بقلم: مستشار التحرير …أحمد عزت سليم
تمثل حقائق الأزمات المالية العالمية التى يشهدها العالم بشكل مستمر وما ينتج عنها من دمار مخرب لحق باقتصاد وبأثر أكبر على الفقراء والدول النامية والفقيرة فى العالم وفى ذات الوقت كما يطرح أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة أوكسفورد ، تيموثي جارتون آش، رؤيته لتداعيات الأزمة المالية العالمية علي النظام الدولي في مقال بعنوان ” فوضي عالمية جديدة “، أنه بالرغم من “أن هذه الأزمة، لم تؤد إلي الانهيار التام للرأسمالية الليبرالية الديمقراطية، فإنها في المقابل لم تدفع إلي عملية إصلاح شاملة كما كان الأمل معقودا، حيث تواصل الرأسمالية الغربية مسيرتها، مثقلة بالجراح والديون والقلاقل الاجتماعية ” ولكنها مازالت تعالج أزماتها بالتفكير الاستعمارى وتحقيق الخراب للآخرين بالقوة العسكرية ومن ثم الخضوع لها والاستثمار لقواها الاقتصادية فى مايسمى بإعادة الإعمار للدول المخربة على أيدى قوتها العسكرية ، وكما ذكر رئيس الدولى روبرت زوليك عن أن ما يقرب من 100 مليون شخص قد سقطوا بالفعل فى براثن الفقر خلال هذا العالم وسط توقعات بتصاعد هذا الرقم ، تؤكد أن الأزمة سببها الأطماع والصراع بين قوى البشر داخل النظام الرأسمالى الغربى ، وكما ترى “فاينانشال تايمز” الرأسمالية سببها الأعمق العولمة النيو – ليبرالية المُنفلتة من عقالها والفجوة التي لا تني تتوسّع في داخل الدول بين الفقراء والأغنياء، والتضخم الكبير في أسعار المواد الغذائية والطاقة ؟ الأزمة الراهنة ، كما يحلل العالم الاقتصادي د.حازم الببلاوى : ـــ بأنها ليست سوى امتداد طبيعي للأزمة التي سبقتها، فالنظام الرأسمالي لم يخرج من محنته بل لا يزال يغرق فيها ، أنها أزمة أخلاقية، اجتماعية وسياسية في آن واحد. كما يرسم بنجامين باربر خطوط هذه الأزمة على النحو الآتي : ــ
– الأصولية الرأسمالية التي يسميها “ماكوورلد” تيمناً بإمبراطورية المأكولات السريعة، التي انطلقت بعد نهاية الحرب الباردة ، الرأسمالية المتعولمة لم تعُـد في حاجة إلى الدولة – الأمة .
وينسج الباحث الاقتصادي الأمريكي راستون سول جون، في دراسة بعنوان ” الديمقراطية والعولمة ” على منوال باربر فيقول :ـــ إن أخطر ما شهده العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة، هو نجاح الإعلام الأمريكي الذي تُـسيطر عليه الشركات، بتصوير الاقتصاد على أنه قائد المجتمعات، كل المجتمعات، و أن هذا كان تمهيداً لانقلابات كُـبرى في بنية النظام الرأسمالي ، فبعدها سادت الاحتكارات وانعدم التنافس وسيطرت الاوليغارشيات المالية، بعد إن استغلت الشركات الكبرى شعار الاقتصاد كقائد للقيام بأضخم مركزة لرأس المال في التاريخ البشري عبر عمليات الدمج والضم والابتلاع . وفي الوقت نفسه، كان أرباب النظام الرأسمالي يتوقَّـفون على أنهم “رأسماليين حقيقيين”، فهم يتشكلون الآن من التكنوقراطيين والبيروقراطيين والمدراء والموظفين، وهؤلاء جميعاً لا يملكون أية أسهم ولا يقدِمون على أية مخاطر ، الأسهم الوحيدة التي يملكون ، هي تلك التي يحصلون عليها مجّـاناً من الشركات أو عبر استعارة المال من هذه الشركات بدون فوائد .
كل هذه الفئات لا تُـعتبر رأسمالية حقيقية، بل هي بيروقراطية كسولة وكبيرة ومُكلفة، وهي أقرب ما تكون إلى دراكولا مصّـاص الدماء، إذ هي تشتري الشركات الرأسمالية الحقيقية التي لها مالِـكين حقيقيين، الذين لديهم أسهم ويقومون بمخاطر مالية، وبعدها تبدأ هذه الفئات بمصّ دماء هذه الشركات ، وفي خِـضم هذه العملية، تتوقّـف الاقتصادات عن التطور وتنهار الاقتصادات المختلطة، لأن الشركات العملاقة تشتري شركاتها في وقت مبكّـر، وهذه العملية، إضافة إلى فساد طبقة المدراء – البيروقراطيين، هما الآن سبب كل من الأزمة الرأسمالية والأزمة الديمقراطية راهناً ، الأرقام تدعم تماما مخاوف بنجامين باربر وشكاوى راستون سول جون:
– فهناك الآن خمس شركات عملاقة تُـسيطر على 50% من الأسواق العالمية في مجالات صناعات الفضاء والمكونات الإلكترونية والسيارات والطائرات المدنية والفولاذ والالكترونيات.
– وهناك خمس شركات أخرى، تسيطر على 70% من السلع الاستهلاكية ذات الديمومة.
– وثمة خمس شركات غيرها تهيمن على 40% من النفط والعقول الإلكترونية الخاصة والإعلام، و51% من أكبر الاقتصادات في العالم اليوم، هي شركات لا دُول.
– ومبيعات 200 شركة، تمثّل 28،3% من الإنتاج الخام العالمي.
كل هذه الأرقام تعني ببساطة، أن السوق العالمي الموحّـد ومعه القرية العالمية وحتى مفهوم الحضارة العالمية الواحدة، سيكون عمّـا قريب “مِـلكية خاصة” لحفنة من البشر قد لا يتجاوز عددهم عدد مجالس الإدارة في واحدة من الشركات الخمس المذكورة أعلاه ويحقق ما يمكن تسمية بالليبرالية الاستعمارية فى أرجاء العالم تفيذا للمخططات الاستعمارية الأمريكية والغربية . وتكشف نعومي كلاين كاتبة صحفية كندية ومخرجة أفلام وثائقية في كتابها ‘ عقيدة الصدمة.. الرأسمالية الكارثة ، كيف يسيطر الليبراليون الجدد في واشنطن علي العالم وكيف يفرضون رغباتهم علي الدول من خلال استغلال التهديدات الإرهابية الموجهة ضد الأمن ومن خلال اختلاق الإضطرابات السياسية والاقتصادية أو مواكبة الكوارث الطبيعية وذلك بهدف نشر وتوسيع الخصخصة وتطبيق المزيد من السياسات التي تدعم حرية الأسواق تلك الأزمات من شأنها أن تترك المنطقة في حالة دمار كامل فتدخل الشركات في قلب المنطقة المنكوبة وتأخذ الأمور في يدها وتحولها إلي أحد كبري المشاريع لحساب الأثرياء علي حساب الفقراء ـ وفى خضم ذلك سعت السلطات الحاكمة بعد ثورات الربيع العربى مباشرة للاستدانة المليارات من الغرب الاستعمارى ، وتحت مسميات حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية وبمعاونة النخب العميلة للغرب تحقق الليبرالية الاستعمارية ـ فقد أشار “روبرت زوليك” رئيس البنك الدولي إلى أن الفقراء في البلدان النامية لا يتوفر لديهم سوى أقل القليل من السبل لحماية أنفسهم ضد الآثار الناجمة عن هذه الأزمة ، “ففي لندن وواشنطن وباريس، يتحدث الناس عن ما إذا كانوا سيحصلون على مكافآت من عدمه, إلا أن الأمر يختلف تماماً في أجزاء من مناطق أفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث تدور المعركة حول ما إذا كان الناس سيحصلون على الطعام من عدمه” فالأزمة إذاً أسهمت في توسيع هوة الفقر في العالم, وخصوصاً في البلدان النامية ،أو أن تختلق الرأسمالية الكبرى الأزمات مثلما حدث في بعض دول أمريكا اللاتينية فتثير الاضطرابات أو التمرد أو تؤجج الحروب ووسط الفوضي وبينما الشعوب في حالة عدم توازن تبدأ الشركات والمؤسسات الكبري تتدخل لتسيطر وتحول الوضع لصالحها وصالح الرأسمالية بدون أية معارضة من الشعب. تلك الرأسمالية تصفها كلاين بالكارثة لأنها تضحي بالشعوب من أجل الربح وتذكر كلاين قول مارجريت ثاتشر التي دعمت تلك السياسة في الثمانينات بأنه: ليس هناك بديل آخر. وهكذا الأزمة المالية الحالية هي نتيجة للتوسع غير المنضبط في القطاع المالي في الولايات المتحدة ومن ورائه في بقية دول العالم المتقدم، هى من صنع البشر ، وليس أدل على ذلك من تصريح رئيس لجنة التنمية فى البنك الدولى فى مؤتمر صحفى واصفا ما يجرى بقوله ” إن مايحدث هو كارثة إنسانية من صنع الإنسان ” ولا يمكن تحميل الأدوات التكنولوجية الهائلة والمتقدمة والفائقة والعملاقة والأحدث والمستخدمة فى البورصات العالمية ، هذه الكارثة وما خلفته من دمار طال الإنسان ، فالكارثة تعبرعن رغبات واختيارات وأفعال وثقافة وفكرعميق وممتد عبر سنوات طويلة وأجيال عديدة ، تتجاوز التكنولوجيا تجاوزا اراتحيا عن رغبات وأفعال تتجاإنسان فة رقمية تاما ، بل يمكن القول كما قال رايموند ويليامز أن ” التكنولوجيا متوائمة ” ، مع مجمل النظام الرأسمالى العالمى وأطماعه فى تدمير الآخرين والسيطرة على مقدراتهم كلما استطاعت قواه ذلك من خلال سعيها الحثيث إلى السيطرة .
موضوعات تهمك:
فى مواجهة أزمة كورونا أين دور الرأسمالية العربية المسيطرة؟