بقلم: ياسر أبو هلالة
من السهل القول إن العالم يتآمر على المسلمين، فالتغاضي عن دماء المسلمين في سورية وفي بورما، يقدم حججا لنظريات المؤامرة. فعندما تمس تماثيل بوذا يهتز العالم، وعندما يباد المسلمون على يد البوذيين في بورما يكون التحرك باهتا ومن باب رفع العتب. مع أن رئيس وزراء بورما يصرح رسميا بأن المكان الوحيد للمسلمين هو مخيمات اللجوء. ولم يبق عليه غير تمييز المسلمين بدمغة ورقم وسوقهم لمعسكرات الإبادة.
في الواقع، لا توجد مؤامرة، يوجد عالم يتحرك وفق منطق موازين القوى والمصالح. ولذا فتكت المجازر والمجاعات بملايين البشر من غير المسلمين في أفريقيا وفي غيرها ولم يتدخل العالم إلا بعد أن تعب القتلة. فوق ذلك فإن تحرك العالم لا يكون وفق أمانينا، ومجلس الأمن ليس الخليفة الذي يلبي صرخة وامعتصماه.
يتحرك العالم بمنطق الدول، وهو منطق لا يستطيع أن يواجه عصابة، سواء كانت في سورية أم بورما. الدول تخشى على سمعتها، وفي ظل أي قرار دولي ولو كان إدانة لفظية تتحرك لتحسين صورتها وتدارك أخطائها. العصابة غير معنية بالسمعة داخليا وخارجيا، وما يعنيها استمرار وجودها.
في بورما كما سورية لن يكون العالم أكثر ملكية من الملك، في ظل عجز وتردد إسلامي لن يتحرك العالم، في سورية أكثرية تباد من أقلية وفي بورما العكس، وفي الحالين تمتد المأساة. من اليوم الأول وجد بشار من يتبنى جرائمه ويقول له إمض إلى النهاية. إيران وحزب الله وفرا الغطاء الإقليمي وروسيا والصين الغطاء الدولي. وبعدها ترك الشعب السوري وحيدا ليواجه أكثر الطغاة وحشية.
خلال عام ونصف من الثورة الملحمية في سورية قدم السوريون دماء عشرين ألفا من أطفالهم ونسائهم ورجالهم، وما زادهم خذلان العالم إلا تصميما على النصر واتكالا على الله. وما من سوري إلا ودفع كلفة الثورة قتلا وتعذيبا واعتقالا وتشريدا، سواء بنفسه أم بعائلته. وعندما يعتذر السوريون في مظاهراتهم لمسلمي بورما فلأنهم يشعرون بوحدة الحال معهم ومرارة الخذلان.
كم بقي من حساب الدم السوري لتسديد قيمة الحرية؟ الله وحده يعلم. تحليلا يمكن القول بقي القليل، فالثورة اليوم لم تعد مستضعفة، وما حققته بضربة الأمن القومي أظهر قدرة فائقة على التخطيط والتنظيم والتنفيذ. فالنيل من آصف شوكت وبقية عناصر خلية الأزمة يعادل النيل من بشار نفسه. وحتى الآن لا يعرف كم خسر فيها النظام وحلفاؤه، لكن بكائية نصرالله على رفاق السلاح تشي بوجود مسؤولين إيرانيين ومن حزب الله في الاجتماع. وهم لم يتغيبوا عن الاجتماعات من بداية الثورة.
في عملية الأمن القومي أظهرت الثورة أنها تستهدف رؤوس الظلم لا عامة الناس، فمن ضرب بهذا العمق ولم يسقط مدنيين، ليس إرهابيا. وإلا بإمكانه أن يرتكب مجازر مروعة بحق القرى والأحياء العلوية. وفي الوقت الذي تقصف فيه المساجد على رؤوس المصلين لم تستهدف حسينية ولا كنيسة ولا سينما ولا خمارة، هل هو عجز من الإرهابيين الذين وصلوا للأمن القومي أم أنهم ليسوا إرهابيين؟
تلك الدماء لم تكن رخيصة، ومهر الحرية غال. والدم الإنساني مصان بمعزل عن العرق، وسيأتي يوم ليس ببعيد، يقدم فيه المجرمون الذين أراقوا دماء الأبرياء لعدالة الأرض قبل عدالة السماء.