الرأي العام الأميركي بات يشهد تحولا ازاء سياسات إسرائيل
نشر الباحث والاستاذ في جامعة (ميريلاند) البرفيسور الفلسطيني الأصل شبلي تلحمي بحثًا أشرف عليه ومجموعة من المختصين خلص الى ان “الرأي العام الأميركي ازاء سياسات إسرائيل بات يشهد تحولا”.
ويبدأ تلحمي بالإشارة إلى أن طرد البروفيسور مارك لامونت هيل الذي عمل كمساهم في شبكة (سي إن إن) من موقعه في الشبكة بعد خطابه خلال الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أثار نقاشًا كبيرا بشأن حرية التعبير في اميركا، خصوصا لجهة انتقاد سياسات إسرائيل، وشكل وماهية معاداة السامية.
ويظهر استطلاع الرأي الذي أجرته جامعة (ميريلاند) بإشراف تلحمي، أن العديد من آراء هيل يتشاركها قطاع واسع من الجمهور الأميركي، وأن هذه الآراء لا تعكس مواقف معادية للسامية، أو حتى عداوة لإسرائيل. وبشأن هذه القضية تحديدًا يظهر هذا الاستطلاع وجود فجوة بين وسائل الإعلام الاميركية والسياسة الأميركيين من جهة، وبين الجمهور الأميركي (خاصة اليهود الأميركيين) من ناحية أخرى.
يشار إلى أن ما أثار حفيظة المدافعين عن إسرائيل ظالمة كانت أم مظلومة كان الجزء الذي دعا فيه هيل إلى “فلسطين حرة من النهر إلى البحر” والتي اعتبرها أنصار إسرائيل دعوة إلى إنهاء إسرائيل، رغم أن هيل أوضح موقفه على الفور تقريبًا بالقول أن “إستخدام تعبير (من النهر إلى البحر) لم تكن دعوة لتدمير أي شيء أو أي شخص آخر .. لقد كانت دعوة للعدالة، سواء في إسرائيل أو في الضفة الغربية أو غزة”. كما أقرّ هيل في مقال كتبه في وقت لاحق بأن اللغة التي استخدمها ربما تكون قد ساهمت في “سوء الفهم” وبأنه كان يدعو إلى العنف ضد الشعب اليهودي وقد اعتذر عن ذلك.
ويتساءل تلحمي “لكن، بغض النظر عن وجهات النظر، هل تعتبر آراء الأستاذ هيل استثنائية؟”. ويجيب على نفسه بالقول “القضية الأولى التي يجب أخذها في الاعتبار هي الدعوة إلى حل الدولة الواحدة، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط مع مواطنة متساوية للجميع، وهي الدعوة التي من شأنها أن تهدد في الواقع وضع إسرائيل كدولة ذات أغلبية يهودية، حيث قد يفوق عدد العرب في هذه الجغرافيا عدد اليهود في المستقبل القريب”.
ويستنتج تلحمي أنّ معظم الذين يدافعون عن حل الدولتين يميلون إلى اختيار دولة ذات مواطنة متساوية في حال لم يعد حل الدولتين ممكنًا؛ وتعزز هذه النتيجة آراء الأميركيين بشأن اليهودية والديمقراطية في إسرائيل : إذا لم يعد حل الدولتين ممكنًا، فإن 64٪ من الأميركيين سيختارون ديمقراطية إسرائيل على حساب اسرائيل كدولة يهودية إذا كانت صفة “اليهودية” تعني أن الفلسطينيين لن يكونوا مواطنين متساوين تمامًا في الحقوق.
ويقول تلحمي “عندما يعتبر المرء أن العديد من الإسرائيليين والفلسطينيين، فضلاً عن العديد من خبراء الشرق الأوسط، يعتقدون بالفعل أن حل الدولتين لم يعد ممكنًا، خاصة بالنظر إلى التوسع الكبير في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، فإنه ليس من الصعب معرفة السبب في ذلك (تأييد الديمقراطية) ذلك لانه سوف يجذب الناس إلى حل الدولة الواحدة”.
ويشير تلحمي إلى أنه في ظل أن معظم الأميركيين ربما لم يسمعوا قط عن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي.دي.إس – BDS) التي يدعمها البرفيسور هيل، فإن هذا الاستطلاع يظهر أن عدداً كبيراً من الأميركيين يؤيدون فرض عقوبات أو إجراءات أكثر صرامة إذا استمرت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في التوسع.. غالبية الأميركيين يؤيدون مثل هذه الإجراءات، بما في ذلك أغلبية الديمقراطيين (56 في المائة).
ويضيف أن لدى الأميركيين شعورا متزايدا بأن الحكومة الإسرائيلية لديها “تأثير كبير” على السياسات الأميركية : 38٪ من جميع الأميركيين (بما في ذلك 55٪ من الديمقراطيين، و 44٪ من الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا)، يعتقدون أن الحكومة الإسرائيلية لديها تأثير كبير على حكومة الولايات المتحدة، مقارنة مع 9 في المئة ممن يقولون إن لدى إسرائيل “تأثيراً ضئيلاً للغاية” و48 في المائة يقولون إن إسرائيل تحتفظ بالكم الصحيح من التأثير على سياسة الولايات المتحدة.
ورغم أن مشاركة اليهود الأميركيين في هذا الاستطلاع قليلة نسبيًا (115)، غير ان اللافت هو ان وجهات نظرهم تنسجم مع نفس خطوط الاتجاه الوطني: 37٪ يقولون أن لإسرائيل نفوذًا كبيرًا، و54٪ يقولون أنها تتمتع بالمستوى المناسب، و7٪ يقولون إن لديها القليل جدًا من التأثير.
ويقول تلحمي “هذه النتائج لا تشير إلى ارتفاع في معاداة السامية ولا حتى ارتفاع في مستوى العداء تجاه إسرائيل. وكما أظهر تحليل استطلاعات الرأي السابقة، فإن العديد ممن يتبنون هذه الآراء يركزون فيها على وجهة نظر عالمية مبدئية تؤكد على أهمية حقوق الإنسان والقانون الدولي”.
ويشرح البرفسور تلحمي “ضع في اعتبارك أنه في أميركا المستقطبةالتي تشهد استقطابا سياسيًا على شقي خندق عميق من الخلاف والولاء السياسي، فإنه من غير المستغرب أن يكون لدى الأميركيين انقسام حاد في وجهات النظر حيال الإسرائيليين والفلسطينيين. ما يلاحظه البعض بشأن المشاعر المعادية لإسرائيل في صفوف الديمقراطيين هو قراءة خاطئة . إنها تعكس فقط – حسب الاستطلاع – الغضب تجاه السياسات الإسرائيلية – وبشكل متزايد، مع القيم اليمينية التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية الحالية”.
وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كان الأميركيون يريدون أن تنحاز إدارة ترامب نحو إسرائيل (أكثر مما هي عليه الآن)، أو تجاه الفلسطينيين ، أو تجاه أي جانب، فإن هناك فرق شاسع بين الجمهوريين والديمقراطيين حسب الاستطلاع الجديد: في حين أن غالبية الجمهوريين يريدون من واشنطن أن تنحاز أكثر نحو إسرائيل بشكل كامل (57٪)، فإن أغلبية كبيرة من الديمقراطيين (82٪) يريدون أن لا تميل ادارة ترامب إلى أي من الجانبين، مع 8٪ يريدون من الحكومة الأميركية أن تنحاز للفلسطينيين و7٪ تجاه إسرائيل. ومع ذلك، ليس من الدقة وصف “الديمقراطيين” بأنهم “معادٍون لإسرائيل”.
“ومن غير المفاجئ أن الديمقراطيين غير راضين عن الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي يبدو أنها ربطت نفسها بالحزب الجمهوري، وتدخلت في الكونغرس ضد رئيس ديمقراطي (باراك اوباما) في قضية إيران الحرجة، ومع معارضة العديد من أعضائها علنا للهدف المعلن من المفاوضات مع الفلسطينيين وهو انهاء الصراع على اساس حل الدولتين. كما ان هناك صراع واضح بشأن القيم التي تتجاوز الاحتلال، إلى شخصية إسرائيل نفسها. وعلى وجه الخصوص، فإن تمرير القانون الأساسي للدولة القومية مؤخرًا، والذي حدد هوية إسرائيل كدولة يهودية دون الرجوع إلى الديمقراطية، ومنح حقوقًا خاصة للمواطنين اليهود على حساب غير اليهود – قوبل بانتقادات كثيرة، بما في ذلك من كبار قادة اليهود الأميركيين”.
ويقول تلحمي “يجب أن يقلق الأميركيون والحكومة الأميركية بشأن معاداة السامية الحقيقية، حيث كان هناك ارتفاع موثق في الحوادث المعادية للسامية، وكانت المذبحة العنيفة في كنيس بيتسبرغ في شهر تشرين الأول الماضي والتي خلفت 11 قتيلاً لمجرد كونهم يهود، تذكيرًا بأن الكلمات لها عواقب، وأن عصر ترامب قد شجع العنصريين من جميع الأنواع وعززهم، بما في ذلك معاداة السامية”.
ومع ذلك، يؤكد تلحمي “هناك القليل من الأدلة على أن عدد العنصريين قد ازداد بالفعل، وبعض الأدلة تشير إلى أن رد الفعل على الخطاب العنصري في بعض الحالات قد أدى إلى نتائج عكسية. (لقد تحسنت المواقف تجاه الإسلام والمسلمين، على سبيل المثال في عصر ترامب، على الرغم من الخطاب المعادي للمسلمين).
أما فيما يتعلق بالمواقف تجاه اليهود على وجه التحديد، فلدى الأميركيين مواقف إيجابية قوية تجاه اليهودية واليهود. يقول تلحمي “في استطلاع للرأي أجري في تشرين الثاني 2015، قال 81٪ من الأميركيين إن لديهم نظرة إيجابية للدين اليهودي مقارنة بـ 37٪ من الذين لديهم نظرة إيجابية للإسلام. وأعرب 89 في المئة عن آراء إيجابية لليهود مقارنة بنسبة 53 في المئة لديهم آراء مؤيدة للمسلمي ن… في استطلاعنا الذي أجري في حزيران 2016، سألنا عما إذا كان الأميركيون سيصوتون لمرشحين من مختلف الأديان، حيث قال 69 في المئة إنهم سيصوتون لصالح مرشح يهودي مقابل 57 في المئة لمرشح مسيحي انجيلي و37 في المئة لمرشح مسلم. وقال أكثر الديمقراطيين (72 في المئة) من الجمهوريين (67 في المئة) والمستقلين (57 في المئة) انهم سيصوتون لصالح مرشح يهودي. ويبدو أن وجهات النظر الأميركية السائدة تجاه إسرائيل، خاصة بين الديمقراطيين، هي تعبير عن معارضة السياسات الإسرائيلية الحالية والقيم المتوقعة، وليس وجهات النظر “المعادية لإسرائيل”، وبالتأكيد ليست تعبيرًا عن توسيع معاداة السامية”.
وينهي تلحمي بحثه المفصل بالقول “يمكن للمرء أن يوافق أو لا يوافق على الحكمة الداعية لحل الدولة أو أو حل الدولتين، أو استحسان وفعالية العقوبات ضد إسرائيل أو أي شخص آخر. هذه وجهات نظر مشروعة يجب مناقشتها، ويجب أن تتم مناقشتها أكثر من أي وقت مضى، حيث أن هناك شعوراً بأنه بعد سنوات من المحاولة، تتجه الجهود الأميركية للتوسط في الصراع إلى طريق مسدود، مع بقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال بعد 51 سنة، بدون نهاية في الأفق. تحتاج أميركا إلى خطاب خالٍ من العنصرية بالتأكيد، ولكنها تحتاج أيضًا إلى حرية الكلام. ومهما كان القرار الذي اتخذتها محطة (سي إن إن) بطرد البرفسور هيل، فلا يجب السماح لها بتقييد النقاش الدائر حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عندما تكون في أشد الحاجة إليها”.
المصدر: القدس دوت كوم
Sorry Comments are closed