«الملك السعودى عبد الله اعتبر المتظاهرين بمصر إرهابيين رغم أننا كنا نراهم غير ذلك بالطبع»! ووصفهم بالإخوان المسلمين وأنصار حزب الله والقاعدة وحماس.
اتفق الجميع بالبيت الأبيض على أن الانتقال الديمقراطي بمصر سيأخذ سنوات عديدة تتخللها فوضى وعنف.
في محادثة أخيرة مع أوباما أكد مبارك أن «مصر ليست تونس وهؤلاء المتظاهرون سيعودون لبيوتهم قريبا جدا».
السعودية والإمارات مارست ضغطا كبيرا مطالبة أوباما بدعم فكرة «حوار وطنى» بمصر يهدف للإبقاء على نظام مبارك وإنهاء التظاهرات.
بن رودس مستشار أوباما الصغير
بقلم: محمد المنشاوي
لم تلتفت الدوائر العربية كثيرا إلى كتاب أهم مستشارى الرئيس الأميركى الأسبق بن رودس The World as It Is العالم كما هو، على الرغم من أهمية كاتبه وصغر سنه الذى يسمح له أن يكون لاعبا هاما فى السياسة الأميركية خلال العقود القادمة.
وقد دخل بن رودس البيت الأبيض وهو لم يتجاور التاسعة والعشرين من العمر، وخرج منه ولم يبلغ بعد السابعة والثلاثين. ورغم صغر سنه، فقد كان المستشار والمساعد الأقرب للرئيس باراك أوباما.
وعلى عكس بقية مستشارى أوباما، فقد تواجد رودس طيلة سنوات حكم الرئيس الثمانية على مقربة منه، وهو ما يعطيه أهمية أكبر مقارنة بنظرائه ممن خدموا مع أوباما لفترة رئاسية واحدة أو لعدة سنوات فقط.
وسمح صغر سن رودس النسبى أن يكون معبرا وقائدا لتيار الشباب داخل بيت أوباما الأبيض والذى طالما أنحاز الرئيس أوباما لآرائهم وتوجهاتهم أمام تيارات أخرى أكثر واقعية وأكثر تقليدية. ويسرد رودس فى كتابة تفاصيل أحداث هامة شهدها العالم خلال فترة حكم أوباما.
* * *
طبقا لرواية رودس، تحدث أوباما مع الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك عقب رحيل الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على، وذلك قبل بدء مظاهرات ثورة 25 يناير. وكان الاتفاق بين الطرفين أن تركز المكالمة على جهود عملية سلام الشرق الأوسط، إلا أن أوباما أخذ على عاتقه فتح موضوع تونس.
وقال لمبارك: «من الأفضل ألا يفكر الرئيس بن على فى العودة لتونس، ونتمنى من الحكومة الجديدة أن تجرى انتخابات حرة وعادلة فى المستقبل القريب فى تونس».
ورد مبارك بالقول: «لا أعتقد أن بن على سيستطيع العودة لبلاده مرة أخرى»، ثم أضاف مبارك بكل ثقة: «لن ينجح حاكم إلا إذا كان الشعب يريده وكان يحكم بالعدل، وهذا ما ذكرته للرئيس الليبى القذافى»!
بعد أيام اندلعت مظاهرات ميدان التحرير وخرج الآلاف والملايين فى مختلف ميادين مصر مطالبين بسقوط نظام حسنى مبارك. وانقسم فريق مستشاري أوباما الذى يتابع ويبحث التطورات المصرية لحظة بلحظة إلى فريقين ميز بينهما إضافة إلى المواقف المتعارضة فجوة جيلية واضحة.
الفريق الأصغر سنا تكون بصورة رئيسية من دينيس ماكدو من مواليد 1969 (من حملة أوباما الانتخابية) وهو نائب مستشار الأمن القومى الأميركى.
والسيدة سامنتا باور من مواليد 1970، الأكاديمية البارزة بجامعة هارفارد ولها كتب هامة عن جرائم الإبادة الجماعية، وعملت مستشارة لأوباما لشئون حقوق الإنسان، وسفيرة بلادها فى الأمم المتحدة.
والأكاديمى البارز فى قضايا التحول الديمقراطى مايكل ماكفولن وهو من مواليد 1963، وشغل لاحقا منصب سفير بلاده فى روسيا.
وأخيرا أصغرهم جميعا بن رودس الذى ولد عام 1978 وهو خريج جامعة جورج تاون، وعمل نائبا لمستشار الأمن القومى.
الفريق الأكبر عمرا كان أكثر محافظة فى تفكيره نتيجة سنوات خدمتهم الطويلة داخل أروقة الحكومة الأميركية وتأثرهم بالتقاليد البيروقراطية المحافظة فى الشأن السياسى.
ومثل كل من وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون وهى من مواليد 1947، إضافة لوزير الدفاع الأسبق روبرت غيتس، وهو من مواليد 1943، ونائب الرئيس جوزيف بايدن المولود عام 1942 ومستشار الأمن القومى توماس دونيلون المولود عام 1955، ودينيس روس مسئول ملف الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومى وهو من مواليد 1948، أبرز وجوه هذا الفريق.
رأى بن رودس وفريق الصغار أن ما يحدث هو ثورة حقيقية وطالبوا بدعم شبابها، أما فريق العجائز فقد طالب بالتلكؤ، وعدم التخلى عن الحليف حسنى مبارك.
إلا أن كلا الفريقين اتفقا على شىء واحد، وهو أن عملية الانتقال الديمقراطى ليست أمرا سهلا وستأخذ سنوات عديدة، وسيتخللها الكثير من الفوضى وربما العنف.
* * *
يذكر بن رودس أن السعودية والإمارات مارست ضغطا كبيرا مطالبة أوباما بدعم فكرة «حوار وطنى» يهدف لاستقرار الوضع القائم والابقاء على النظام المصرى الحاكم وإنهاء التظاهرات.
ويذكر رودس أن أوباما تلقى مكالمة هاتفية من ملك السعودية عبد الله بن عبدالعزيز اشتكى خلالها من بيانات البيت الأبيض حول الأوضاع فى مصر، ووصف الملك المتظاهرين بالإخوان المسلمين وأنصار حزب الله وتنظيم القاعدة وتنظيم حماس.
ويؤكد رودس أن «الملك السعودى اعتبر المتظاهرين إرهابيين رغم أننا كنا نراهم غير ذلك بالطبع»، وهذا لا ينكر تواجد متظاهرين من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، ومتظاهرين أقباط، وشباب ليس له انتماءات سياسية، وشباب ليبرالى.
ويذكر رودس محادثة أخيرة بين مبارك وأوباما أكد فيها الرئيس المصرى أن «مصر ليست تونس، وهؤلاء المتظاهرون سيعودون لبيوتهم قريبا جدا».
ويستعرض رودس سعادة أوباما وفريقه من الشباب إثر تنحى مبارك، ويتذكر أن أوباما تلقى عدة مكالمات هاتفية من زعماء عرب أبرزهم الإماراتى محمد بن زايد، الذى وصفه بأنه أكثر من حاول الضغط على البيت الأبيض من أجل دعم مبارك والإبقاء على الرئيس المصرى..
ويقول رودس «أكدت لأوباما أن زعماء عرب مثل محمد بن زايد وعبدالله بن زايد ومحمد بن نايف لن يساهموا ماليا فى بناء مكتبتك الرئاسية».
* * *
تمثل فكرة الاطلاع على الكتب الصادرة عن مسئولين كبار داخل الولايات المتحدة وسيلة هامة وقيمة للتعرف على كيفية صنع القرار داخل أروقة الإدارات الأميركية المختلفة.
ورغم سعى كُتّاب هذه المذكرات للربح المادى (يدر مثل هذا الكتاب ما لا يقل عن مليون دولار) إلا أنها تسجل شهادة للتاريخ. وقد صدر منذ أيام كتاب هام لوزير الخارجية السابق جون كيرى عن نفس المرحلة أيضا، وعلينا نحن أن نُجمع صورة متكاملة عن طريقة عمل عاصمة منفتحة مثل واشنطن، إلا أننا ما زلنا لا نفهم قواعد وأبجديات طريقة عملها، أو هكذا نريد.
- محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشؤون الأميركية من واشنطن
المصدر: صحيفة «الشروق» المصرية