مادامت اللجنة القانونية بمجلس النواب قد أفلحت، وهي كذلك بكل الأحوال، فمن هي الجهة التي أخفقت أو لم تفلح؟!
أين الخبراء؟ أين العسس؟ أين دهاقنة القانون ونصوص الدستور والمستشارون الذين يتجاوزن عبارة مثل «لا أرغب في الظهور أكثر»؟
لا أحد يمكنه أن يعرف بصورة محددة كيف تسلل اجتهاد أو خطأ دستوري تسبب بكل الانقسام والجدل الذي يجتاح المشهد السياسي والوطني الأردني؟
من يتحدث اليوم عن حصول خطأ أو اجتهاد خاطئ بنصوص دستورية أرسلتها الحكومة للبرلمان ليس المواطن أو الرأي العام ولا المعارضة، بل رموز الإدارة!
ما الذي حصل وهذه المخالفة في الخطأ والاجتهاد كيف تسللت أو تسربت وسط زحمة حراس الدولة لكي تفعل فينا كأردنيين ما فعلته من انتاج رديء للخلافات؟
* * *
بقلم: بسام البدارين
لا أحد يمكنه أن يعرف بصورة محددة كيف تسلل اجتهاد أو خطأ دستوري تسبب بكل الانقسام والجدل الذي يجتاح المشهد السياسي والوطني الأردني؟
أين الخبراء؟ أين العسس ؟ أين دهاقنة القانون ونصوص الدستور والمستشارون الذين يتجاوزن عبارة مثل «لا أرغب في الظهور أكثر»؟
من يتحدث اليوم عن حصول خطأ أو اجتهاد خاطئ في نصوص دستورية أرسلتها الحكومة للبرلمان ليس المواطن الأردني، ولا الرأي العام، ولا حتى المعارضة، بل رموز الإدارة أنفسهم، وعلى الأقل من جهتي هذا ما توحي به مفردة مثل «تحسينات» على نص دستوري مرسل عندما استعملها رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب عبد المنعم العودات.
وهو نفسه ما توحي به عبارة أخرى «لا ضرورة لأن يترأس جلالة الملك المجلس الجديد».
الجميع في مستويات القرار يتفق أو يتوافق أو يقر بحصول اجتهاد خاطئ.
وجميع أركان الدولة والشعب يدفعون الآن الثمن عبر سجالات كان يمكن الاستغناء عنها، وانقسامات مسيئة في الرأي والاجتهاد، تناولت في معظمها أقدس ثوابت الأردنيين وأهم ما يؤمنون به.
لكن لا أحد يبدو مهتما وللأسف الشديد بالإجابة على سؤال صغير قد يكون أكثر أهمية من تعديلات الدستور نفسها: ما الذي حصل وهذه المخالفة في الخطأ والاجتهاد كيف تسللت أو تسربت وسط زحمة حراس الدولة لكي تفعل فينا كأردنيين ما فعلته من انتاج رديء للخلافات؟
بصراحة هنا أبلغني أحد المسؤولين بأن النص الذي أثار عاصفة الجدل وانطوى على اجتهاد دستوري كارثي قبل تحسينه أرسل جاهزا للحكومة، وشرح بأن الطاقم القانوني في الحكومة التقط المفارقة لا بل الخطأ في النص وتوقف عندها، لكن التعليمات جاءت بأن تتبنى الحكومة النص كما وصلها.
وأزعم هنا ومن باب التحليل بأن المطبخ الذي التقط في الحكومة وجود إشكالية في النص الدستوري المقترح ثقته بنفسه قد تكون مهزوزة، بمعنى أنه لمس بيديه الخطأ لكنه لم يجرؤ على وضع رجليه في الحيط أو على الإصرار على تصويبه قبل إرساله لمجلس النواب، أو أن من شعروا من المختصين بوجود خطأ لم يسمح لهم بالتصويب والتعديل قبل الاعتماد والارسال، وهنا تحديدا تكمن الأزمة حيث حالة هلامية نخبوية بدأت تجرح مشاعر الأردنيين جميعا، قوامها نصوص ومقترحات لا أحد يعرف من هو صاحبها وإلى أي أب تنتمي مما يبرر لاحقا ضعف جبهة الدفاع عنها أصلا.
أغلب التقدير أن من صمتوا على الأقل في الحكومة وبسبب نسبة الثقة بالنفس وبالمشهد العام، توفر لديهم انطباع بأن المسألة تختص بأمر سيادي أو بجانب لا تراه الحكومة بينما حقيقة الأمر غير ذلك.
ألحقت التعديلات الدستورية المثيرة للجدل بوثيقة تحديث المنظومة السياسية وسألت شخصيا كبار أقطاب وأركان اللجنة التي وضعت الوثيقة وقيل لي بوضوح بأن الحكومة هي التي أضافت النص الذي أثار العاصفة.
وشعرت شخصيا بوجود مشكلة ما، وأنا أراقب الصديقة الوزيرة المختصة بالشؤون القانونية وهي تشتبك تلفزيونيا لشرح الأمر، فلمست كمراقب وجود معطيات ومعلومات غائبة وأني أمام وزيرة تحاول شرح نصوص لم تصدر عنها، ومن المرجح طلب منها الشرح والاشتباك وبسرعة وقبل فلترة ونضوج المعطيات.
قال لي أحد نواب الأمة إن رئيس الوزراء وبروحه الفدائية المعهودة في الدفاع عن خيارات الدولة تحمل المسؤولية كاملة وسألت السيد سمير الرفاعي عن تلك التعديلات المضافة بعد ما دافع عنها علنا، فأبلغ بأن الحكومة شرحت له هذا الدفاع.
لافت جدا للنظر أن خبراء في اللجنة الفرعية التي وضعت مخرجات تحديث المنظومة، واختصت بالتعديلات الدستورية صمتوا تماما طوال مرحلة التجاذب، لكن أحدهم فاجأني بتصريح علني يمتدح فيه ما غيرته وبدلته قانونية النواب وعلى أساس أنها «أفلحت».
مادامت قانونية النواب قد أفلحت، وهي كذلك بكل الأحوال، فمن هي الجهة التي أخفقت أو لم تفلح؟
يصلح هذا للأسف مجددا للاشتباك على المستوى العام، والقول بحالة فشل كلوي تعاني منه الفلاتر والحلقات الوسيطة، ونجلس طويلا في منطقة فاتورة وكلفة أزمة الأدوات، ونعود مجددا بملء إرادتنا وأدائنا إلى تلك الرغبة الجامحة التي لا نفهم لها سببا بعنوان الإصرار على إعداد طبق العجة بدون تكسير أي بيض أو الإلحاح على قلي البيض بالمياه، مع أن أزمة المياه أيضا والجدل الذي يرافقها القرين الأقوى على أزمة الأدوات.
حتى لا نكثر من التقول والاجتهاد لا بد لجهة رسمية ما أن تتحمل مسؤولية هذا الاخفاق الكبير، فالقيمة والثيمة الأساسية في وجدان تاريخ الأردنيين ودولتهم هي تلك التي تقول بأن النص الدستوري محكم ودقيق واستثنائي وخارج كل بهلوانيات وعبث السياسيين، وحرص الدولة كان لأكثر من قرن دائم وأزلي ومستمر على بقاء الدستور خارج صراعات مراكز القوى والأداء المراهق.
كنا كذلك ويجب أن نبقى.
* بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: