الخيبة الرمضانية !
- الخيبة الرمضانية تأتي من اعتبار رمضان شهر المتعة الفائضة عن سائر الشهور، بينما شُرع لعكس ذلك تماما.
- ثالوث الموائد الفائضة، والشيشة المتناثرة بدخانها والفضائيات المتلاحقة طقوس مهيمنة على خيمة “ليالي الشهر الفضيل”!
- رمضان حمية روحية أي توقف عن وجبات المتعة والترفيه وتطهير الجسد من نهم الملذات، والتركيز على وجبات تزيد قوة الروح ومناعتها
* * *
بقلم | زياد الدريس
في أحد الرمضانات الماضية، كنت في رحلة عمل إلى مدينة عربية، ولمّا حان وقت الإفطار، سألت المسؤول في الفندق إن كان لديهم مكانٌ معدٌ للإفطار فقال لي: “نعم في الخيمة الرمضانية في الفندق، فهي معدّة خصيصاً لراحتكم ومتعتكم في ليالي الشهر الفضيل”.
ذهبت إلى الخيمة الرمضانية المجاورة لبهو الفندق، ووجدت فيها كل شيء، إلا رمضان. كان ثالوث: الموائد الفائضة، والشيشة المتناثرة بدخانها، والفضائيات المتلاحقة، هو الطقوس المهيمنة على خيمة “ليالي الشهر الفضيل”!
لستُ ممن يُجرّمون المتعة والترفيه، لكني لا أفهم حتى الآن كيف استطعنا اختيار شهر رمضان (الروحاني) من بين الشهور الـ12 ليكون هو بالذات شهر المتعة والترفيه؟!
في أحد أشهر أنظمة الريجيم الغذائي، تقوم الحِمية على مبدأين أساسيين: الامتناع “مطلقاً” عن النشويات والسكريات (أغذية اللذة والمتعة والترفيه)، والسماح المفتوح “مطلقاً” بتناول البروتينات والمعادن (مكامن القوة والمناعة).
هدف هذه الحمية، النوعية لا الكمية، غسل البدن من الزوائد وتنقيته من الشوائب. ومن الواضح طبعاً أن هذا الريجيم ليس نظام حياة دائم، بل يمارسه الإنسان بين فترة وأخرى لأيام معدودة.
شهر رمضان شبيه في خصائصه بنظام الريجيم السابق، لكن رمضان حمية روحية، يتم في أيامه المعدودة التوقف عن تعاطي وجبات المتعة والترفيه، وتطهير الجسد من نهم الملذات، والتركيز على الوجبات التي تزيد من قوة الروح ومناعتها، كالإكثار من الصلوات والصدقات وتلاوة القرآن، والتربية على الجوع والصبر عند العطش، وتذكّر الذين يعانون صياماً دائماً بسبب القلّة والفقر.
“الخيبة الرمضانية” في الفنادق، أو حتى في البيوت، ستقع عندما نُصرّ على اعتبار شهر رمضان شهر المتعة الفائضة عن سائر الشهور، في حين أنه خُلق ليكون عكس ذلك تماماً.
سُئل أحد السلف/الخَلَف عن حاله، فقال: “أكون سلفياً في 11 شهراً، فإذا دخل رمضان، أصبحت صوفياً، فإذا جاء العيد انقلبت ليبيرالياً حتى حين”!
* د. زياد الدريس كاتب سعودي ومندوب بلاده السابق لدى اليونسكو.
المصدر | الحياة
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة