لماذا قد يؤدي رفض زيادة الحد الأقصى للاستدانة إلى نسف الاقتصاد؟
هل سيكون «الديمقراطيون» مستعدين لاتخاذ إجراءات غير عادية سيتطلبها الموقفُ، وفعل كل ما يلزم لتجنب التعرض للابتزاز؟
في العالم الحديث، يلعب الدين الأميركي دوراً حاسماً لأنه الأصل الآمن في نهاية المطاف ويمكن تحويله بسهولة إلى نقود، ولا توجد بدائل جيدة.
سيهاجم جمهوريون وخبراء لا يدركون حجم المخاطر بشدة زيادة الحد الأقصى للدين لكن هذا أفضل من السماح بالابتزاز وسيتم نسيانهم بحلول انتخابات 2024.
وإذا فقد المستثمرون الثقة بوفاء الحكومة الأميركية بالتزاماتها، ستجعل العاصفة المالية الناجمة فوضى بريطانيا مؤخرا تبدو أمراً تافها. فما الذي يجب فعله إذن لتجنب هذا الخطر؟
إذا سيطر الجمهوريون على أحد المجلسين أو كليهما في نوفمبر، يجب أن يستخدم الديمقراطيون فترة تقييد صلاحيات الرئيس أواخر ولايته لإقرار زيادة كبيرة جدًاً بالحد الأقصى للاستدانة، بما يجمد القضية سنوات.
* * *
لا أحد يعرف على وجه اليقين ما سيحدث في الانتخابات النصفية الأميركية القادمة. لكن إذا هيمن «الجمهوريون» على أحد مجلسي الكونجرس أو كليهما، فستدور المسألة الأهم حول السؤال الذي لا يحظى بأي اهتمام عام تقريباً وهو: ماذا ستفعل إدارة بايدن «حين» يهدد الحزب الجمهوري بنسف الاقتصاد العالمي برفضه رفع الحد الأعلى للدين؟ وعلى وجه التحديد، هل سيكون «الديمقراطيون» مستعدين لاتخاذ إجراءات غير عادية سيتطلبها الموقفُ، وفعل كل ما يلزم لتجنب التعرض للابتزاز؟
لاحظ أنني قلتُ «حين» وليس «إذا». فبعد أن هيمن الجمهوريون على مجلس النواب عام 2010، سرعان ما استخدموا الحد الأقصى للاستدانة كسلاح ضد إدارة أوباما، واستخدموه لانتزاع خفض في الإنفاق لم يكن بإمكانهم الحصول عليه بالوسائل التشريعية المعتادة.
وذلك كان الحزب الجمهوري قبل ظهور شعار «لنجعل أميركا عظيمة من جديد». فقد كان الحزب حينَها، في معظمه، لا ينكر شرعيةَ الرئيس ولا يتحمل أعذاراً لانتفاضات عنيفة. وفي الواقع، أتساءل عما إذا كان الجمهوريون سيحاولون بطريقة جدية انتزاعَ تنازلات هذه المرة، وليس خلق الفوضى من أجل الحصول عليها. ولاحظ أيضاً أنني قلتُ «نسف الاقتصاد العالمي»، وليس مجرد عرقلة الحكومة الأميركية. وهذا لأن عواقب فرض التخلف عن سداد الديون الاتحادية، وهو ما سيُحدِثه رفض زيادة الحد الأقصى، ستمتد إلى ما يتجاوز عمليات الحكومة الاتحادية نفسها.
دعونا نتريث ونتحدث عن سبب اعتبار أي من هذا المشكلةَ. يتطلب قانون الولايات المتحدة، لأسباب تاريخية، أن يصوت الكونغرس على الميزانية مرتين. فأولا، يسن أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب تشريعات تحدد معدلات الضرائب وتجيز الإنفاق. وينتهي هذا التشريع بتحديد رصيد الميزانية الاتحادية.
لكن إذا انتهى بنا الأمر إلى عجز مالي، يتعين على الكونغرس حينها التصويت مرة ثانية للسماح بالاقتراض لتغطية هذا العجز. وليس من الواضح على الإطلاق مدى منطقية هذا الإجراء.
وعلى أي حال، في العصر الحديث، يدعم تقييد الدَّين المواقفَ الجبانة. فبوسع السياسيين التذرع بالمسؤولية المالية ورفض الموافقة على رفع سقف الديون، دون أن يحددوا كيفية لتحقيق التوازن.
وليس من باب الإجابة الأمينة القول إنه «يجب القضاء على التبذير في الإنفاق». والحكومة الاتحادية هي في الأساس شركة تأمين عملاقة مع جيش. فالضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والجيش يهيمنون على الإنفاق.
والناخبون يريدون الإبقاءَ على كل هذه البرامج. ومن المؤكد أن هناك هدراً في الحكومة، كحال أي منظمة كبيرة، لكن حتى لو تمكنا بطريقة ما من القضاء على هذا الهدر، فلن يؤثر هذا كثيراً في تقليص العجز.
ويستطيع الشخص الذي يشعر بقلق شديد من العجز المطالبةَ بزيادة الضرائب. فعلى كل حال، يعتبر العبء الضريبي الأميركي منخفضاً مقارنةً بالدول الغنية الأخرى. غير أن الجمهوريين لا يذهبون إلى هناك. لكن إلى أين سيذهبون إذن؟
هناك أدلة كثيرة على أن الجمهوريين سيحاولون، إذا استطاعوا، استخدامَ حد الدين لابتزاز خفض كبير في الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. وربما لم يتمكنوا من إقرار مثل هذا الخفض الذي لن يحظى بشعبية كبيرة من خلال العملية التشريعية العادية.
وبالتأكيد لن يكون لديهم ما يكفي من الأصوات لتجاوز حق النقض المخول للرئيس بايدن. إنهم سيلجؤون إلى إجبار الديمقراطيين على التواطؤ معهم، حتى لا يدرك الرأي العام مَن المسؤول عما حدث. وهذا أفضل سيناريو.
وكما قلت، الحزب الجمهوري أكثر راديكاليةً الآن مما كان عليه قبل أكثر من عقد، وقد يكون اهتمامه بتحقيق أهداف سياسية أكبر من اهتمامه بنسف الاقتصاد العالمي في فترة ولاية رئيس ديمقراطي.
لماذا قد يؤدي رفض زيادة الحد الأقصى للاستدانة إلى نسف الاقتصاد؟ في العالم الحديث، يلعب الدين الأميركي دوراً حاسماً لأنه الأصل الآمن في نهاية المطاف ويمكن تحويله بسهولة إلى نقود، ولا توجد بدائل جيدة.
وإذا فقد المستثمرون الثقة في وفاء الحكومة الأميركية بالتزاماتها، ستجعل العاصفة المالية الناتجة عن ذلك الفوضى في بريطانيا في الآونة الأخيرة تبدو وكأنها أمراً شديد التفاهة. فما الذي يجب فعله إذن لتجنب هذا الخطر؟
إذا سيطر الجمهوريون على أحد المجلسين أو كليهما في نوفمبر، يجب على الديمقراطيين استخدام فترة تقليص صلاحيات الرئيس في نهاية فترة ولايته (البطة العرجاء) لإقرار زيادة كبيرة جداً في الحد الأقصى للاستدانة، بما يكفي لتجميد القضية لسنوات.
الجمهوريون والخبراء الذين لا يدركون حجم المخاطر سيهاجمون بشدة هذه الخطوة، لكن هذا أفضل بكثير من السماح بالابتزاز. وربما سيتم نسيانهم بحلول موعد انتخابات 2024.
وإذا لم يتخذ الديمقراطيون، لسبب ما، هذه الخطوة الواضحة، يجب أن تستعد إدارة بايدن للجوء إلى الاستراتيجيات القانونية لتجاوز الحد الأقصى للاستدانة. وهناك ثغرات كثيرة فيما يبدو تستطيع الإدارة استغلالها.
ويعد سك عملات بلاتينية بقيمة تريليون دولار هو الأكثر شهرة، لكن هناك ثغرات أخرى، مثل إصدار سندات بدون تاريخ استحقاق وبالتالي ليس لها قيمة اسمية. ومن المؤكد أنه لا يتعين على الديمقراطيين القلق بشأن النزاهة حين يكون دونالد ترامب هو المسيطر على الحزب الآخر.
وعلى أي حال، يواجه الديمقراطيون الآن خصوماً ليسوا راديكاليين فحسب بل مناهضين للديمقراطية أيضاً. ولا يوجد حل وسط حقيقي ممكن. وبالطبع، لن يكن هناك داع لأي من هذا إذا هيمن الديمقراطيون على الكونغرس. لكنهم يجب أن يستعدوا للأسوأ.
*د. بول كروغمان كاتب وأكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
المصدر: الاتحاد – أبو ظبي
موضوعات تهمك: