذه الحال سيتراجع الناتج الاقتصادي بشكل هائل يصعب تعويضه خلال فترة قصيرة عندما يأتي الانتعاش من الركود.
ويقدر البنك أن الضرر الأكبر سيكون من نصيب الاقتصادات الصاعدة واقتصادات الدول النامية، لكن التطورات السلبية التي شهدتها اقتصادات رئيسة ومنها الاقتصاد البريطاني خلال الأسابيع الماضية، ولم تأخذها دراسة البنك الدولي في الحسبان، تشير إلى أن السيناريو الثالث هو الأرجح الآن، على رغم أن دراسة شركة “نيد دافيس” تشير إلى أنه على رغم الزيادة الكبيرة في احتمالات الركود العام المقبل 2023، فإن تحليلها في شأن الاقتصاد الأميركي يضع احتمالات الركود في مرتبة متدنية.
اضطرابات وقلاقل
وتجمع كل الدراسات والتوقعات على أن احتمالات ركود الاقتصاد العالمي أقوى مما كانت عليه التقديرات قبل أسابيع قليلة، وأن السؤال لم يعد “هل سيشهد الاقتصاد ركوداً كاملاً؟”، بل “متى سيحدث ومدى عمقه وحدته؟”.
وبغض النظر عن تباين تأثر الاقتصادات الكبرى المتقدمة بالركود أو حتى التباطؤ الحاد في الاقتصاد العالمي المتوقع نهاية هذا العام أو العام المقبل، فإن الاقتصادات النامية والصاعدة ستتأثر أكثر.
ويشير مسح المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أنه في ضوء استمرار ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة فإن زيادة كلفة المعيشة مع الركود الاقتصادي قد تؤدي إلى اضطرابات في بعض المناطق، وتوقع 79 في المئة من الاقتصاديين الذين استطلع مسح المنتدى آراءهم أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى اضطرابات وقلاقل اجتماعية في الدول الفقيرة وذات الدخول المتوسطة، في مقابل 20 في المئة توقعوا حدوث اضطرابات وقلاقل في الدول ذات الدخول العالية.
ومن العوامل التي ترجح أن تشهد الدول النامية اضطرابات اجتماعية أن الركود الاقتصادي من شأنه أن يفاقم مشكلة الديون العامة التي وصلت في بعض تلك الدول إلى مستويات قياسية، ومع استمرار سياسات التشدد النقدي حول العالم تصبح ظروف الائتمان أكثر ضغطاً، مما يجعل تلك الدول في أزمة مديونية إضافة إلى تباطؤ أو انكماش النمو.
المصدر: إندبندنت عربية
موضوعات تهمك: