الذباب الإلكتروني يهاجم الأردن
- الهجوم الشرس على الأردن يساعد فقط في ترسيخ انطباع لدى الأردنيين بأن السعودية التي نعرفها لم تعدكما كانت.
- هناك تغيرا كبيرا طرأ على البنى الذهنية لصنّاع القرار في الرياض وهو أمر لم يعتد عليه الأردنيون.
- ضربت السعودية مثالا سيئا في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي فحوّلتها لمنصات إطلاق نار لم يسلم منها خصوم ولا حلفاء.
* * *
بقلم | حسن البراري
البائسون يقومون بأعمال بائسة، مقولة تنطبق على ما يقوم به الذباب الإلكتروني السعودي تحديدا وهو يشن هجوما دونكيشوتيا على الأردن مجتمعا وقيادة لا لشيء سوى لأن الأردنيين يرفضون إخضاع مصالح بلادهم الاستراتيجية لرهانات طائشة طغت على مجمل سياسات وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
فالمتابع لما يكتبه المغردون السعوديون والذباب الإلكتروني يكتشف أنهم لا ينطقون عن الهوى وإنما يعكسون مزاجا رسميا سائدا في الرياض لا يمكن اخفاؤه.
من خلال نقاشي مع العديد من الأردنيين، يتبين أنهم لا يمانعون من أن تختلف معهم هذه الدولة أو تلك، بل بالعكس من حق كل دولة أن ترى الأمور بشكل مختلف، لكن ما يزعج الأردنيين هو الضغط الذي تمارسه السعودية – وهو ضغط لا يوّلد سوى استياء الأردنيين – والذي عادة ما يتبعه سيل من الاتهامات ومسلسلات من الأكاذيب والسخرية بحق الأردن والأردنيين.
وحتى نكون على بينة، يختلف الأردن مع السعودية بخصوص مصادر التهديد في المنطقة، ففي وقت يقر فيه الأردن للسعودية بالحق في تعريف مصادر التهديد التي تتهدد الرياض.
لكن للأردن الحق في تعريف التهديد بشكل مختلف، فبالنسبة لعمان تشكل السياسات الإسرائيلية تهديدا مباشرا للأمن الوطني الأردني، فكل ما تقوم به إسرائيل – من سياسات بهدف خلق واقع جديد في الأراضي الفلسطينية – يشكل تهديا وقلقاً حقيقيا للأردنيين.
اللافت أن أعداد الأردنيين الذين يرون الرياض حليفا لهم في التصدي للسياسات الإسرائيلية في تراجع كبير. والمثير للانتباه هو ذلك أن القلق ينتاب أعدادا متزايدة وكبيرة من الأردنيين من التقارب السعودي الإسرائيلي، وهو تقارب لا يفهمه الأردنيون إلا في سياق استعداد السعودية للتحالف مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين ومصالح الأردن في حل الدولتين. والصحافة العالمية تعج بالمقالات والتحليلات والتقارير التي تعزز مخاوف الأردنيين من حسابات السعودية.
عمان حرصت خلال السنة الأخيرة على تجنب التصعيد مع الرياض وامتنع الاعلام المحلي عن توجيه أي نقد للسياسات السعودية، وقد لعب اللوبي السعودي في الأردن دورا ملحوظا في إبقاء الخلافات السعودية الأردنية بعيدة عن الأضواء. لكن تراجع قوة هذا اللوبي بعد إجراءات وتغيرات قام بها الملك عبدالله وبخاصة بعد أن عبر الملك بشكل صريح عن غضبه من الضغوط التي تمارس ضد الأردن لإجباره على قبول صفقة القرن، وحينها فهم الأردنيون أن المقصود هو وليّ العهد السعودي الذي لا يبدو أنه يمانع تصفية القضية الفلسطينية لقاء ترسيخ التقارب والتحالف مع تل أبيب ولقاء مباركة واشنطن لطموحة السياسي. وعلى نحو لافت شن الذباب الإلكتروني المرتبط مع محمد بن سلمان هجوما شرسا على الأردن ما يكشف عن فشل الرياض لغاية الآن في تطويع الأردن الذي يعلن جهارا نهارا أن أي حل لا يساعد الفلسطينيين على إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس لن يكون مقبولا. واشتاط الذباب الإلكتروني غضبا بعد أن أعلن الملك عبدالله الثاني لاءاته الثلاث بخصوص القدس والوطن البديل وتوطين اللاجئين الفلسطينيين.
كتبت غير مرة أن الاقليم العربي هش وتنافسي ومخترق، وهذا بدوره يفسر شيوع ثقافة الاستسهال لدى بعض الأنظمة العربية في اطلاق العنان لذبابها الإلكتروني للبطش بمن يختلف معهم.
وبالفعل ضربت السعودية مثالا سيئا في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن حوّلتها إلى منصات لإطلاق النار لم يسلم منها لا الخصوم ولا الحلفاء الذين لا يتفقون معها فيما تريد أن تحققه في الإقليم.
فالهجوم على الأردن بهذه الشراسة يساعد فقط في ترسيخ انطباع لدى الأردنيين بأن السعودية التي نعرفها لم تعدكما كانت. وأن ثمة تغيرا كبيرا طرأ على البنى الذهنية لصنّاع القرار في الرياض وهو أمر لم يعتد عليه الأردنيون.
* د. حسن البراري أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية
المصدر | الشرق – الدوحة
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة